بناء الشخصية الزينبية/غفار عفراوي
Tue, 19 Mar 2013 الساعة : 0:08

كانت حياة السيدة زينب منذ نعومة أظفارها مليئة بالآلام والأحزان والحوادث المأساوية، فقد فجعت بجدها رسول الله وهي في الخامسة من عمرها، وبعد ذلك بأشهر ترى بأم عينيها كيف هجم الأعداء على دار أبيها علي بن أبي طالب ويحرقوها ويقتلوا أخيها المحسن في بطن أمها الزهراء التي خطبت خطبتها التاريخية لتوضيح الحقائق التي أخفاها أصحاب السقيفة، وقد كانت زينب مرافقة لوالدتها في ذلك اليوم وهي التي نقلت الخطبة بعد أن حفظتها عن ظهر قلب!
ويمكن إجمال العوامل التي ساعدت على تكوين الشخصية الثورية واللسان الفصيح البليغ والشجاعة المميزة والأخلاق العفيفة للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب ومن تلك العوامل ما يأتي:
العامل الأول:
تلك السنوات الخمس الأولى من عمرها والتي عايشت فيها جدها المصطفى صلى الله عليه وآله وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام ويتحمل هو وعائلته ظروف العناء والخطر.
العامل الثاني:
الأشهر الثلاثة بعد وفاة جدها الرسول محمد صلى الله عليه وآله والتي رافقت خلالها أمها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، إذ رأت أمها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي بكل قوة وشجاعة وبلسان يعجز الشجعان والأدباء والقادة عن مجاراته، فتطالب بحقها المُصادر والمغتصب من قبل اكبر مسؤول في الدولة حينئذ وهو ( الخليفة) أبو بكر وتعترض على ما حصل بعد رحيل الرسول من تطورات، وتصارع الحسرات والآلام التي أصابتها.
العامل الثالث:
المدة الزمنية الحساسة والخطيرة التي عاصرت فيها المراحل الثلاثة من حياة أبيها علي بن أبي طالب. الأولى كانت المحنة التي عاشها بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وآله، إذ قام القوم بغصب حقه الشرعي والإلهي في الخلافة وما رافقها من ضغط وظلم من قبل حكام الدولة الإسلامية الثلاثة. المرحلة الثانية وما رافقها من المعارك التي شنها الإمام علي ضد المارقين والناكثين والقاسطين والتي راح ضحيتها اغلب أصحابه المقربين الذين كان يعتمد عليهم في أمور الحرب والسياسة. المرحلة الثالثة وما حدث فيها من مشاكل وحروب وقتال ورسائل متبادلة بينه وبين معاوية حول أحقية الخلافة والتي انتهت بأكبر جريمة في تاريخ الإسلام وهي قتله في محراب الصلاة.
العامل الرابع:
مواكبتها لمحنة أخيها الحسن وتجرعه السم في قبول الصلح مع عدو الإسلام الأكبر معاوية بسبب خذلان الناصر، وكذلك ما تجرع من غصص وآلام ومرض بسبب السم الذي دسته له زوجته المنافقة وشهادته مظلوماً مسموماً.
كل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطورات.. كانت لإعداد السيدة زينب لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين عليه السلام بكربلاء.
ففي المدة الأولى التي تلت الواقعة، كان ابن أخيها معرّضاً للقتل من قبل جيش يزيد، إن هو قام بعمل يثير حقدهم، إذ كانت الظروف مهيأة لذلك بعد اقترافهم لأكبر جريمة في التاريخ، فقامت ( أم المصائب ) بالدور العظيم وتصدت للقيام بالمهمة الإعلامية، فاحدث كلامها أيقاظا للقلوب النائمة، ولفتة في البصائر المغمضة، وأخذت خطبها من العقول مأخذاً عظيماً، وعرفوا عظيم جنايتهم التي اقترفوها، فأصبحوا لا يعرفون ما يفعلون!
أما الموقف الأكثر تأثيرا بالجمهور من الأصدقاء والأعداء، فهو عندما خرجت بعد مقتل أخيها وأهل بيتها وأبنائها وأنصارهم وهي تعدو مهمومة محزونة مكلومة نحو ساحة المعركة، تبحث عن الجسد الطاهر بين الأجساد المقطعة، غير خائفة ولا مهتمة بالأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها الغالي، الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطعاً إرباً إرباً، كان تصور من يرى منظرها في تلك الحالة المزرية، أنها سوف تموت أو تنهار أو يغمى عليها، لكن ما حدث كان العبرة لكل مؤمن وموقن وصفعة لكل معادي ظالم ، فأمام تلك الجموع الشاخصة أبصارها إليها جعلت تطيل النظر إلى جسد الحسين العظيم المقطع ثم وضعت يدها تحته، ورفعته نحو السماء، وهي تدعو وبصبر قلّ مثيله قائلة:(اللهم تقبل منا هذا القربان) ( ) فكانت كلمات قليلة لكنها كبيرة وعظيمة بمضمونها استطاعت من خلالها هز الجيش الأموي وألقت في صفوفهم الرعب والرهبة والخيبة في الوقت نفسه، فأحسّوا أنهم اقترفوا ذنبا كبيرا، فقرروا التوبة وعدم الانصياع لأوامر الحكام الفسقة.