رسالية السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه)/محسن وهيب عبد
Sat, 13 Apr 2013 الساعة : 22:23

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه سيدنا المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، لاسيما بقية الله في الارضين.
تعتبر ظاهرة إرسال الرسل والأنبياء من أهم الظواهر في تاريخ الإنسانية بحيث لا يسع لأحد حتى ولو كان ملحدا أن يتنكر لها. وفي الانتروبولوجيا حيث تدرس الظواهر الإنسانية مع الأسف تهمل هذه الظاهرة على تواكدها وأهميتها ووضوحها؛ لا لسبب بل:
1- لأنها جوهر التأريخ، وصميم معنى الوجود الإنساني، ولأنها تعبير عن معاني رسالة الإنسان ومهام وجوده على سطح هذا الكوكب، ولأنها في مضامينها وتفاصيلها تحكي قصة الصراع الأزلي بين الخير الذي يمثل الرسل والأنبياء عليهم السلام، والشر الذي يمثله المترفون ومستغلي البشر من المستكبرين.
فعلى طول تاريخ البشرية فان قصص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وسيرهم الذاتية؛ تحكي قصة الصراع الأزلي بين الأنبياء يرفعون شعار: بغض الظلم ومحاربة الظالمين من جهة وبين المترفين والمستكبرين يرفعون شعار : أنا خير منه( ) ؛ شعار إبليس من جهة أخرى.
2- لان الانتروبولوجيا التي هي كما يشاء البعض أن يعرفها بالـ( انسنة)؛ أي دراسة الظواهر الإنسانية، اليوم توجه لتوظف من قبل الكبار في العالم؛ في خدمة السياسات الغربية والصهيونية المعادية للبشر، ولهذا السبب فان جميع الظواهر التي تدرس اليوم في معاهد المستكبرين ليس تاريخية ولا حقيقية بل مفتعلة مثل ظاهرة الإرهاب، والدليل على ذلك أنهم أنفسهم يرفضون تعريفها في منظمتهم الدولية لتبقى عائمة لكي يوجهونها إلى حيث يشاءون مما يخدم مصالحهم، وحيث تتعزز مصالحهم.
ان الشعار الذي كان يرفعه الأنبياء والثلة القليلة المستضعفة التي تتبعهم هو: بغض الظالمين ومحاربة الظالم ونشر الفضائل وتعزيز القيم الإنسانية العليا..
ان هوية كل مصلح وشعاره هو نفس شعار الأنبياء والرسل، وهو: بغض الظلم ومحاربة الظالمين.. ونحن نستطيع تشخيص كل مدعي من أتباع الأولياء وكل من يدعي الاصلاح من مقدار تمسكه بشعار الأنبياء ومن مقدار نشاطه في تطبيقه على الواقع.
وكذا نستطيع ان نعرف كل طاغية وجبار عنيد من خلال تمسكه بشعار ابليس ومن واقع فعله اليومي
وكان هنا ما يمثل الأنبياء في نهجهم السيد الشهيد السعيد محمد باقر الصدر( رضوان الله عليه)؛ في محاربته للظلم وبغضه للظالمين، ونشره للفضائل وتعزيزه للقيم الإنسانية العليا، في مثل الطغاة والجبابرة المجرم صدام حسين( لعنة الله عليه)
وفي دراسة للرسالتين المتبادلتين بين صدام والسيد الشهيد؛ نجد بيانا لهويات كل منهما، وسنبين ان السيد الصدر يحمل عنوان مهمة الرسل والأنبياء، فسنلاحظ؛ ان السيد رضوان الله عليه وهو يجيب إنما يعلن عن حقيقته وفحواه، انه ضد الظلم وفي سبيل محاربة الظالمين، فهو على سبيل امتداد الرسل، بل وفي ذات الرسالة والمهام التي أرسلوا من اجلها وحتما في ذات سبيل الإمام المهدي في إقامة العدل ومحاربة الظالمين. وعلى هذا النهج لابد أولا؛ من معرفة من هم الظالمون؟
لقد وجدنا ان الظالمين الكبار الذين هم سبب في كل مآسي الإنسانية ينضوون جمعيا تحت شعار إبليس وهو: انا خير منه. وهم ثلاث أصناف:
1- الجنس الأبيض ( الإنسان النوردي) كما يسميه المؤرخ البريطاني الشهير (توينبي) او كما يسميه آخرون الرجل الأصهب، ولهذا التوجه تيار ضارب في التاريخ الأوربي (شرحنا تفاصيله في البحث) وقد نالت البشرية من هذا الظالم الويلات بكل إشكالها وعشرات الملايين من الضحايا وما تجلى على مر التاريخ من تعسف استخفافا بكل معاني الإنسانية .
استطاع كثير من أبناء الإنسانية ومنهم من الأوربيين أنفسهم ان يجسدوا في أعمال ادبية وفنية تعريفية كل المظالم التي قامت في التأريخ بسبب قياد الجنس الأبيض للبشرية كما جرى في أوربا نفسها وكما جرى في الأمريكتين أثناء الغزو الأوربي لهما، وما جرى في العالم ويجري اليوم من إرادة الغرب للتحكم في العالم.
2- شعب الله المختار: تجسد الحركة الصهيونية تمام معاني العنصرية من مبادئها التي تجسدت دموية بالغة وحرقا وتشريدا على ارض فلسطين، فاليهود شعب الله المختار، وإسرائيل دولة هذا الشعب وليس لأحد غيرهم على تلك الارض بل وكل الأرض حق العيش، وان كان له حق فهو من درجات أدنى بكثير من الشعب المختار.
وقد تجسد الظلم الذي برز ويبرز بفحوى هذه المبادئ وهذا الشعار بماسي الشعب الفلسطيني التي لها أول وليس لها آخر.
3- التكفيريون النواصب: فهم وكما يتصورون وحدهم القابضون على الحقيقة وهم وحدهم الذين يمثلون الإسلام وهم خير من الآخرين، فالآخرون كلهم كافرون.
هكذا برز هذا الفكر الصفيق ليجد له تحت تأثير الظلم الغربي وظلم شعب الله المختار ذريعة، وهو موجود ولا يزال يمارس القتل والتفجير ، بل وحتى التمثيل المحرم على الكلب العقور ولصالح العدوين الآخرين للإنسان والإسلام.
وبالتفاتة بسيطة نجد ان الولايات المتحدة الأمريكية هي التي كانت السبب في قتل السيد الشهيد بل وكانت مستعجلة في الانتهاء منه وكان صدام مجرد بيدق حقير مطيع لها لا اكثر.
ان خروج السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه عن الخط الاحمر المرسوم للهيئات الدينية وتبنيه شعار الانبياء والرسل عليهم السلام والعمل على تجسيده الى واقع، جعل الكبار يستعجلون الخلاص منه
لانه كان التكليف الأول الذي أمر الله به أبانا آدم عليه السلام، والأنبياء من بعده عليه السلام بعد خلقه هو مهمة مناهضة الظالمين وبغض الطغاة.. قال الله تعالى:
(فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ااسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) .
وهكذا بلغ السيد الصدر مهامه كخليفة للأنبياء؛ لان ( العلماء خلفاء الرسل)
وحصر الله تعالى مهمة الرسول بالبلاغ فقال:
(ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون)
فالبلاغ والبيان والإنذار والتبشير، كلها إعلام في مهام الرسل، لنعلم أية أهمية يحظى بها الإعلام في إنسانية الناس ومهام خلقهم.
ظهر السيد الشهيد في وقت ركز فيه علماء المسلمين وطلاب العلم وجامعاتهم على العناية بالعلوم الشرعية والأصول الإسلامية ودراسة اللغة العربية. وهذا أمر طبيعي ومطلوب دائماً ولا شك، ولكن الأمر كان يتطلَّب بذل الجهد والعناية بالعلوم الحديثة،خصوصا الاقتصاد والسياسة والفنون الإنسانية الجديدة ومنها الإعلام دراسة وتأصيلاً، ونقداً وتحليلاً؛ بما يوفر طاقات علمية قادرة على الإسهام بالجديد الملتزم بهدي الله، سواء في مجال البرامج أو التقنيات أو القوى البشرية المدرّبة.
وقد اعتبر انذك بعض طلبة العلم أن ما تقدِّمه وسائل الإعلام في حكم المحرّم شرعاً، بل وصل الأمر عند بعضهم بتحريم الأجهزة التي تحمل مثل هذه البرامج، وظلَّ ذلك الأمر لفترة طويلة أتاحت سيادة البرامج الغربية المنحرفة.
عندها كان محيء السيد الشهيد رضوان الله عليه في محله من عطش الامة للانقاذ لان الإسلام كعقيدة كاملة لا تعدم المضمون ولا المنهج هذا من جهة ومن جهة أخرى، فان المسلمين لم يعوا ولم يستوعبوا تماما ذلك المضمون من عقيدتهم، ولم يتعبوا أنفسهم في وعي المنهج الإسلامي فبرز السيد منقذا وقائدا بامتياز
فتعجل عليه الظالمون والمسكتبرين وكلفوا عميهم المجرم الحقير صدام لاعدامه قبل ان يستفحل امره ولنهم باؤا، انظروا هذه رسالة صدام حسين إلى الشهيد الأول محمد باقر الصدر وهو يهدده فيها بالإعدام بعد ان بالغ بالاغراءات السخية لثنيه عن منهجه الرسالي
وهو في طريقه لحبل المشنقه كتب رسالة رد على المجرم صدام ، المطلوب منا ان نقرأ تطبيقات شعار الانبياء( محاربة الظلم وبغض الظالمين واشلعة الفضائل ونشر القيم الانسانية الراقية) في رسالة السيد الشهيد، وكذا المطلوب ان نقرا تطبيقات شعار ( ابليس انا خير منه) في رسالة صدام المجرم:
أولاً:- رسالة صدام حسين للشهيد محمد باقر الصدر
لعلك تعلم ان مبادئ حزبنا منبثقة عن روح الاسلام وان شعاراتنا التي نطرحها هي شعارات ذلك الدين السمح لكن بلغة العصر. وان الذي نريد تطبيقه على واقع الحياة على الاقل في وقتنا هذا هو احكام الشريعة الغراء ولكن بلون متطور رائد يلائم هذه الحياة الصاعدة واننا نحب علماء الاسلام وندعمهم ما داموا لا يتدخلون فيما لا يعنيهم من شؤون السياسه والدوله ولاندري بعد ذلك لماذا حرمتم حزبنا على الناس؟، ولماذا دعوتم الى القيام ضدنا ولماذا ايدتم اعدائنا في ايران؟. وقد انذرناكم ونصحنا لكم واعذرنا اليكم في هذه الامور جميعاً غير انكم ابيتم واصررتم ورفضتم الا طريق العناد مما يجعل قيادة هذه الثوره تشعربانكم خصمها العنيد وعدوها اللدود وانتم تعرفون ما موقفها ممن يناصبها العداء وحكمه في قانونها؟.وقد اقترحت رأفة بكم ان نعرض عليكم امور ان انتم نزلتم على رأينا فيها امنتم حكم القانون وكان لكم ما تحبون من المكانة العظيمة والجاه الكبير والمنزلة الرفيعة لدى الدوله ومسؤوليتها تقضي بها كل حاجاتكم وتلبي كل رغباتكم، وان ابيتم كان ما قد تعلمون من حكمها نافذاً فيكم سارياً عليكم مهما كانت الاحوال وامورنا التي نختار منها ثلاثه لا يكلفكم الا تنفيذها اكثر من سطور قليله يخطها قلمكم لتنشر في الصحف الرسميه وحديث تلفزيوني جواباً على تلك الاقتراحات لتعود بعد ذلك مكرمين معززين من حيث انتم اتيتم لتروا من بعدها من فنون التعظيم والتكريم ما لم تره عيونكم وما لم يخطر على بالكم. - اول تلك الامور هوان تعلنوا عن تاييدكم ورضاكم عن الحزب القائد وثورته المظفره. - ثانيهما ان تعلنوا تنازلكم عن التدخل في الشؤون السياسيه وتعترفوا بان الاسلام لا ربط له بشؤون الدوله. - ثالثهما ان تعلنوا تنازلكم عن تاييد الحكومه القائمه في ايران وتظهروا تأييدكم لموقف العراق منها.وهذه الامور كما ترون يسيرة التنفيذ، كثيرة الاثر جمة النفع لكم من قبلنا فلا تضيعوا هذه الفرصة التي بذلتها رحمة الثورة لكم.
(رئيس مجلس قيادة الثورة، صدام حسين)
ثانياً:- نص رسالة الشهيد السيد محمد باقر الصدر إلى صدام حسين
لقد كنت احسب انكم تعقلون القول وتتعقلون، فيقل عزمكم الزام الحجة، ويقهر غلوانكم وضوح البرهان، فقد وعظتكم بالمواعظ الشافيه ارجوا صلاحكم، وكاشفتكم من صادق النصح ما فيه فلاحكم، وابنت لكم من امثلات الله ما هو حسبكم زاجراً لكم لو كنتم تخافون المعاد ونشرت لكم من مكنون علمي ما يبلوا غلوتكم لو كنتم الى الحقيقة ظمأ، ويشفي سقمكم لو كنتم تعلمون انكم مرضى ضلال ويحيييكم بعد موتكم لو كنتم تشعرون انكم صرعى غواية حتى حصحص امركم وصرح مكنونكم اضل سبيلاً من الانعام السائبه واقسى قلوباً من الحجارة الخاويه واشره الى الظلم والعدوان من كواسر السباع لا تزدادون مع المواعظ الا غياً ومع الزواجر الا بغياً اشباه اليهود واتباع الشيطان، اعداء الرحمان قد نصبتم له الحرب الضروس وشننتم على حرماته الغارة العناء وتربصتم باولياءه كل دائرة وبسطتم اليهم ايديكم بكل مساءة وقعدتم لهم كل مرصد واخذتموهم على الشبهات وقتلتموهم على الظنة على سنن آبائكم الاولين، تقتفون آثارهم وتنهجون سبيلهم لا يردعكم عن كبائر الاثم رادع ولا يزعجهم عن عظائم الجرم وازع، قد ركبتم ظهور الاهواء فتحولت بكم في المهالك واتبعتم داعي الشهوات فاوردكم اسوأ المسالك، قد نصبتم حبائل المكر واقمتم كمائن الغدر، لكم في كل ارض صريع وفي كل دار فجيع تخضمون مال الله فاكهين وتكرعون في دماء الابرياء شرهين، فانتم والله كالخشب اليابس اعيى على التقويم او كالصخر الجامس انأى عن التفهيم فمابعد ذلك يأساً منكم.شذاذ الآفاق، واوباش الخلق، وسوء البرية وعبدة الطاغوت واحفاد الفراعنة، واذناب المستعبدين.اظننتم انكم بالموت تخيفونني وبكر القتل تلونني، وليس الموت الا سنة الله في خلقه { كلاً على حياضه واردون } أوليس القتل على ايدي الظالمين الا كرامة الله لعباده المخلصين، فاجمعوا امركم وكيدوا كيدكم واسعوا سعيكم فامركم الى تباب وموعدكم سوء العذاب لا تنالون من امرنا ولا تطفئون نورنا واعجب ما في امركم مجيئكم لي بحيلة الناصحين تنتقون القول وتزورون البيان، تعدونني خير العاجلة برضاكم وثواب الدنايا بهواكم. تريدون مني ان ابيع الحق بالباطل وان اشتري طاعة الله بطاعتكم وان اسخطه وارضيكم وان اخسر الحياة الباقيه لاربح الحطام الزائل، ضللت اذاً وما انا من المهتدين، تباً لكم ولما تريدون، اظننتم ان الاسلام عندي شئ من المتاع يشترى ويباع؟، او فيه شيئ من عرض الدنيا يؤخذ ويعطى كي تعرضون لي فيه باهض الثمن جاهلين وتمنونني عليه زخارف خادعة من الطين، اتعدونني عليه وتوعدون وترغبونني عنه فوالله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد، فان كان عندكم غير الموت ما تخيفونني به فامهلوا به او كان لديكم سوى القتل تكيدونني به فكيدون ولا تنتظرون لتبصروا ان لي بالجبال الشم شبيهاً من التعالي وان عندي من الرواسي شامخات متبلى من الرسوخ والثبات، قولوا لمن بعثكم ومن وراء اسيادهم ان دون ما يريدون من الصدر الف قتلة بالسيف او خضباً امر وان الذي يريدونه مني نوعاً من المحال لا تبلغوه على اية حال
فوالله لن تلبثوا بعد قتلي الا اذلة خائفين تهول اهوالكم وتتقلب احوالكم ويسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان يسيقكم مصاب الهزيمة والخسران ويذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء ويريكم ما لم ترتجوه من البلاء ولا يزال بكم على هذا الحال حتى يحول بكم شر فأل جموع مثبورة صرعى في الروابي والفلوات حتى اذا انقضى عديدكم وقل حديدكم ودمدم عليكم مدمر عروشكم وترككم ايادي سبأ اشتات بين ما اكلتم بواترهم ومن هاموا على وجوههم في الامصار فولوا الى شتى الامصار واورث الله المستضعفين ارضكم ودياركم واموالكم فاذا قد امسيتم لعنة تجدد على افواه الناس وصفحة سوداء في احشاء التأريخ
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا وشفيعنا محمد واله الطيبين الطاهرين والعن الدائم على أعدائهم أعداء الله أجمعين.
عند الحديث عن أية تجربة لابد من التعريف بالظروف والشروط التي تحيط بتلك التجربة لكي يكون المتلقي مدركا لحقائق استخلاصك الفائدة منها او ربما ليدرك سبب فشلك فيها. او لربما يعلم ما فاتك ان تدركه منها وما كان يتوجب عليك لتدرك أفضل مما أدركت منها او قد يدرك انك إنما أدركت هراءا ليس الا فلربما غائب اوعى من شاهد.
في بداية الستينات من القرن الماضي؛ كنت ممن يتدين من الطلبة في الجامعة وهم قلة لكنهم كانوا كشعلة تتوقد بذكر العالم الشاب السيد ألنجفي محمد باقر الصدر، صاحب كتاب فدك في التاريخ ثم فلسفتنا ثم اقتصادنا ثم البنك اللاربوي، والاسس المنطقية في الاستقراء والاكثر حظا منا هو الذي تحجز له نسخته من هذه الكتب حين صدورها.
تخرجت من الجامعة عام 1968، عينت مدرسا للكيمياء في احدى مدارس لواء المنتفك، التقيت مدرسين آخرين من الحلة والكوفة والبصرة والديوانية وسرني ان الكثير منهم يشاركوني اهتمامي بما يطرحه السيد الصدر كنا نستأجر دار حيث تكون المدرسة لا نفترق الا يومي الخميس والجمعة.
في تلك الفترة كان البعث القذر قد عاد توا من رحلة سيئة جدا استمرت لمدة ثمان اشهر تقريبا ابتداء من الثامن من شباط 1963، كان قد قضاها مع العراقيين بالدم والعار والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية وثق القليل منها بكتاب لازال يتداول بين ايدينا اسمه المنحرفون. لذا كانت تلك العودة في بداياتها تحاول ان تنسي الناس ويلاتهم فكانت فرصة للتوعية الإسلامية عبر مكتبات السيد الحكيم التي انتشرت في كل مدننا وقصاباتنا، وكانت وفودنا مع النجف الاشرف تترا.
هنا بدأت تجربتي مع السيد الصدر رضوان الله تعالى عليه باعتباره عالم وصاحب رسالة مقدسة يصر على ان يضحي من اجلها بنفسه متأسيا بأجداده الطاهرين الذين لم يمت احدهم الا شهيدا.
قد يتصور البعض اني اقصد مشروعه التوعوي في أطروحته الكبرى للإسلام كبديل للنظريات الكبرى التي كانت سائدة في الشيوعية والاتحاد السوفيتي او في الراسمالية والغرب، لكني اقصد شعاره الرسالي الشامل ومنهجه الرسالي للتعامل مع الناس مع كل فرد يتعامل معه، لانه كان يضع اعتبارا خاصا لتعامل الانسان مع الانسان الاخر بضوابط ومعايير اسلامية طبقا لرؤيا مدرسة اهل البيت عليهم السلام التي تمثل القراءة الصحيحة للإسلام و الذي اثمر على الجانب العملي تغيير واصلاح واستبصار كثير جدا من الناس ذو الشأن الكبير في حياتنا الاجتماعية اليوم من امثال تلامذته من العلماء واخص بالذكر منهم سماحة السيد عبد الكريم السماوي ألتيجاني.
لحسن الحظ نلت نصيبي من اشراقة تلك النفس وبذلك المشروع؛ عندما تكرم علي بمراجعة كتابي المعاني الكيميائية في القران الكريم وكان عندي مشروع كتاب اخر اسمه كيمياء النفس الحية، ما انتفعت فيه كثيرا هو انه اطال في مراجعة موضوع شبهة الآكل والمأكول، وكان أسلوبه في النقاش معي غريب؛ قال لي بالحرف الواحد ، هل تعلم انك طرحت في كتابك هذا موضوعا يتحاشاه فلاسفة كبار؟ .. تعلم معنى فلاسفة كبار؟
انتابتني نوبة عرق وحياء شديد وقلت في نفسي: ياويلي كيف تجرأت ودخلت ذلك الموضوع لو لم اكن جاهلا. . لكني استدركت فقلت سيدي انها محاولتي الاولى وانا انتظر ملاحظتك هذه لأرفع من الكتاب كل ما يدل على جهلي.
لكنه قال لي( رضوان الله عليه ) وهو يبتسم: لا بأس فاني وجدت انك قد عالجت الشبهة بما أقنعني، فلا ترفع من الكتاب شيء، وكنت قد عالجت تلك الشبهة بالنظائر المشعة وكانت ملاحظته تلك تدفعني دوما للارتقاء بأفكاري للأفضل، ومنذ ذلك الوقت وحتى ألان اجمع كل ما يتعلق بتلك الشبهة طول عمري حتى علمت ان معالجتي للشبهة يرقى إلى الإقناع الراسخ بعد ان اطلعت على أحاديث من المعصومين عليهم السلام تلمح إلى صفة النظائر للعناصر التي تبني الجسم الإنساني، حتى جاءت هندسة الجينات فكانت الفيصل حتى في البروتيوم.
ليس لي من الوقت ما يمكنني ان اشرح لكم أي روح علمية وأي اعتبارات إنسانية وأية معايير يعتمدها السيد في التعامل مع الإنسان كملامح لرسالتيه، وهو في الواقع خلق عالم علوي ترسخ في فهم المدرسة الرسالية للائمة المعصومين عليهم السلام.
ومن تجاربي الأخرى مع السيد رضوان الله عليه: كنت أتصور أن انتقاء المفردات خصوصا التي تستخدم في كتب الفقه، والتدقيق في صياغة الجمل بالأسلوب المتعارف في كتبنا الدينية سيجعل الطرح أفضل، ولذا فعندما سلمت للسيد (رضوان الله عليه) كتابي الثاني (كيمياء النفس الحية ) لمراجعته ، وأبقيته لديه مدة ثم رجعت اليه فقال لي ملاحظاته على الكتاب ولكن قال لي أهم ملاحظة هي ان يكون أسلوبك أسهل حاول ان تكتب بأسلوب سهل يفهمه الجميع، وكانت تلك هديته للجميع في الفتاوى الواضحة بعد ما عانينا جميعا من أسلوب الرسالة العملية لصعوبته.
ومن ذلك اليوم وانا اتمنى ان اكتب بالاسلوب الاسهل، والاوضح حتى ضننت ان الوضوح هو رسالة الانسان بمقدار رقيه في الميزات الانسانية.
ولانه لم يقدم لكتابي المعاني الكيميائية في القران الكريم، مع ما كان من الحاح من وجوه مقربة إليه، كان ذلك لي حصانة من الموت وكأنه رضوان الله عليه يستشرف ما تؤول إليه الأمور بعد فترة وجيزة