العراق يفوز بجائزة غولدمان/جاسم الاسدي/مهندس أستشاري
Thu, 18 Apr 2013 الساعة : 16:02

جائزة غولدمان البيئية
في الساعة الخامسة من مساء يوم الاثنين الموافق 15 نيسان 2013 وفي دار الأوبرا في سان فرانسيسكو بأمريكا منحت مؤسسة غولدمان البيئية في دورتها الرابعة والعشرين ستة شخصيات عالمية من الذين يكافحون المستحيل لحماية البيئة والمجتمعات جائزتها لعام 2013. وهناك احتفالات أصغر تقام في بناية رونالد ريغان ومركز التجارة العالمي في واشنطن العاصمة في يوم الأربعاء الموافق 17 نيسان 2013. وتعتبر هذه الجائزة الأكبر بين مثيلاتها والتي تكرم الانجاز في المجال البيئي. تأسست جائزة غولدمان البيئية عام 1989 على يد زعيمين مدنيين بارزين بالإعمال الخيرية في سان فرانسيسكو هما ريتشارد غولدمان وزوجته رودا غولدمان. يتم انتخاب الفائزين بالجائزة من قبل هيئة دولية يحاط أعضاؤها بالسرية تنتخب المرشحين من شبكة عالمية من المنظمات البيئية والإفراد.
الفائزون بالجائزة لعام 2013 هم من كولومبيا وأندونيسيا والعراق وإيطاليا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة
الفائزون لهذا العام
جوناثان ديل من جنوب أفريقيا
تزعم حملة ناجحة ضد تكسير طبقات الأرض في جنوب أفريقيا لحماية منطقة كارو شبه الصحراوية لأجل ما تحويه من جمالية وما تؤويه من الحياة الفطرية من دون أن تكون له خبرة بتنظيم الحملات أو العمل في هذا المجال.
عزام علوش من العراق
هجر رغد العيش وأحضان الأسرة في كاليفورنيا في الولايات المتحدة ليعود الى عراقه الذي مزقته الحرب ليتصدى لأحياء أهوار العراق المعروفة والتي تحولت الى تراب تذريه الرياح حين حكم عليها صدام حسين بالإعدام.
روسانو إيركوليني من إيطاليا
مدرس ابتدائية شرع بحملة تثقيفية عن مخاطر المحارق في مدينته الصغيرة توسكان وتنامت الحملة لتصبح حركة وطنية من أجل الخلو من النفايات.
آليتا باون من اندونيسيا
نجحت في إيقاف تدمير غابة جبل موتيس المقدسة في جزيرة تيمور بتحشيدها مئات القرويين ليحتلوا سلميا مواقع تعدين المرمر.
كمبرلي واسرمان من الولايات المتحدة
قادت هذه المرأة السكان المحليين في حملة ناجحة لإغلاق أقدم وأوسخ معمل للفحم في البلاد، وهي الان تتزعم مشاريع تحويل مواقع المصانع القديمة في شيكاغو الى متنزهات ومساحات متعددة الإغراض.
نوهرا باديلا من كولومبيا
نظمت هذه المرأة الكولومبية حملات تكميلية لجمع النفايات من أجل شرعنه التدوير ضمن أدارة النفايات في بلدتها غير آبهة بأعدائها من السياسيين المتنفذين ولا بثقافة العنف المتفشية في بلدها.
أهوار بلاد الرافدين حاضرة
للمرة الأولى ومنذ تأسيس هذه الجائزة في عام 1989 تمنح هذه الجائزة لشخصية من العالم العربي هو الدكتور عزام علوش على مجمل عمله في عودة الأهوار العراقية من جديد ،فما هو السر في ذلك وما هي هذه الاعتبارات؟!!
د.عزام علوش يحمل شهادة الدكتوارة في الهندسة المدنية من جامعة جنوب كاليفورنيا وقد ترك أمريكا وأسس منظمة طبيعة العراق عام 2003 وقاد وبنجاح فريق عمل عراقي لأحياء أهوار بلاد الرافدين بعد ان جففها النظام السابق وحولها الى هشيم وخراب.
ومنذ ذلك الحين عمل في مشاريع ذات أهمية حيوية تتعلق بالمحمية الطبيعية في الأهوار الوسطى،خطة أدارة موقع رامسار في هور الحويزة ، إستراتيجية الأهوار العراقية،التخطيط العمراني لمدينة الجبايش، مشروع مواقع التنوع الإحيائي في العراق،مشروع تصميم السكن الأهواري، مشروع عدن من جديد ومشاريع أخرى،ناهيك عن عشرات الندوات والمحاضرات عن الأهوار العراقية التي أقامها أو شارك فيها في محافل محلية وإقليمية ودولية متعددة.
ومنذ عام 2003 أصبح الاهتمام بالأراضي الرطبة بشكل عام والأهوار بشكل خاص في العراق من أهم محاور منظمة طبيعة العراق، ومن أولويات عمله ونشاطه اليومي لا لكونه عاشقا لأهوار بلاد الرافدين فحسب ،ولكن لكون التنوع الإحيائي والأهمية البيئية والحضارية والاقتصادية لهذه البقعة المهمة من العالم ذات قيمة كبيرة وهي قد واجهت أشرس عمليات تجفيف في تسعينات القرن الماضي لقد مرت أهوار جنوب العراق بكارثة بيئية كبيرة وقاسية خلال سنوات 1991-2003 تمثلت بتجفيفها عبر مشاريع مدروسة وسياسة إبادة للبيئة والسكان على السواء وقد اعتبرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة من اكبر الكوارث البيئية العالمية في القرن العشرين.
وابتداء من عام 2008 قلة تصاريف نهري دجلة والفرات نتيجة سياسة البلدان الإقليمية التي تشاركنا حصة المياه فيهما من جهة والتغييرات المناخية وتناقص كميات الإمطار المتاحة من جهة أخرى، مما أنعكس سلباً على وضع الاهوار البيئي والهيدروليكي، فقد جف هور الحمار والاهوار الوسطى مرةً أخرى ولم يبق مغموراً منهما سوى المجاري العميقة وأجزاء أخرى قليلة.وأود هنا ان أنذكر ان تصريف الفرات في مدينة الناصرية قد وصل الى ادنى مستوياته في تلك الفترة حيث بلغ 17 متر مكعب/ثانية وهذا ما لم يحصل في تاريخ الموارد المائية في العراق على الاطلاق. مالذي نفعله أذن،سؤال تردد في محيط المنظمة بشدة،فمع سقوط النظام وغياب الدور الحكومي الفاعل عام 2003 كان علينا أن نؤازر السكان المحليين في قطع السداد الترابية التي تمنع تدفق المياه من دجلة والفرات وفروعهما الى أهوار الحويزة، والحمار ،وأبو زرك والوسطى في مناطق متعددة من محافظات ذي قار،ميسان والبصرة،فتطوع مئات الشباب حامليين الفؤوس والمعاول ومضخات المياة الصغيرة، لحفر أوصال السداد الترابية في الجبايش والإصلاح والمسحب والصلال والمشرح والكحلاء لكي يتاح أعادة أغمار الأهوار من جديد.
لم يصدق أحداً أن الأهوار التي جففها وحرقها نظام صدام حسين طيلة أثنتي عشر سنة ستعود بفترة قصيرة وهي في غاية التنوع الإحيائي وستشهد عودة السكان المحليين أليها بعد هجرة قسرية الى أصقاع بعيدة.
ودأبنا منذ البدء أن نبحث في البدائل المتاحة لإدامة أغمار أهوار بلاد الرافدين عبر مؤتمرات محلية،ندوات اجتماعية ،حملات توعية بيئية،صلات مع السكان المحليين وصناع القرار،أنتاج برامج وأفلام تلفزيونية،ومنشورات وكتيبات حول أراضينا الرطبة وبيئتنا الجديرة بالعمل.وقد كانت رؤيتنا تستند الى خبرتنا وتواصلنا مع السكان المحليين.
على صعيد الأهوار الوسطى لقد كان الموقف صعباً نتيجة الإيرادات المائية القليلة منذ عام 2008،والوضع البيئي للأهوار الوسطى في تدهور نتيجة الجفاف الحاد....والتنسيق بين الوزارات ومنظماتنا يقوم على أساس الهدف المشترك بوجود اهوار ذات وضع بيئي مقبول ونشاط اقتصادي محلي يساعد السكان المحليين على ديمومة الحياة. وفي خضم هذه الأحداث كان ثمة حلول :
الأول :- على المستوى المتوسط وفيه يتم أنشاء منظومة هايدروليكية للأهوار الوسطى يتم فيها استعادة التغذية من نهر دجلة ضمن حدود محافظة ميسان وذلك بإقامة ناظم تغذية رئيسي في منطقة الخمس وتكون التصاريف تحت نظام تشغيلي مرن ويمكن التحكم بها بمعايير فنية .كما تتضمن المنظومة تسعة نواظم لمخارج المياه تتوزع على مقربة من الفرات وعلى صدور عدد من الأنهر كالصباغية وأبو النرسي وابو صوباط وأبوجويلانة وغيرها تستطيع المحافظة على منسوب 1.75 م للأهوار الوسطى. وقد واكبت منظمة طبيعة العراق هذا العمل الإنشائي المهم خلال عام 2010 بعد أن وضعت التصاميم التفصيلية له ضمن المنحة الايطالية وأكمل العمل عام سنة ونصف، حيث احتفل بافتتاح ناظم الخمس في حزيران 2011 لكن أرجأ اطلاق المياة من دجلة عبر هذا الناظم الى الأهوار الوسطى نظرا لأعمال تكميلية في قناة الربط بمجرى أبو عشرة ولشحة المياة الواردة من دجلة من جهة أخرى.
الثاني:- معالجة الوضع الراهن بما متاح من المياه وما يوفر حد مقبول من الأغماد يستطيع من خلاله السكان المحليون ديمومة اقتصادهم الأهواري المتمثل بصيد الأسماك والطيور وتربية ورعي الجاموس والأبقار وصناعة حصران القصب
وكان الحل الأمثل أقامة سدة ترابية على نهر الفرات عند حدود قضائي الجبايش والمدينة لرفع منسوبه من المياه من جهة وإيجاد مخارج لمياه الهور لما بعد السدة لضمان وضع بيئي ونوعية للمياه أفضل ، وقد باشرت كوادر الوزارة المتمثلة بشركة الرافدين بإقامة السداد في نيسان 2010 وأنجزت ربط ضفتي الفرات بتاريخ 25 مايس 2010
وعند هذا التاريخ كان منسوب الفرات في مدبنة الجبايش 0.58 م عن مستوى سطح البحر وقد ارتفع تدريجياً ليصل بتاريخ 25 شباط 2012 الى 1.33م عند نفس الموقع ، ولنضمن تيار مائي لأبأس به الى الأهوار الوسطى.
أما على مستوى هور الحمار تم التفكير بالاستفادة من مياه المصب العام (وهي مياه بزل تذهب الى البحر)، لتغذية هور الحمار عن طريق حفر قناة تربط الجزء الشمالي منه والمسمى هور الكرماشية بالمصب العام عند الكيلومتر 140. وبدون هذا الحل سيستحيل هور الحمار الى صحراء قاحلة. ولم يتخذ هذا القرار ألا بعد دراسة للأثر البيئي تحت عنوان:
PRELIMINARY ASSESSMENT OF ENVIRONMENTAL EFFECTS OF THE MOD DIVERSION INTO THE HAMMAR MARSHES AND CENTRAL MARSHES IN SOUTHERN IRAQ
وقد تضمنت هذه الدراسة بيانات ومعطيات متعددة وانتهت بجملة توصيات يمكن إجمال ما يتعلق منها بإدارة المياة بما يلي:-
* تحديد إستراتيجية لإدارة الموارد المائية : إنشاء لائحة منافسة لاستخدامات المياه، مثل الزراعة ومياه الشرب والصناعة والطاقة ، والذي يتضمن الأخذ بنظر الاعتبار أعادة بيئة الأهوار.
* تنظيم التدفق في مدخل قناة التغذية وتعيين الهياكل الهيدروليكية التي يمكن أن تسمح لمحاكاة الفترات الهيدروليكية (التقلبات الموسمية ومتعددة السنوية لمنسوب المياه في الأهوار.)
* تنفيذ منهجية تحليل تصاريف المياه عن طريق تركيب عدادات مراقبة عند مداخل ومنافذ الأهوار (على الأقل قراءات أسبوعية) ؛إضافة الى مزيد من التحريات والتي يجب أن تشمل بيانات قياسات التبخر ، ومقاييس الأمطار والتدفق ، وغيرها من البيانات التي تدخل في حسابات ميزانية المياه الهيدروليكية الكلية.
* تحسين دقيق لتخصيصات المياه المتاحة داخل الأهوار (خلق نوع من "تقسيم" للمناطق المختلفة ، مع إعطاء الأولوية للفيضانات ، والتي يتعين تحديدها وفقا لاحتياجات الناس، أن قاعدة حياتهم تعتمد على الاهوار ، مثل صيادوا الأسماك ومربوا الجاموس ، وحاصدوا القصب)
* تقليل العقبات القائمة التي تعترض تدوير وتدفق المياه في الأهوار ، والمحافظة على توزيع المياه القائمة ، وخلق أنماط دوران اصطناعية جديدة لتجنب ركود المياه في فترة الصيف وتوفير المياه في المناطق ذات الأولوية.
وحين أكتملت قناة الربط وتم إعادة أغمار هور الكرماشية بمياه المصب العام منتصف كانون الأول 2009 كانت ملوحة مياه البزل أنذاك لاتتجاوز 3800 جزء/مليون وهي نسبة ملائمة للأعمار.
ولم يلبث أن عاد هور الحمار سريعاً الى تنوعه البيئي من طيور واسماك ونباتات،وأزدهر النشاط الاقتصادي للسكان المحليين،وازدادت ثروة تربية الجاموس إضعافا وعاد الكثير منهم بعد هجرة ماراثونية نتيجة الجفاف وانحسار المياه.
أما هور الحويزة فقد تضافرت جهود منظمة طبيعة العراق مع وزارة الموارد المائية والسكان المحليين على ديمومة أغمار الهور بالمياه المتاحة من دجلة على الرغم من قلة المتوفر منها عبر ثلاث قنوات أساسية منه هي الزبير وأم الطوس والجسيجي.
كما قامت منظمة طبيعة العراق بالتعاون مع وزارة البيئة الايطالية على وضع تصاميم للسيطرة على مخارج المياة ،نفذ منها ناظم الكسارة للمحافظة على منسوب تشغيلي مناسب. كما أستطاعت المنظمة العمل على مع وزارة البيئة العراقية واللجنة الوطنية للأهوار والأراضي الرطبة والجانب الأيطالي على تنفيذ عدد من الدراسات المهمة لهور الحويزة بشكل عام وموقع رامسار الحويزة بشكل خاص،وأن تضع شراكة عمل مهمة في هذا المجال.
يشعر كادر منظمة طبيعة العراق بحميمية العلاقة مع السكان المحليين والبيئة الأهوارية،ويدركون أن عملهم لا يتجزأ مع منظومة عمل فرق مسح الطيور والنباتات التابعة للمنظمة .الطريق مازالت طويلة لعمل الكثير وبدون أدراك صناع القرار بأهمية مواضيع الأهوار والأراضي الرطبة لن نستطيع أن نخطو كثيراً للأمام.لقد ألهمتنا الأهوار أفكار كثيرة وألهمنا سكانها المحليون خبرتهم بكثير من الدفء والمحبة،وأفرحنا كثيرا أن مدينة أهوارية مثل الجبايش لم يبق من سكانها حتى نيسان 2003 سوى 6000 نسمة بسبب تجفيف الأهوار بينما كان عدد سكانها عام 1990 ،60000 نسمة أما اليوم فقد عاد أليها السكان المحليون الذين فرقتهم المنافي ليصل تعدادها عام 2012 الى 62000 نسمة.أن النشاط الاقتصادي الذي منحته لهم الأهوار الوسطى وهور الحمار وهور الحويزة كما في الصور الواردة تختصر الكثير من الكلام





