قصر المؤتمرات ... العمارة وجدت .. والغاية فقدت/محمد علي مزهر شعبان
Fri, 10 May 2013 الساعة : 0:22

قصر يطل باشراقة تبهر الناظر ، وكأنك امام طود شامخ . فكرة بناءه أن يحتضن الوافد اليه رحبا وسعة واعجابا ، فهو مصمم من قصور ذلك الأرث والعمق التاريخي لبلد عظيم ، ليبدو في أزهى فن للعمارة . حين ذهب ذلك المهندس الفلندي ، يبحث في شواهد وحضارة بلد ، ومابين أطلال ومعالم تحتفظ لحد الان بعبقرية هندستها ، من بقايا شواخص قياسا بذلك الزمن . استوقف هذا المهندس قصر الاخيضر ، فيتأمل طويلا ... يالعمارة الفكر المبدع . يبدأ الرجل يرسم الخطوط الاولى لمشروعه على الورق ، ثم تبدأ ماكنة العقل الجبارة توضع اللبنات .. تتصاعد الجدارات ، تفصح عن جمالها البنايات ، تطلى بأرق وما أبدعت يد فنان ، حتى بدت الجدارات كأنها سجادة حيكت بادق الانامل لاهل الفن ، كأنهم يستحضروا (دافنشي ) .
أضحت البناية وكأنها المعلم الذي يضع البلد في المقام المؤهل لاستقبال كبار الضيوف في مؤتمراتهم ، والبلد في مناسبته واحتفالاته . قاعات للمؤتمرات ، واخرى للبيانات ، وصغيرة منها للمشاورات وربما لعلها للتصالحات او المؤمرات ، تجاورها اروقة تحيط باالفضاءات المفتوحه ، على جوانبها منافذ تؤدي الى ممرات مكاتب عامرة تعنى بكل كبيرة ودقيقه من المتطلبات ... شعب للاعلام ، والتصوير ، واللقاءات ، دائرة للبث التلفزيوني ، وقد جهزت بارقى التقنيات . مصاعد كفؤة تنقل دون عناء في كل الاركان ، تصونها ورش متخصصه ، ودوائر هندسية لمختلف المهام ، هندسة الصيانة الكهربائيه ، واخرى للبنى التحتيه . ماكنات طباعة لم تتوفر لاكبر مؤسسة اعلاميه ، مخازن توفرت فيها كل الاحتياطات .
كم جميل ، أن تجد نوادر التنظيم في بناية عراقيه ، حيث زينت مدخليها ، بحدائق غناء ، افترشتها وردود من كل الاصناف ، واشجار غطيت بعناء ، وحاويات احتضنت الازاهير وتلك الاشكال الناظره من تلوينات الورود ، واذ ترفع النظر وانت في هيبة الدخول اليها ،اذ تجد قد ركن على جانبيها ، اعمدة حلزونية عملاقه تمتد الى سطوح الطابق الثالث لونت باللون اللازوردي، تحتوي على غرف صغيرة ، هي ذات مهمات سرية ، دونك تلك البنايات التي اسست وكانها دوائر مستقله .
وحين شغلت هذه البناية من مجلس النواب ، استعد كادرها أن يجهز كل شيء للسادة القادمين ، وأدت بكل مما يخطر لهم من أبهة مقام ، يحلم بها من اراد أن يعظمه المكان ، وعليه أن يكون كفؤه . توسعت مهام ودوائر القادم الجديد ، سواء لحاجة ملحة ، ام انها بيروقراطية المكاتب ، واستيعاب المجاميع لغاية في توسيع قاعدة العوائل او المحسوبية لكل طرف يمسك زمام دستها . تنوعت فيه الشعب واللجان ، وتعددت الاقسام ، حتى وكأنك امام فيالق في مهمة عظمى ، ولكن الازمة لم يكتمل النصاب لتحقيق شيء منتج على الارض ، بدت تلك البناية الانيقه في جوفها بركان من الحركة وكأنك أمام كامرة تسوق المارة بتلك الحركة السريعة . جوانبها تضيق ذرعا ، حيث تحولت الفسحة الى اختناق ، يضج بتلك الغرف الخشبية ، وكأنها عيادات أطباء في زقاق ضيقه .
فقد داخل القصر بريقه في تلك التخندقات ، وما بين الغاية التي اسس من اجلها ومهام المستأجر الجديد وسلطته ، لم تتباطيء ادارة القصر متمثلة بمديره وكادره بأن يواصلوا العمل كخلية نحل في رسم الصورة الغناء لهذا الصرح ، حين واصلوا ومن خلال تفتق ذهنية مديره الجمالية ، ان يزرع دروبه وردا وازهارا ورياحين ، ووفر حشدا من المهندسين الزراعيين والمزارعين ليجعل من دواخله ومداخله ، جنة وقد اتسقت ساحاته لتحتضن خضارا فردوسي ، رغم ما يعانيه موظفوا هذا القصر من حيف يثير الاستغراب ، البناية وطنه ، والقادم الجديد فرض لازم ، فاهلا ، ولكن المصيبة حين يدخل موظفوا قصر المؤتمرات ومجلس النواب من شارع واحد وممر واحد ، ليدخلوا الى بناية واحده متجاورة الغرف ، والمصيبة ان ما يقبضه موظف المجلس من حيث الهدايا والعطايا وقطع الاراضي ، والسخاء كل السخاء الذي لا يثير الحسد عند صاحب الدار من موظفي القصر ولكن الاحباط والغبن في الشعور والاحساس ، حين تكون خطورتهم 50 الفا وخطورة موظف مجلس النواب 400 من المئه من الراتب الكلي ، وبهذا يكون الموظف في المجلس ومن الدرجة السادسه يقبض ثلاثة اضعاف ما يستلمه موظف في الثانيه من القصر . وحين يسئل المرء ، يقال له هوذا قانون الرئاسات ، والسؤال البليغ ، في دعوى البليد ، هل ان النازلة تميزك عني حين تحدث ، حتى تكون موسوما بهذه العطايا والخطورة ؟
ربما هذا التظلم والمظلوميه خارج السياق في الحديث عن هذا الصرح . والسؤال هل فقد القصر ما هية التأسيس وغايته ؟
ان العمارة وجدت والماهية فقدت . ذلك أن ما تفرضه الوقائع في ان تتوجه كل مؤسسة حكومية للاستثمار ، وهذا القصر يعتبر من ركائز الصناعات الثقافيه ، فهو مورد كبير لاحتضان المؤتمرات والندوات والاحتفالات ، وهو من التأهيل ان يكون موردا اقتصاديا كبيرا من حيث التمويل الذاتي لو قدر ان يستخدم من اجل الاغراض التي صمم من اجلها . مثلا امارات انبثقت توا من الرمال ، اهتمت وبشكل راع للمسؤولية الحضارية ، حين بنت قصر المؤتمرات في دبي ، حتى تجاوز هذا القصر في عمارته برج خليفه ، حيث المسابح والفنادق والمطاعم والاستجمام والملاعب . ولو قدر لمقارنة بسيطه اين دبي برمتها حين بني هكذا صرح في العراق ؟
السؤال الاخير هل يستثمر القصر فيما تبقى لادارته من نسبة الحركة ، ان يحقق الغاية التي اسس من اجلها ؟ والجواب ، أن هذا السؤال افتراضي ، لان مؤتمرا واحدا عقد فيه ليس الا ، ثم عقد بأسم اعياد ميلاد صدام ، ثم تحول هذا العقار رهينة لمجلس النواب ، وعليه لمن يفقه اقتصاديات بلده أن يدرك أن الدولة تبحث عن اموال ، وهو تفكير لدولة تعتمد البترول الممول الوحيد لصادرتها ودخلها القومي ، في حين بدأ العالم النامي والمتقدم يبحث عن موارد الصناعات الثقافيه الذي يتساوق وربما يتجاوز هذا المصدر الذي يمكن نفاقه او تعرضه لازمات .