اكاد اخفيها/د. سليم الجصاني

Mon, 22 Apr 2013 الساعة : 23:53

{إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } طه15
د. سليم الجصاني ـ كلية الفقه

في (أخفيها) ذكر المفسرون طائفة من الآراء تمكن في ان السماوات هممن ان ينفطرن اعظاما لقول المشركين(1).
وذهب مفسرون إلى أن (أكاد أخفيها) من نفسي أي لا يطلع عليها احد من الخلائق "ولو استطعت أن اكتمها عن نفسي لفعلت "،(2) وهو رأي رفضه مفسرون منهم الزمخشري الذي يرى "لا دليل في الكلام على هذا المحذوف ومحذوف لا دليل عليه مطروح والذي غرهم منه انه في مصحف أُبي أكاد أخفيها من نفسي...."(3)
وذهب مفسرون إلى إن المعنى "أظهرها أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم والعرب تقول خفيت الشيء بمعنى أظهرته"(4)، وجاء عند مفسرين ان معنى (اكاد اخفيها) أي لا اظهرها.(5)
ويرى ابن كثير ان تأويل (أكاد أخفيها) هو (أكاد أظهرها) "وتلخيص هذا اللفظ أكاد أزيل عنها إخفاءها لان (افعل) قد تأتي بمعنى السلب والنفي كقولك أعجمت الكتاب وأشكلته أي أزلت عجمته وإشكاله "(6).
ويفصل بعضهم القول ويذكر الآراء في أكاد أخفيها إذ يقول اضطرب الناس أي في معناه أي بمعنى أظهرها و أخفيت هذا من الأضداد، ويرى مفسرون إنَّ "هذا قول مختل ذلك أن المعروف في اللغة أن يقال أخفى بالإلف من الإخفاء وخفي أي اظهر فلا يكون هذا القول مختلا على هذه اللغة وقيل أن الساعة آتية أكاد بمعنى أريد فالمعنى أريد إخفاءها وقيل إن المعنى إن الساعة آتية أكاد وتم هذا الكلام بمعنى أكاد أنفذها لقربها ثم استأنف الأخبار وقيل المعنى أكاد أخفيها عن نفسي فكيف عنكم"(7).
بيد إن أبا حيان يشير إلى أن أخفيها بضم الهمزة بمعنى اظهرها واخفي من الأضداد بمعنى الإظهار والستر"(8)
ويؤكد ابن جني معنى ( أخفيها) عند أصل النظر يراد به اظهارها وتلخيص حال هذا اللفظ أي أكاد أزيل عنها خفاؤها وخفاء كل شيء غطاؤه"(9)
والهمزة في أخفيها يراد بها إظهارها "(10).

وبعد الاطلاع على الآراء يظهر إمكان قبول كثير منها ولكن أقربها إلى القبول هو أن أخفيها بمعنى أظهرها ويدل على ذلك طائفة من القرائن يمكن تتبعها في الآتي:
1- إن الفعل كاد إثباته نفي ونفيه إثبات وقولنا كاد ينجح أي انه راسب و كاد يرسب أي انه ناجح، فقوله تعالى:{إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان42أي انه لم يظلهم ودليل ذلك قرينة( لولا ان صبرنا عليها).
وأما مضارعه (أكاد) فهو بمعنى اقترب والفعل من أفعال المقاربة وهي وضعت لمقاربة الشيء فعل أو لم يفعل.
فيكون المعنى اقترب و(أخفيها) أي اظهرها ليكون المعنى اقترب من إظهارها وليس إظهار وقتها كما ذهب إليه المفسرون وهو ما جعلهم يتأولون في معنى (أَكَادُ أُخْفِيهَا) لان المراد – والله اعلم- هو إظهار يوم القيامة وليس الإخبار بوقت يوم القيامة، ويدل على ذلك قوله تعالى (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ) وقوله تعالى (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) فمن أحسن يجزى بالإحسان ومن أساء جزاؤه مثل ما عمل.

وثمرة الحديث إن الآية في سياق آيات تروي قصة موسى عليه السلام وتنبههم إلى اقتراب وقوع الساعة فكيف بوقتنا هذا فهي اقرب، لذا فالأمر والمعنى يدعوان إلى إنعام النظر فيها وأخذهما على محمل الجد الذي يدفع بالاجتهاد نحو العمل من اجل الحصول على موقف ايجابي.
-------------------------------------

1) تفسير البيان: 6/450، ظ: الطوسي، تفسير البيان:7/151
2) ظ: تفسير القمي، علي بن إبراهيم القفي: 2/60،البغوي، تفسير البغوي: 3/214
3) ظ: الزمخشري، الكشاف: 3/58
4) ابن عطية، المحرر الوجيز: 4/40 ، ظ: البيضاوي، أنوار التنزيل:2/33
5) ظ: تفسير أبي السعود : 6/8
6) ابن كثير، تفسيره :3/145
7) ظ: التفسير الكبير: 22/20، ظ: التسهيل العلوم التنزيل :2/11
8) ظ: أبو حيان ، تفسير البحر المحيط: 6 218،ظ:جهرة اللغة :2/1055
9) ابن جني، سر صناعة الأعراب:1/38 ، ظ: مقاييس اللغة: 2/202
10) ظ: ابن اسرار العربية: 1/41، ظ: ابن منظور، لسان العرب: 12/389، 14/234

Share |