ملاحظات حول صيانة زقورة أور الأثرية/الباحث الأثاري أحمد علي الخرسان
Thu, 4 Apr 2013 الساعة : 0:02

تعد مدينة أور ( تل المقير ) واحدة من أبرز المدن الأثرية في جنوب العراق ، وتقع هذه المدينة بين مدينة أريدو ( أبو شهرين ) والمجرى الحالي لنهر الفرات أي أنها تقع في منطقة التل الكبير الذي يغطي أور وكانت هذه المدينة تشغل مساحة واسعة يبلغ طولها حوالي ( 4،5 _ 5 كم ) ، أما عرضها فيتراوح بين ( 1،5 _ 2 كم ) أغلبها عبارة عن بساتين تحيط بالمدينة، أما المساحة المأهولة فتبلغ أبعادها حوالي(1200 × 700 م ) يحيط بها سور ضخم مشيد باللبن ذو شكل بيضوي .
إن عمليات الصيانة والترميم التي تجري لأي موقع أثري ، وبالأخص الذي يحتوي على مخلفات معمارية ، يجب أن تكون مدروسة وبعناية كبيرة ووفق خطة قائمة على أسس علمية وتحاليل مختبريه وفحوصات كاملة لكل ما له علاقة بعمليات الصيانة والترميم ، لأن الهدف من هذه العمليات هو المحافظة على هذا الموقع لأطول فترة ممكنة ، مع ضرورة الأحتفاظ بالقيمة الأثرية والجمالية له .
الزقورة ( Zigurratu ) كلمة بابلية تعني لغوياً البناء العالي، وفي اللسان الآشوري تلفظ (سكورة) وليس (زقورة) . ويعتقد أن بناء الزقورة هو تطور لبناء مصاطب المعابد التي كانت منتشرة في الفترات السابقة ، حيث كان المعبد يبنى على مصطبة مرتفعة تمييزاً له عن بقية الأبنية الأخرى .
وهي واحد من أروع ما وصل ألينا من العمائر التي أمتازت بها حضارة وادي الرافدين على الرغم من أن المواد التي شيدت بها ليست لها القابلية الكبيرة على مقاومة الظروف الطبيعية والبشرية كالحجارة والمعادن المساندة في عملية البناء ، فدقة بناءها وضخامة حجمها يتطلب مهارة بنائية عالية وتصميم هندسي يأخذ بنظر الاعتبار ميزات هذه المواد وقابليتها على التحمل ، ويبدو إن ( أور نمو ) قد أختار منطقة مناسبة لبنائها ، فقدسية المكان كان له دور كبير في اختيار موقعها ، أي أنها بنيـت علــى أنقـاض زقـورة أخـــرى أقــدم منــها .
إن أعمال الصيانة والترميم التي أجريت لزقورة أور كان لها الأثر في زيادة نسبة تلفها وتشويه منظرها الجمالي ، وإنما تقع ضمن مفهوم أعادة بناء الزقورة ( Reconstruction ) بكل تفاصيلها ، حيث تمت هذه العمليات بالطابوق بسنة ( 1961 م ) ، ويبدو ذلك واضحاً في الطبقة السفلى والسـلالم الثلاثـة ، ( السلم الأمامي والسلمان الجانبيان ) ، فالبناء الحالي للزقورة يبدو بناءاً حديثاً يخرجها من نطاق المواقع الأثرية ، حيث يختلف تماماً عن بنائها قبل أجراء عمليات الصيانة والترميم .
كما لا ننسى أيضاً أن الطابوق المستخدم في عمليات الصيانة والترميم لا يختلف من حيث شكله وحجمه ولونه عن الطابوق الأصلي المستخدم في البناء على الرغم من أن كلا النوعين مأخوذين من نفس بيئة الموقع الأثري والدليل على ذلك هو صعوبة الفصل بينهما .
وقد استخدمت في عمليات الصيانة والترميم لزقورة أور مادة السمنت ( Cement ) كمادة رابطة (Cementation ) أن أستخدام هذه المادة يعود بآثار سلبية عديدة ، منها أن هذه المادة بحد ذاتها دخيلة على مواد بناء الزقورة الأصلية ، كما أنه تتسم بالصلابة مقارنة بالمواد الأخرى ، الأمر الذي نتج عنة تعرض المواد الأقل صلابة لعوامل التلف بدرجة أكبر من مادة السمنت حيث تتعرض عندئذ للتشقق وبالتالي يؤدي ذلك الى تلف مواد بناء الزقورة الأصلية . فضلاً عن ذلك أن مادة السمنت المستخدم في عمليات الصيانة والترميم تم أستعمالها بشكل غير مدروس من خلال سقوط كميات كبيرة منها على بعض أجزاء الزقورة ، الأمر الذي نتج عنة تلف هذه الأجزاء من ناحية وتشويه منظرها من ناحية أخرى .
وأخيراً لابد من الأشارة الى ما تحتويه مادة السمنت من أملاح مختلفة من شأنها أن تدخل الى مادة بناء الزقورة عبر المسامات حيث تحدث ظاهرة التبلور Crystallization بعد تبخر الماء ، فيزداد حجم البلورات الذي يشكل ضغطاً على جدران المسامات مما ينتج عنه تلف الشبكة البلورية للمادة ( Internal Structure ) وبالتالي تلف مادة البناء.
وفيما يخص مادة الإسفلت التي أستخدمت في عمليات الصيانة والترميم في بعض أجزاء الزقورة (سقف الطبقة السفلى)، فقد تبين أنها عبارة عن خلطة مكونة من الزفت والرمل والأسمنت ، حيث أستخدمت كملاط يغطي سقف الطبقة المذكورة بسمك يتراوح بين ( 3-5 سم ) ، ومما يؤخذ على هذه المادة ، أنها غير متجانسة في مكوناتها ، الأمر الذي ترتب علية تشققها الى قطع مختلفة الأحجام. وقد تعرضت هذه القطع الى عمليات النقل بفعل الرياح والزائرين حيث أنتشرت حول مباني الزقورة ، فضلاً عن كونها مادة ثقيلة تشكل عبئاً على سقف هذه الطبقة .
أما ما يتعلق بمادة الزفت فقد تم أستخدامها في عمليات الصيانة والترميم لتغطية سقوف الطبقتين الأولى والثانية من الزقورة ، ونظراً لأستخدام كميات كبيرة من هذه المادة ودون مراعاة أرتفاع درجات الحرارة في هذه المنطقة وخصوصاً في فصل الصيف كذلك عدم مراعاة معامل تمدد هذه المادة ، فقد نتج عن ذلك أنسياب كميات كبيرة منها على أجزاء كبيرة من جدران الزقورة ، فكان ذلك سبباً في تشويه منظرها الجمالي .
لذلك ندعوا وزارة السياحة والأثار الموقرة ومعالي الوزير الى الأهتمام بمدينة أبراهيم الخليل ودعمها من خلال أقامة مشروع علمي يعمل على صيانة المدينة بشكل كامل على أسس علمية بحته .