التنقيبات العلمية في كهوف طار كربلاء /أباذر الزيدي
Tue, 2 Apr 2013 الساعة : 23:31

تقع هذه الكهوف على بعد 30 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة وهذه المجموعة من الكهوف والمغاور تمتد بمحاذات المنطقة المعروفة ببحر الملح وهي محاطة بعدة وديان وواحات ولعلها كانت محطة تجارية ونقطة مرور في العصور القديمة .
يبلغ عدد هذه الكهوف 400 كهف تقريباً وهي كما تشير نتائج التنقيبات كهوف صناعية قام الإنسان بنحتها وحفرها في حدود سنة 1200 ق.م ، وربما أستخدمت لإغراض دفاعية أول الأمر ثم أتخذت قبوراً فيما بعد ، أي في الفترة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي .
حددت بعثة يابانية جاءت إلى هذه المنطقة تاريخية المنطقة وقد توصل البروفيسور هيدو فوجي رئيس البعثة الآثارية اليابانية في العراق ورئيس بعثة التنقيبات في كهوف الطار.. قد حدد ثلاثة أطوار مرت بها هذه الكهوف..الأول قبل ثلاثة عشر قرنا قبل التاريخ والثاني عصر البارثيين والثالث العصر الإسلامي..ويقسم الآثاريون والباحثون هذه المنطقة إلى مجمعات اختصرت بحروف أجنبية..منها (D وCوBو A ) ففي مجمع A كانت ابرز الاكتشافات وجود قطع صغيرة لم تكتشف سابقا مثل نسيجها الملون الذي كان بسبب وجود هذه الكهوف في منطقة رطبة لوقوعها بين بحيرة الرزازة ونهر الفرات إلا إن هذه الكهوف كما يقول الباحثون كانت جافة لذلك ساعدها هذا التكوين على أن يبقى هذا النسيج الناعم الملمس في القطع الصخرية دون أن تصاب بالتلف أو الذوبان وتقول البعثة في تقريرها وهي تصف هذه الكهوف.إنها تقع إلى غرب العاصمة القديمة بابل بمسافة 80كم وان هناك ما يقارب 400 كهف في هذه المنطقة محاطة بعدة وديان وواحات وتقع بين بابل الشرق والجزيرة في الغرب.ومن المحتمل وحسب قول البروفسور الياباني أن تكون في العهود القديمة محطة مرور للأقوام القديمة الذين ينتقلون من الجنوب أو الغرب إلى جهة الشرق أو العكس..ويعتقد فوجي إن التحليلات والفحوصات التي أجريت على صخور الكهوف دلت على إنها نحتت صناعيا من قبل الإنسان في طبقة صخور مشبعة بكاربونات الكالسيوم في حدود سنة 1300 ق.م واعتقد أيضا إن سبب حفرها أو نحتها يعود إلى أغراض دفاعية واستخدمت بعد ذلك كقبور لدفن موتى من كانوا في ذلك المكان .
كهوف الطار كثيرة تجاوزت الثلاثمائة كهف وعلى ارتفاعين ولعل ابرز اكتشافات البعثة اليابانية في تلول مجمع (A) في الطار هي قطع صغيرة من النسيج الملون لم يتيسر اكتشاف نسيج مشابه له في وادي الرافدين بسبب الرطوبة التي تؤدي إلى تفكك هذا النسيج، ولكون كهوف الطار جافة فقد ساعدت على بقاء هذه القطع النسيجية دون ان يصيبها التلف والتمزق. ومن المفيد الإشارة إلى إن تقنية صناعة النسيج هذه تدل على ان مبدعها فنان ماهر ومتحضر. وهذه القطع تشبه إلى حد كبير النسيج المكتشف في (تدمر) وتمتاز بنعومة الملمس وكأنها حرير حقيقي. لقد بذل البروفيسور فوجي جهوداً علمية عظيمة مع فريق من الآثاريين المنقبين في موقع الطار لمعرفة النواحي الثقافية في العهد المطمور وتفاصيل البيئة فيه. وقد استخدم في التنقيب آلات متطورة في الحفر والقطع في طار (أم الجمال) وهاتان الواقعة ضمن مجموعة كهوف (A) .
ومن خلال الفحوصات للأنسجة المكتشفة بواسطة جهاز كاربون (14) تبين ان الاستعمال الثاني لهذه الكهوف كقبور يعود إلى فترة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد. ومما جاء في تقرير بعثة التنقيب اليابانية: يبدو ان الأنسجة التي اكتشفت في هذا الموسم تعود إلى الفترة الهلنستية كما هو الحال في دورليوربس وتدمر وحلبية (زنوبيا)، وإنها تعرض عدة أساليب لحياكة الأنسجة (منها الحياكة البسيطة المزدانة بالرسوم والصور والنسيج القطني المضلع والمضلع ذات الأعمدة) وبعضها ذات تزيينات ملونة، منها ذات امواج وذات أوراد، والإشكال الهندسية مع تدرج بالألوان ويقول التقرير: كما نعتقد ان هنالك مناطق قد سكنت على نطاق واسع في العراق في منطقة الجزيرة الجنوبية الغربية (عين التمر، وقصير مثلاً) والأقاليم المحيطة بمنطقة كهوف الطار (كالحضر والحيرة) التي ربما كانت المصدر للأنسجة المكتشفة في قبور كهوف الطار.
ويبقى (الطار) واحداً من مواقع الآثار العراقية القديمة التي تدل على ابداع إنساننا العراقي المحتفي أبدا بقيم الخير والجمال.