حرامي دوني !!!!/رياض ابو رغيف
Fri, 19 Apr 2013 الساعة : 0:20

حين كنت احضر بعض مجالس الصلح العشائرية التي تسعى لحل المنازعات الاجتماعية بتعدد اهمية مواضيعها وشخوصها كانت تستوقفني بعض الجمل والاحاديث التي تدور بين (الاجاويد ) بعد انفضاض ذلك المجلس او تلك الجلسة
فقد كانت التعليقات والتهكمات الساخرة تنطلق حين يكون الجرم الذي من اجله اجتمع المجتمعون ليس بذات قيمة وكانت تعليقات (شيابنا ) اللطيفة اكثر ما تنصب على (الحرامية الدونية )
والحرامي الدوني يختلف عن غيره من الحرامية لان سرقاته تنم عن وضاعته وصغر شانه بين (الحرامية !!!) كسارق الثياب المتهرأة من على الحبل المعلق على سطح جيرانه المعوزين والفقراء مثله او سارق لقنينة غاز او منظم (الغاز ) وهي سرقات ليست بذات شان ولا هي بذات ثمن يذكر .
بل ان هناك من الحرامية الدونية من وصل الامر به الى استغفال الناس باسم (الله والدين )
اذكر مرة ايام سنوات الحصار التسعينية التي عشنا قضها وقضيضها ان طارقا طرق باب دار والدي (حفظه الله ) راجيا اياه ان يعيره كتابي (القران الكريم ومفاتيح الجنان ) وكان عذره ان والدته تحتضر ويريد ان يقرا عند راسها بعضا من الايات الكريمة ثم يثني بدعاء (العديلة ) المسنون قرائته عند المحتضرين
ولان ابي يريد ان يتحصل على ثواب ذلك العمل اسرع الى مكتبته مخرجا بغية الرجل مسلما له الامانه راجيا من الله الرحمة لهذه المحتضرة
ثم طال الامر على والدي حين مرت الايام دون ان يعود صاحبنا بما استعاره ولكي يستعلم عن الشخص لعل عارفا يدله عليه قص الامر على اصحابه وجيرانه تبين له ولهم ان هذا الطارق سرق كل كتب القران الكريم وبعضا من كتب الادعية التي لا يخلوا دارا في احيائنا منها بذات الطريقة التي احتال بها على والدي
فحين تصل الدناءة بالناس حد الحضيض ويطمس الضمير في اوحال واوساخ السفالة تنتقل افعالهم وتصرفاتهم من خانة الادمية الى خانة الحيوانية الشرهة النهمة
ربما يمكن لنا انسانيا ان نبرر السرقات في مواضع معينة ويجوز ان نتعاطف احيانا مع الحرامية لو صدقت مبرراتهم وقد تحصل في التاريخ الاسلامي ان بعض حدود السرقات عطلت ايام (المجاعات ) او ما تسمى في لغة الفقه (المخمصة ) لكن تلك الاحكام مبررة في موضوعاتها وظروفها
السرقة امر محرم شرعا ومنبوذ اجتماعيا وممقوت اخلاقيا في كل الاديان والحضارات والمجتمعات وفاعله لايمكن الا ان يعد مجرما لانه اغتصب حق غيره وملك الاخرين
لكنني ارى ان اشد منه هي السرقة الدنيئة وابغض منه الحرامي الدوني لانه يستهدف في سرقته الفقراء امثاله ويتخذ سبلا وطرقا دنيئة تدلل على دنائته وخسته
والعراق اليوم (المليء بالحرامية ) هناك سراق كبار وهناك حرامية دونية الحرامية الكبار افعالهم وسرقاتهم واضحة ومعروفه وهم اما محميين بسطوة السلطة او مخفيين خلف ستارات وحجب من الصعب اكتشافها واختراقها
اما الحرامية الدونية فللاسف هم في كل مكان تجدهم حواليك يبررون (حرمنتهم ) بشتى التبريرات وتراهم يتلونون بشتى الالوان منهم الطبيب ومنهم التاجر ومنهم الضابط والشرطي ومنهم المدرس والاستاذ الجامعي و(بوزرجي البنزين ) وغيرهم وغيرهم حرامية دونية يسرقون من امثالهم الفقراء قوت عيالهم ويملئون جيوبهم بالمال السحت المنزوع من ايدي من لاحول له ولا قوة
فحين يقصر الطبيب في عمله الحكومي ليجعل كشفية عيادته لا تقل عن (25 الف ) وربما اكثر فهذا الطبيب حرامي دوني
وحين يغشك الصيدلاني في ماركة الدواء ومنشأه ليبيعه لك بضعف ثمنه فهو حرامي دوني
وحين يؤخر الضابط اوراق الموقوف ليبتز من لاحول له ولا قوة فهو حرامي دوني
وحين يسرق الامرون والقادة وجبة طعام الشرطي او الجندي ليضع الفروق في جيبه فهو حرامي دوني
وحين يقصر المدرس في تدريسه ليضطر الطالب اخذ الدروس الخصوصية فهو حرامي دوني
وحين يبرر رجال الدين سرقات السياسيين فهو حرامي دوني
وحين يستورد التاجر بضاعة رديئة ويبيعها بسعر مرتفع فهو حرامي دوني
وهكذا كل من يسرق الفقراء واصحاب الدخول المحدودة ليغتني منعما بما سرق فهو في فعلته كفعلة من سرق الكتب المقدسة من دار والدي
كلنا يعرف هؤلاء (الدونية ) وربما بعضنا منهم وهم للاسف في مامن من القانون والمسائلة لكنهم ليسوا في مامن من غضب الله وانتقامه