تحديات التغيير العراقي/ناصرعمران الموسوي

Thu, 11 Apr 2013 الساعة : 1:48

لم تخرج مديات الذاكرة بصورة أكثر اتساعاً وهي ترسم في مخيا لها التصوري للحظات التغيير العراقي ،الذي تعكز على راهن سياسي مفعم بتفاؤله ،وهو يقدم نفسه للعراقيين بديلا عن مراحل مظلمة وبائسة لأزمنة الحكم الاستبدادي المهووس بشهوة الحروب والدمار، ولاشك أن فرحة التحرير والخلاص والنظرة الى غد خال من هيمنة البعث وسلطويته،اصطدمت بصورة المحرر والمحتل في آن واحد، فمع صورة المجنزرات والكومندوز الاميركي، تأكد العراقيون بأنهم يقبلون على ايام مبهمة وخطرة، لكنها بالتأكيد حالة تغيير مقبولة وبخاصة انها تحمل رؤية خلاص من ماضي سيئ كان الموت والدمار عنوانه الابرز ، ان اشكالية التحرير والاحتلال شكلت نقطة مفصلية في المشهد العراقي بكل تداعياته السياسية والاجتماعية والثقافية ،فالوضع القانوني كان يؤكد على التزامات قانونية دولية للولايات المتحدة الاميركية التي اخذت على عاتقها قيادة تحالف عسكري لإسقاط نظام صدام خارج مظلة مجلس الامن والأمم المتحدة ،فكانت ضمن الوصف القانوني الدولي دولة احتلال ،وعملت على تشكيل الدولة العراقية فكان الحاكم المدني الاميركي والحكومات المدنية المحلية نواة التشكيل الاداري الجديد للعراق ،ثم قانون ادارة الدولة الانتقالية وتشكيل مجلس الحكم حتى تشكيل مجلس النواب والحكومات المتعاقبة والاستفتاء على الدستور وحتى توقيع اتفاقية التعاون الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة التي مهد ت لانسحاب القوات الاميركية من العراق واستعادة العراق لسيادته، والحقيقة ان مسيرة التشكيل العراقي الجديد لم تكن بالسهولة التي يمكن التحدث عنها بسرد تفصيلي ،فلم يكن يخطر ببال العراقيين ان خطوات التغيير لم تكن لتمر الا بتقديم الكثير من التضحيات وان التحديات كثيرة بل ان هجمة قاسية وقذرة استهدفت العراق الذي راهنت عليه الولايات المتحدة في ان يكون بوابة الشرق الديمقراطي الجديد، وهذه الهجمة الداخلية والعربية والإقليمية لما تزل تدفع بالعراق صوب مستقبل مجهول ولم تتغير او تلبس طوال فترة التغيير الجديد معطفا آخر يدعم العراق استقرارا وأمنا ً ولعلنا سنقف عند مجموعة من المحاور المهمة في تحديات التغيير العراقي بعد هذه السنوات وهذه المحاور هي:
اولا: المحور الداخلي : فقد اظهر التغيير القوى المعارضة لنظام صدام وبخاصة الاسلامية منها والتي ملأ ت الفراغات السياسية وتكفلت السلطة العشائرية بترتيب الجوانب التنظيمية الاجتماعية والأمنية الى حد كبير ،وبخاصة في مناطق الوسط والجنوب والكثير من مناطق بغداد ،اما المناطق الغربية وكركوك والموصل فقد شهدت تفاهمات بينها وبين القوات الاميركية بعد التغيير وساهمت في تحقيق استقرارها ،وظلت مناطق كردستان العراق تعيش على وضعها المرسوم بعد انتفاضة 1991 وقدساهمت بوصفها اقليما ً وقوى معارضة متمثلة بحزبيها الكبيرين الاتحاد والديمقراطي الكردستاني والتحالف الستراتيجي بينهما وبين احزاب المعارضة الاخرى في تشكيل المشهد السياسي العراقي ،والتي ساهمت الولايات المتحدة في بلورته معهما ،فكان مجلس الحكم النواة الاولى لمشهد المحاصصة المكنوناتي الذي تبلور فيما بعد الى مسميات عرفت سياسيا بالديمقراطية التوافقية وبالرغم من التجارب الانتخابية الا انها ادت الى تكريس مشهد التقاسم المناصبي لمفاصل ادارة الحكومة والدولة ، وكانت ابرز تعقيدات المشهد السياسي هي ازمة الثقة بين القوى السياسية المعبرة عن مكوناتها والتي تختلف في نظرتها للتغيير وهدفها منه.
ولعل عقدة الماضي والحاضر والمستقبل توزعت بشكل كبير لديها وبالرغم من مرور سنوات التغيير فان المشهد يزداد تعقيدا حتى ان الادارة الاميركية وبخاصة عند (بايدن ) تعمل وفق ستراتيجية مفادها تقسيم العراق الى دويلات ثلاث بحسب المكونات ،ولما تزل ازمة الثقة تلقي بظلالها سياسيا ً وتحولت اجتماعيا ً بفعل اسقاطات السياسة .ويعتبر ظهور التنظيمات الارهابية وبخاصة تنظيم القاعدة وآليات ارتكاب جرائمه البشعة التي لم يعهدها العالم والتي عبرت عن مقدار الكم الهائل من الكراهية والعدائية والتحريض الطائفي، فشهد العراق تاريخا جديدا من الخراب والقتل تمثل بظهور العربات المفخخة والأحزمة الناسفة وزرع العبوات ومشاهد القتل المروعة ،بصورة لا تمت الى الانسانية بصلة ، ولما يزل هذا التنظيم الذي اسسه بعد التغيير ارهابيون عرب تبنوا فكر التكفير والإرهاب وساهموا بحدوث حرب اهلية في العراق استطاع العراقيون عبورها وتلقى بعدها تنظيم القاعدة ضربات قاصمة للظهر في المحافظات التي كان يسيطر عليها بشكل كبير، ما اضطره لإعلان هزيمته تاركا لفلول تنظيمه المتشرذمة الظهور بين الحين والآخر حيثما وجدت هناك ازمات سياسية واجتماعية او غفلة امنية ، او وجدت مرتع عفن تنمو فيه ، والحقيقة ان هذه التنظيمات الارهابية تشكل تحديا كبيرا في الطريق نحو عراق ديمقراطي مستقر وآمن وبخاصة ان هذه التنظيمات تجد دعمها داخليا وخارجيا ، وهي إحدى اهم الاوراق التي تسيطر عليها القوى الا ستخباراتية الاقليمية وتستخدمها للتدخل في الشأن العراقي وزعزعت امنه واستقراره.
ثانيا: المحور العربي وتداعيات التغيير الذي شهدته البلدان العربية والذي سمي اعلاميا بـ(الربيع العربي): لم يكن التغيير الذي شهدته البلدان العربية والمسمى (الربيع العربي ) تغييرا ً يحمل هويته الذاتية التي حركتها عوا مل داخلية ضجت بعوامل تفاعلها براكين المد الشعبي لترغم الطغاة المستبدين على ترك السلطة فقط ، بل كانت هناك عوامل اخرى ساعدت وساهمت في التوجيه والتحفيز والعمل على إحداث التغيير وهي عوامل خارجية تقف في مقدمتها التجربة العراقية التي احتفظت بمعالمها وخصوصيتها التغييرية ،ويتجنى الكثير من الكتاب وبخاصة العرب عند الكتابة عن حركات التغيير العربي من دون الاشارة الى إلهام التجربة العراقية لحركات التغيير بل ان خطوات ما بعد التغيير جاءت مطابقة تماما للتجربة العراقية وكأنها استنساخ لها فكلنا رأينا تشكيل الحكومة التونسية والتجربة الانتخابية قبلها وكذلك في ليبيا ومصر والتي جاءت بمتبنيات التجربة العراقية ،في حين طالبت المعارضة في سوريا ولم تزل بتغييرالنظام على غرار ما حصل في العراق رغم ان الكثير من المؤيدين لهذه المطالبة اعتبروا تجربة العراق احتلالا غير مقبول تكراره ، وعلى الرغم من كل ذلك كانت الكثير من البلدان العربية الخائفة من عدوى الديمقراطية تقف بالضد من تصدير التجربة حسبما كانت ترغب الولايات المتحدة الاميركية بل ان هذه الدول اعلنت عداءها السافر للعراق الجديد وتبنت التدخل الدائم في شؤونه والعمل على تأجيج الخلافات الداخلية ودعم التنظيمات الارهابية ونجحت في تقزيم التجربة الديمقراطية وإدخال العراق والمنطقة في اتون الشحن الطائفي، ورغم ان العراق سعى جاهدا ً للاندماج بمحيطه العربي ، إلا ان المرحلة المتغيرة وهيمنة دول معينة على القرار العربي هي بالضد تماما مع التجربة العراقية.
ان المشهد العربي يزداد تعقيدا و يتشظى عن صراعات متعددة الاوجه في اكثر من دولة عربية ففي الوقت الذي تشهد فيه مصر صراعا خفيا لدول عربية معينة تتفق هذه الدول في المشهد السوري والعراقي وتتبنى الشحن الطائفي لتزج الواقع العربي في فوضى شبح تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ
ثالثا: المحور الاقليمي والدولي : يشكل المحور الاقليمي والدولي عامل تأثير مهم في الوضع العراقي العصي على الاستقرار بفعل التجاذب الاقليمي ويعد المشهد السوري وتداعياته العامل الاكثر تأثيرا في الشأن العراقي ،فقد اتضح جليا الصراع التركي الايراني والذي يعيد الى الاذهان الصراع العثماني الفارسي على الاراضي العراقية ، فقد حسمت تركيا موقفها باتجاه التدخل السافر في الشأن السوري والموقف العدائي ووقوفها الى جانب المعارضة المسلحه الساعية لإسقاط النظام في سوريا في حين تعتبر ايران ان سقوط النظام هو مؤامرة دولية لإضعاف خط المقاومة التي تشكل سوريا العصب الحيوي فيه بالضد من اسرائيل والولايات المتحدة وان النظام في سوريا خط احمر ،واتسع هذا الصراع في تشكيله الدولي فبرزت روسيا والصين كقطبية جديدة ضد السياسة الاميركية والذي افشل الكثير من القرارات الدولية ضد سوريا ، وان الاحتقان السياسي والتأزم الدولي بين المعسكرين الدوليين والذي يترجم الى حمام دم على الاراضي السورية واحتراق سوريا الهب المشهد العراقي وشهد محاولات كثيرة من جميع محاور الصراع الى جر العراق، الامر الذي شهد ت بسببه العلاقات العراقية التركية تراجعا كبيرا واتهام العراق لتركيا بالتدخل في شؤونه ،وتصريحات شديدة من رئيس الوزراء التركي ورد بالمقابل من نظيره العراقي، والخلاصة ان عام التغيير العراقي العاشر يؤشر ان العراق يقف على اعتاب مرحلة مفصلية من تجربته الديمقراطية تستدعي ايجاد ستراتيجية سياسية خلاقة قادرة على تخطي العراق لمرحلة حساسة وخطرة والعبور منها صوب الاستقرار وذلك عبر تنظيم وتقوية بناء نسيجه الاجتماعي ضد عدوى الفيروس الطائفي الذي يملأ مناخ المنطقة والجوار الاقليمي اضافة الى اعادة تقييم التجربة وتصحيح الاخطاء التي رافقتها والعمل على تأهيل منظومة الثقافة المجتمعية والوعي الوطني والقانوني كونها حجر الزاوية التي تبنى عليها مؤسسات الدولة الفاعلة والقادرة على القيام بواجبها في تحقيق العدالة وحقوق الانسان بالتماهي مع رؤية جديدة في المتبنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي بالتأكيد ستكون صورة جديدة لعراق ديمقراطي واعد.

Share |