سوبرمان ... آخر زمن /زاحم جهاد مطر
Tue, 19 Mar 2013 الساعة : 23:22

تخيلت نفسي سوبرمان ، فاخترقت الزمان والمكان ، ورجعت الى أيام زمان ، أيام الخير والأمان ، فهبطت في منطقة باب المعظم ، والتي هي لبداية سيري مَعْلَمْ ، فلمحت جامع الأزبكية ، الذي بناه أمير الاوزبكية ، والمشهور بمنارته القصيرة ، ومدرسته الفقهية الشهيرة ، والمجاور للقلعة البغدادية سابقاً ، ولوزارة الدفاع العراقية لاحقاً ، وقبل مصرف الرافدين بقليل ، مررت بلبن أربيل ، ووقفت أمام جامع المرادية ، أحد أشهر الجوامع البغدادية ، ثم وصلت طوب أبو خزامة الشهير ، المنسوج حوله القصص والاساطير ، صاحب الاشاعات والحكايات ، وواهب للبركات والخيرات ، ويزار من قبل النساء خاصة ، من العامة والخاصة ، بكل احترام وخشوع ، وتجد عليه الخرق الملونة والشموع ، ثم سرت باتجاه المكتبة المركزية ، ووصلت الى جامع الأحمدية ، الواقع في ساحة الميدان ، والذي يسمى ايضاً بجامع الميدان ، وجذبني صوت الهرج والمرج ، فعرجت الى سوق الهرج ، حيث الناس في أجج ، المشتري بالسؤال يلج ، والبائع بالاجابة يأرج ، ويغري ويأج ، وبعد جهد جهيد ، خرجت الى شارع الرشيد ، ووقفت أمام مقهى ام كلثوم ، وهي تغني كل ليلة وكل يوم ، وسرت ببطء شديد ، وانا أنظر الى كل قديم وجديد ، ولمحت كعك السيد ، صاحب البقصم الجيد ، ووصلت مقهى الزهاوي التليد ، المكتظ بالعديد العديد ، من أصحاب العقل الرشيد ، والفكر السديد ، ووقفت أنظر الى اليمين والشمال ، وكأنني في عالم الخيال ، وأخذني اعتباري ، بالذهول والانبهار ، وانا ألمح صديقي ، وصاحبي ورفيقي ، صاحب المحل القديم ، المحبُ لعبد الوهاب وعبد الحليم ، والجامع في محله الصغير ، من الاسطوانات الكثير الكثير ، وبعد ان قدم زجاجة سايفون ، أدار لي الكرامافون ، فسرح بي الخيال ، مع المسافر الذي زاده الخيال ، ثم سرت نحو شربت زبالة ، حيث العراقة والاصالة ، فشربت عنده حتى الثمالة ، قدحان وآخر ﭽماله ، ومشيت على مهلي ، وانا اتذكر ايام الوصل ، ووجوه الأحبة والأهل ، فصادفت المصور الأهلي ، وقد زين واجهة المحل ، بالأروع والأجمل ، من الصور الأنيقة ، التي تعبر عن الحقيقة ، لصياد السمك ، وللبلم والكلك ، وللبغدادية ام العباية ، وللبغدادي بالكوفية والصاية ، او بالسدارة او الـﭽراويـة ، وللخبازة ماذية ، ولبائع السمسمية والمكاوية ، وللخياطة ام فرات ، ولبائع الفرارات وشعر البنات ، وهو ينادي وين أولّي وين أبات ، ولمعلم الاولاد ، سيد جواد ، ولصورة صاحب القرندل ، وللحوذي مع الربل ، ثم نظرت يساراً فاذا بأرشاك ، وما ادراك ما أرشاك ، مصور الشخصيات ، من سادة وسيدات ، ويفضله الملوك والرؤساء ، ووجوه القوم والامراء ، ولمحت المصور آرمين ، مشغولاً بالرتوش والتلوين ، لصورة زهور حسين ، وعند جامع الحيدرخانة ، وجدت من يغني ميحانة ميحانة ، غابت شمسنا الحلو ما جانة ، حيّك بابه حيّك ، الف رحمة لبيّك ، هذوله العذبوني ، هذوله المرمروني ، ثم بي صاح ، اسمع يا صاح ، هنا كان مركز النضال والكفاح ، هنا قال محمد البصير ، وعبّر بالقليل القصير ، عن الشئ الكثير ،
يا وطني ان ضاق بي فضاكـا
بربك فلتتسع بي للامام خطاكا
هب لـي بربك موتـة تختارهــا
يا موطني ألستُ من أبناكـا !؟
ثم اتجهت الى كازينو العجمي ، ملجأ أهل الحرف والقلم ، ونظرت الى كازينو البرلمان ، ملتقى السياسي والفنان ، ثم عرجت الى شارع المتنبي ، مستودع الحروف والكتب ، وملتقى أهل الثقافة والأدب ، من كل حدب وصوب ، ثم جلست في مقهى الشابندر ، فصاح بطني جوعاً وقرقر ، وقبل ان اكمل استكان الشاي ، هرعت الى كبة السراي ، فتناولت واحدة لا أكثر ، فزال جوعي واندثر ، ثم ولجت الى السوق المسقف ، المكتظ بكل مثقف وغير مثقف ، ووصلت الى جسر الشهداء ، فتذكرت أيام الهناء ، فقلت أين أنا من شارع النهر ، وأمواج الحلوات فيه عند العصر ، وأريج الروائح والعطور ، من ام العباية والسفور ، ودلفت الى سوق القماش ، وسرت على الحواشي ، من شدة الزحام ، وضيق المقام ، الى ان وصلت سوق الصفافير ، متحف الارث العراقي الشهير ، وتحفة الاسواق العباسية ، في الصياغة النحاسية ، وبين الـﭽاق والـﭽيق ، والطاق والطيق ، وﭽقـﭽقة الأواني والاباريق ، وجدت نفسي أمام خان مرجان ، تحفة ايام زمان ، ونظرت الى جامع الخلفاء ، موطن العلم والعلماء ، وأخذني الحنين ، الى سوق الريحانين ، والى الشورجة وسوق العطارين ، وسوق التوابل والصابون ، وسوق الفرفوري والفافون ، حيث مستلزمات الاعراس والافراح ، والليالي الملاح ، ثم تركت مصرف الرافدين خلفي ، وسرت دون دوران أو لف ، واجتزت جامع سلطان العارفين ، ونقيب الاشراف الهاشميين ، ووصلت الى أكسبريس فلسطين ، ملتقى الاصدقاء والمحبين ، حيث الدوندرمة الاصلية والأزبري ، وكل الحلويات حتى الـﮔرﮔري ، ثم وصلت الى منطقة حافظ القاضي ، التي تحمل نكهة الماضي ، وعبرت نهاية جسر الاحرار ، واصبت بالتعجب والانبهار ، وانا انظر الى سينما الرشيد القديم ، وعليها مانشيت فلم اليتيم ، ثم انتبهت لصالونات الجابي الشهيرة ، حيث فيها أفضل كوافير وكوافيرة ، وجذبتني واجهة سينما الوطني الجميلة ، وهي تحمل مانشيت فلم سيدتي الجميلة ، وبالقرب من اورزدي باك ، حيث الزحام والارباك ، لكثرة الاسواق والمحلات ، والمطاعم والكافتريات ، واماكن بيع الهدايا والساعات ، وفي المقدمة محلات جواد محسن الراقية ، وصادق محقق ذات الجودة العالية ، ومحلات أحذية دجلة ، المنافسة لـباتا في المفرد والجملة ، وأحذية الكاهـﭽـي ذات الاسم المرموق ، وهي تنافس أحذية الزبلوق ، في السعر والاناقة ، والشكل والعراقة ، وآه يا رائحة البن البرازيلي ، تذكرت عندها أشعاري ومواويلي ، ومن حيث أدري ولا أدري ، وبين موجات المد والجزر ، وصلت سينما برودواي سابقاً ، علاء الدين لاحقاً ، ونظرت الى مانشيت فلم الخوف الاعظم ، من بطولة روبرت ميتشوم ، وعلى واجهة سينما الشعب ، مانشيت فلم يا سلام على الحب ، ثم مررت بمكتبة مكنزي الأدبية ، الزاخرة بالكتب الاجنبية ، ثم باسواق حسو الكبيرة ، الزاخرة بالبضائع المثيرة ، وفي سينما روكسي يعرض الفلم المشهور ، الذي يحمل اسم الطيور ، ثم سرت باتجاه تسجيلات الـﭽقماقـﭽـي ، واشتريت اسطوانة للقبانـﭽـي ، وعدت الى شارع الخيام ، شارع الرومانسية والأحلام ، وجذبتني رائحة كالعبير ، من مطعم فلافل سمير ، وبعد اللفة ، حانت الزفة ، لمشاهدة أجمل الافلام ، في سينما الخيام ، فلم احبها ساخنة ، لمارلين مونرو الفاتنة ، وانا استعرض في الصور ، واذا بطبطبة على الظهر ، أيقضتني من سباتي ، وافقدتني صوابي وثباتي ، وسائق الكيا الذي يشبه ابو البلاوي ، يصرخ .. (اكعد يمعود مو وصلنا العلاوي ) !!؟ ونزلت وأنا ألوم وألعن ، سوبرمان آخر زمن .