اسعيدة/احمد الشيخ ماجد
Wed, 17 Apr 2013 الساعة : 22:59

منذ ان وعت على الدنيا, وجدت نفسها في السوق تبيع الخضروات والفواكه . تذهب الى السوق صباحاً, ترجع البيت حتى غياب الشمس ليلاً, تعلمت كل شيء في السوق, بعيداً عن الدراسة والتعليم وماشابه . لم يسلم احد من لسانها السليط... اذا سمعت كلمة تغضبها ترد عليها بـكلمات كأنها اطلاقات نارية, لم تبقى كلمة بذيئة الا وحفظتها عن ظهر قلب, فلذلك ظلت دون زواج وكذلك السوق الذي صرف كل وقتها ..
اسعيدة نموذج حي للمرأة شبه المسترجلة, فهي على قول ابيها : تسوه الف زلمه, عمي يا «هو ليكَدر يحجي وياها غير تنعل والديه» . هكذا هي اسعيده, امرأة قوية ذات اخلاق رجولية غير محببة للنفوس.... بعد الاطاحة بالنظام العراقي, تعلمت (اسعيده) محو الامّية وما أجمل المصادفة حيث رأت صديقتها القديمة تمتحن الامتحانات الخارجية, فامتحنت معها وتخرجت من الابتدائية ومن ثم المتوسطة الى الجامعة رغم انها لاتعرف شيء لكنها اكملت دراستها في خضم الفوضى العارمة التي مر بها العراق, فأكملت في ظل الاحداث العصيبة وعملت في سلك التدريس . كان يوماً حافلاً بالسعادة والسرور حيث تخلصت من الحياة السوقية التي انهكت كل قواها, فـتعيّنت معلمة في احدى المدارس الموجودة بـمناطقنا ..باشرت بعملها التدريسي ولكنها بقت على عادتها القديمة, حيث لم يسلم تلميذ من لسانها الذرب فـحينما يسألها تلميذٌ عن شيء لابد وان تنتهي اجابتها : اكَعد ابن الچلب!. نشبت ذات يوم معركة بينها وبين مدير المدرسة, فـتمنى المدير ان لايولد لوطأة سياط الكلمات التي وقعت عليه من قبل (اسعيده) ....كانت تدخل المنطقة فـيهمس الواقف بأذن صاحبه : « لا هلا ولا مرحبا.. اجت اسعيدة « . قضت عمرها مذمومة بين الناس ، لايطيقها احد لشدة الكلمات التي تنطق بها،جائت انتخابات مجالس المحافظات فقالت اسعيدة لأبيها : بوية ارد ارشح للانتخابات فـيرد عليها : بوية هاي سياسة, شني خضرة طماطة !.
الحاصل رشحت اسعيدة للانتخابات وأول خطوة قامت بها توزيع قطع القماش والهدايا, وتجمع النساء عندها كل ليلة وتتعامل معهن بلين ولطافة غريبة جداً على غير اسلوبها المعهود في السب والشتم والتنكيل تخطب بهن قائلة : اريد ان تنتخبنني لاني اطالب بحقوقكن واوفر فرص العمل لاولادكن الذين هم بمثابة اولادي, فـتهمس احدى الجالسات بأذن صاحبتها : يارحمتك يا الهي, ماهذه الرقة والحنان الذي نراه من قبل اسعيدة ؟ قام الرجال والنساء في المنطقة بالدعوة لانتخابها, لانهم صدّقوا ماقالت وعمت عيونهم الرشوة والاموال مع الاسف, ومايبعث على الاسى انهم نسوا لسانها الذي لم يترك كلمة بذيئة الا واطلقها في الهواء على كل مسكين فقير لايستطيع ان يتكلم مع امرأة, والعجيب, ان صاحبي الذي يتشائم من رؤية اسعيدة كان يقول لصاحبه لا هلا ولا مرحبا, الآن لما اقف عنده واقول هل علمت ان صديقتنا رشّحت ـيمتقع وجهه ويرد : لاتتجاوز انها شريفة ونزيهة وهي من يمثلنا, في المنطقة...تتجمع يومياً عندها السيارات الكثيرة ذات الالوان الفاقعة فـتتكلم معهم, بنبرة توسل ورجاء ناجمة عن دين وتقوى طوال حياتها, وكذلك عن علم وعمل كما تفصح الكلمات التي تتفوه بها, قبل ايام بعد ماضاقت من الاسلوب المصطنع, جاء احدهم اليها فسألها سؤال لم تعرفه لضيق افقها وانها لم تقرأ اطلاقاً ولاتعرف اي شيء غير الاموال فـردت عليه لجهلها : «لاتتفلفس علي.. ترى مالي خلكَ» ! بعثت اسعيدة الي رسالة بيد اخوها الذي هو صديقي.. تطلب أن اروج لها للانتخابات لعلمها اني اكتب المقالات الصحفية, فأرادتني ان انسى كل تأريخها الاسود الذي ظلمت به المساكين واروج لها للانتخابات . فها انا اروج لها وهي منتظرتكم ان تنتخبوها .. فـهل تنتخـبـون؟