كل حال يزول -5- العَتَبَة-زاحم جهاد مطر
Mon, 18 Jul 2011 الساعة : 8:29

يا سادة يا كرام... لكم مني تحية وسلام... يقول الراوي في كتابه الحاوي, في فصل النصيحة, والاستشارة الصحيحة, ان المرأة للزوج كعتبة الدار, ومفتاح الاسرار, فأذا كانت من اصل كريم, وشرف عظيم, تسد عنه في غيابه, وتحفظ له بيته وبابه, وكلنا علمنا, بعد ان قرأنا وسمعنا, بقصة ابراهيم الخليل, وزوجة ابنه اسماعيل, عندما عاد يائساً, ومن استقبالها بائساً, لكنه ترك عندها الوصية, غايته فيها مخفية, بكلام لطيف رقيق, بأن العَتَبة بالبيت لا تليق, وعند عودة اسماعيل, اخبرته بما جرى بالتفصيل, وقالت يا زوجي العزيز, مرَ بنا رجل عجوز, اوصاني بحديث قصير, ليس له معنى او تفسير, فكر اسماعيل بالأمر, وعلم بالذي مر, وبالسر المذكور, في القول المأثور, فقال لها انت طالق, وانا لكِ الان مفارق, وكذلك يا سادة يا كرام, يا اهل الفضل والاكرام, فأن لكل حاكم او وزير, وملك او امير, له مكتب عريض طويل, يضم الكثير وليس القليل, وهذا المكتب الجبار, مثل عتبة الدار, فأن كان يضم الشريف والعاقل, والعفيف العادل, والصادق الناصح, والنزيه الواضح, لكانت الدنيا بخير, وعاش النسر مع الطير, ولكن من ادهى الامور, ان الولاة على مرِ الدهور, يختارون من هبَ ودب, ومن كل حدب وصوب, ومن يتملق ويماري, ولرغبة الحاكم يداري, ومن مِن سقط المتاع, والمنافق الخداع, واذا كان الامر كذلك, والحاكم اهذا الطريق سالك, فقولوا معي ايها الانام, على الدنيا السلام, ويذكر لنا صاحب الاسناد, في كتابه النصح والارشاد, حكاية طريفة, وقصة لطيفة, جرت احداثها في باريس, بين فولتير والملك لويس, بعد الضائقة المادية, والمشكلة الاقتصادية, وحتى يقلل من المصيبة والبلاء, قرر الملك لويس الاستغناء, عن نصف الخيول والبغال, كأِجراء ملكي فعّال, وجاء الى فولتير متعالياً, و اخبره بالأمر متباهيا, فكر فولتيرملّياً, ليرى الصورة جلياً, واجابه بكل برود, امام الحاضرين والشهود, انه اجراء جيد وخطير, وأمرٌ جدير بالتفكير, ولكن يا سيادة الملك, يا من لكل شيء ملك, اما كان لك الاحسن, وللشعب والوطن, ان تسرّح نصف الحمير, في قصرك الاثير, والذين هم حواليك, ومن مستشاريك وحواريك, من اصحاب الكروش, وعشاق القروش, يحجبون عنك حقائق الامور, ويُغَيرون مابين السطور, يختمون نيابة عنك, ويتحدثون بأسمك, لهم في كل عقد ومقاولة, حديث طويل ومداولة, ولهم النصف بالنصف, في كل نوع وصنف, من العقود الجارية, والاتفاقيات السارية, والناس في واد, وانت وشلتَك في واد, والبلد صار في املاق, من كثرة الحرامية والسراق, هذه نصيحتي لك, والامريعود لك, فخرج فولتير بحذر, من القصر وقرر, الاختفاء والهروب, من نقمة الملك اللعوب.
واوصاني الكثير, من اصحاب العقل والضمير, ان لا اخوض في هذه المسألة, ولا ابحث عن سر المشكلة, وسوف يظن الفهيم, بأن فولتير من البهيم, او شيء من الهوام, او حيوان لحمه حرام, او طير في السماء يطير, او نجمة مع القمر تسير, والذي لا يعرف الجُكَ من البُكِ, لا يفرق بين الكلب والكركي, فنحن في ولاية بطيخ, يا فولتير يا بطيخ, والذي لا يعرف المتنبي والبحتري, فكيف به يعرف فولتير العبقري, واسمع ما يقول القائل, بحكمة السائل (مو سبخة الكاع ليش الزرع بيه)؟؟
واقول يا سادة يا كرام, يا اهل الفضل والاكرام, دوماً يوصى بالنصيحة, لان الدين النصيحة, فكلما كان اهل النصح والارشاد, هم من اهل العقل والرشاد, كان الخير في البلاد, والامن للعباد, اما اذا كانوا من شلّة البهائم, ومن اهل الغنائم والولائم, ظهرت على الديار, علامات الانهيار, وخير الكلام, ما قلَّ ودل, وخير الانام, من استشار وسأل, والنبيه الذكي من يختار الزكي, واستشارة عالم خبير, افضل من جمع الحمير, فهل من حاكم او والي, ينتبه لمقالي, ويقرأ حروفي بأمعان, ويفهم الدرس بأتقان, وبعد ان اطلنا الحضور, تذَكرنا بالمطرب حميد منصور, وهو يغني قريباً من الدار, واشتاق كثيرا للأخبار, لا وصل لا ذكريات, ولا الدروب تطوى بالامنيات, ويصيح وينوح, كالطير المذبوح (يم داركم يم داركم, لو ما احس عبرت عتبة داركم), وانتهت قصة حبه الى زوال, كما هو الحال مع كل حال, وكل حال يزول, والى الماضي يؤول, والى مقال اخر, في يوم اخر, وفي نهاية الكلام, لكم مني اجمل سلام.
* لايعرف الجُكَ من البُكِ: مثل بغدادي يقال للجاهل الذي لايميز بين الامور.
* ولاية بطيخ: الهرج والمرج.
* يم داركم: بالقرب من داركم.
* الكاع: الارض