هل انقرض التاريخ ؟-محمد سعدون السعداوي

Sat, 16 Jul 2011 الساعة : 11:24

مما لاشك فيه ان مصدر الهام الشعوب ومركز فخرها الذي تتباهى به امام الامم هو التاريخ، ومن خلاله استطاعت الامم ان تنطلق وتبدع وتتطور انها حقيقة مسلم بها ولا يمكن انكارها، واتذكر جيداً كيف كنت انتظر درس مادة التاريخ وكيف كانت تحلق بنا الست نضال ايام الدراسة الاعدادية في رحاب الماضي المفعم بالاحداث والمليء بالمفارقات والانقلابات المشوقة التي تستحق ان نقف عليها ليس لانها عنيفة ونحن صبية نتشوق لسماع الحكايات بل لانها واقع حقيقي كانت تمر به البلاد انذاك وقصص واقعية عاشها اسلافنا ووصلت الينا عبر بوابة (التاريخ)، هذا ماكنا ندركه تجاه بلدنا الام الذي له ماكنة تدور والسؤال هل فعلاً مازالت دواليبها تتحرك ام انها توقفت؟
اصبحت الفكرة تحوم في مخيلتي واحياناً اجد لنفسي الاجابة واقول فعلاً نحن في زمن الاحداث وهذه الحقبة الزمنية اخطر مرحلة يشهدها البلد وهي تستحق ان تدون باقلام وطنية تنقل التاريخ للاحفاد كما هي دون تحريف او تزييف، الا انني ومن خلال زيارتي للمؤسسة التربوية العليا المسماة بوزارة التربية واثناء تواجدي بالصدفة هناك واذا بطوابير بل تجمعات كبيرة تفوق الحصر من الرجال دلت سيمائهم بانهم محبطين ومتعبين، البعض منهم رسمت على وجوههم تضاريس الماضي السحيق ومن اطلالتهم تدرك بانهم اساتذة تاريخ، تقدم الي احدهم وسألني سؤالاً محيراً وغريباً ( هل انقرض التاريخ)، تمتمت في نفسي وقلت ان هذا الاخ يريد ان يستعرض امكانياته ويريد ان يتبجح عليً بمعلوماته التي يستقوي بها على البسطاء امثالي، كرر سؤاله وبحدة لماذا لاتجب قلت له انك تريد ان تشاكسني كي تخرج ماعندك من مكنون في ذاكرتك لتستقوي على معلوماتي المتواضعة في هذا المجال انا اريحك تفضل واسرد، ضحك باستهجان قائلاً انني جاد في ماذكرت فعلاً التاريخ انقرض وبدأ يحكي المعاناة التي كانت تتصبب من امآت وجهه المغطاة بركام التاريخ المأساوي التي حولته الى كتلة من الاحباط وهو يكثر من عبارة انه يوم اسود الذي دخلت فيه التاريخ تمتمتم في نفسي وهل هو مشهور وانا لا اعرفه حتى يدخل التاريخ، رد علي اقصد قسم التاريخ في كلية التربية، قالوا لنا خريجو التاريخ غير مسموح لهم بتقديم أي اوراق للتعيين وبعد التجربة الماراثونية التي استمرت 6 سنوات وصلت الى مرحلة الانهيار خصوصا بعد ان عبرت الاربعين وبدأ العد التنازلي لسيرة حياتي التي ختمتها بابشع صورة وانا ارى ابنائي يكبرون وهم يحلمون بوالدهم مدرس التاريخ المحترم الذي سيحكي لهم يوماً مفارقاته مع الطلبة وكيف كان يومه في التدريس، هل تعلم انا لماذا اتيت اليوم الى هذا المكان؟ لقد حضرت كي اقدم اوراقي بصفة عامل خدمة هل تساعدني حتى ولو بصفة الواسطة لتلبية طلبي هذا.
تهاوت الدنيا من امامي وانا ارى هذا المشهد الذي ارجو ان لا يتسلل الى ملفات التاريخ متمنياً ان يضل في خانة المقالات المنسية التي تنبثق وتهرب من عين القارئ ليرى نور مقال اخر يمسخ ماقبله،تطوعت وحكيت ماجرى على احد المسؤولين المتنفذين في الوزارة مبتسماً بوجهي ولم الاستغراب فهذا واقعنا ومرت علينا حالات العن من هذه بكثير، قلت له شكراً على اهتمامك على معاناة هذا البائس المسكين بعدها قال هل لديه من اقاربه الى حد الدرجة الرابعة شهيد او سجين سياسي حتى ننظر بطلبه ونقنع المسؤول الكبير بتعيينه عاملاً للخدمة.
حينها بدأت الزوايا التاريخية في ذاكرتي تنهار وطافت مخيلتي في عالم مجهول وبدأت خلايا المخ تتلاشى وكأني في ساعة الصفر التي انطلقت من اليوم بدون حساب للتاريخ او الزمن المتهالك الذي يجب ان نطوي صفحاته ونبقى متسمرين في عالم الواقع الحي ويجب احترام كل وزراء التربية المتعاقبين الذين يشكون من اعداد الخريجين التي فاقت اعدادهم النسب المتوقعة، هنا علينا ان نقف ونحترم الرغبة الجادة لمسؤولينا ونضعهم موضع تقدير بمعالجتهم المشكلة الحقيقية التي ستوقف هذا السيل المنهمر كالطوفان من اعداد الخريجيين التي اخذت نسبهم بازدياد، ولا حاجة لنا بالتاريخ وماذا سنفعل به والاعداد تتضخم.
وعلينا ان نقدم الاعتذار لكل العظام والقادة الذين تعاقبوا على مر التاريخ ووضعوا بصمات كبيرة غيرت وجه الدنيا وكانوا احياء بيننا الا انني احسست انهم اليوم قد ماتوا لاننا في الايام القادمة سندق اخر مسمار في نعش التاريخ.
ندائي الى كل المسؤولين هذه قصة حقيقية وليست مزحة من اجل الكتابة وهناك اعداد كبيرة من الخريجين تتلضى حرقة ومرارة لانها حملت على عاتقها دراسة التاريخ كي تنقله من سلف الى سلف لانه السمة التي تحترم بها الشعوب فخوفي لاتمتد هذه العدوى لتصل الى بقية الاقسام الاخرى ومنها لغتنا العربية الجميلة لتركن مثل التاريخ بحجة لانريد من يعلمنا اللغة ونحوها واصولها مادمنا نعرف القراءة والكتابة.

Share |