بغداد سيدة العواصم الثقافيه/محمد علي مزهر شعبان

Sun, 17 Mar 2013 الساعة : 23:40

بغداد ما اشتبكت عليك الأعصرُ.......... إلاّ ذوت ووريق عمرك أخضرُ

مرّت بك الدنيا وصبحك مشمس ........ ودجت عليك ووجه ليلك مقمر

وقست عليك الحادثات فراعها ......... أن احتمالك في أذاها أكبــر

رحم الله مصطفى جمال الدين ، وهو يحاكي عروس المدن ، وحاضرة الدنيا ، وعاصمة امبراطورية يتساوق مجدها الممتد جغرافيا في ارض الله ، مع ذياك التقدم الفكري والعلمي المتشعب والمتواصل مع الامم ، حتى وكأن التكامل في انضاج حضارة منتجه هي العلامة التي ميزة هذا العصر في إطلاق الفكر والعلوم الى الدنيا . تواصلوا مع المنتج الحضاري ، تبصروا فيه جليا ولم يماحكوه بل حاكموه في معمل الفكر الذي اخذ الفرضية واعطى النتائج . لم ينتج عصر ما فردا يكون فيلسوفا واديبا وموسيقيا ، واخر طبيا وفيلسوفا وشاعرا وجراحا ، واخر رياضيا تجاوز فيثاغروس مكملا واختصاصيا في خمسة علوم اخرى ، كم من عشرات المئات يسع الاعلان عن اعلام ، الفارابي ابن سينا الخوارزمي ابن النفيس جابر بن حيان ابن الهيثم ابن ابن .. خلايا نحل تئز تحت تلك الفوانيس لتؤسس للبشرية قواعد متينه لامة .
ترجمة تواصلت وامتدت ولم تنقطع حتى ابدعت وافرزت ، وسجلت حضورا تسيدته بغداد بعلمائها الى يومنا هذا . وان سبقتنا مدن في الاحتفاء كعاصمة ثقافه ولكن اي مدن الا بنايات فكرت بعقول اجنبية مشتراة ؟
اين امتدادها التاريخي وعطائها الحضاري والاسماء الخالده الفاعله المنتجه ، من هي و بغداد ؟ نعم اغلب الناس في عالم اليوم يشاهد وله المام في التعريف الاصطلاحي : ان المثقف ان يعرف شيئا عن كل شيء ، ولكن هل علم ممن احتفلوا كعواصم للثقافة ممن سبقنا ان بغداد انتجت عقولا تعرف كل شيء عن شيء ؟ يقول ( جوليان بندا ) قبل ست وثمانين عاما ، قبل ان يصبح العالم قرية ، (على المثقفين الحقيقين ، ان يتحملوا امكانية حرقهم على خازوق ، او ينفوا او يصلبوا ،لانهم شخصيات رمزيه ، يتميزون ببعدهم )
نعم ياسيدي قدمنا لقاعدتك في البعد العقائدي والفكري الصميمي الكثير الكثير . صلب زيد بن علي وحرق الحجاج وصعد اصلاب المشانق الكثير ، من الحركات الفكرية اليسارية ، الى نحر محمد باقر الصدر .
فمن هناك في الزمن البعيد الى يومنا هذا ، هي بغداد عصمة العقيده وعاصمة الافكار ، مجد تليد وتصد عنيد وريق عمرها اخضر ، ووجها مقمر واحتمالها اكبر ، رغم كل ما اشتبكت عليها الاعصر . هي تلك المدن التي تستحق ان تكون عواصم وليس مدنا اينعها البترو دولار ، منبثقة من الرمال ، وما ال اليه المأل .
مدينة لا تعرف الالغاء والمحال ونحن نحتفل بقوادم ايام قليلات ان تكون المحتفى بها عاصمة النور . كنت اظن انها بروتوكلات ورسميات وخطب وبعض من التجملات ، كما حدث في الدوحة ، ولكن وجدت رجلا عراقيا ، كلف ان يكون احد الجنود لهذه المناسبه ، يعمل مواصلا ليله بنهاره ، نظراته تبحث عن الحقائق ، ولم اره يوما أن رصد هيئة المتحدثين وانما يرصد افكارهم ، مستمعا تتخيله انك تفتق خلايا ذهنه ، وحين يعقب تندلق الحقائق والتوثيق من لسان ادرك ما يقول ، وتنزه عما يؤول ويؤل . فكر يدهش الاخر بالاضافة ، كيف يوصل فكرة الى القادمين باننا لم نمت ؟
اننا شعب وان طرأت علينا بعض الظلاميات ، وبعض الندب والقروح ، لكننا شعب يعرف قيمة المثقف والثقافة ، وان المثقف فرد منح قدرة على تمثيل رسالة ، وهو ملزم بها تسمو به الى الالزام والالتزام موقفا و فلسفة حيث لزومية التطبيق .هذا الرجل ، مشغولا جنديا مجهولا ، فتسائلت يبدو ان المسئلة خارج حدود الشكليات ، وخارج حدود الرصد المالي ، والبهرجة المبرقعة بالمراسيم والفرش الحمراء ، انها فعالية عقل وكأني به يقول للاخرين : لازال الجاحظ حيا ، وابو نؤاس على ضفاف دجلة يتلو قصيدته عبد الامير الحصيري ، ولا زال المتنبي يستمع الى انشودة الروعة ليشنف سمعه ويعبق رئته على ضفاف دجلة ، على لسان الجواهري ،
حيّيتُ سفحَكِ عن بُعــــدٍ فحيـِّيني.................... يا دجلةَ الخيرِ يا امَّ البســــــاتينِ
هذا الرجل وليس من باب الدعاية انما الاعجاب لشخص يستحق التقدير ، حين تدرك كيف يتصرف المثقف ماهية مسؤوليته ، رقته شفافيته ، عراقيته ، رسالته الى كل الوافدين ، باننا بلد يستحق كل الاحترام ، وكم من امثاله جنود مجهولين ، ليس الجهل المعرفي والادراكي ، انما الاعلامي ، وهو يذكرني بمستشار رئيس الوزراء القانوني ، فعل الكثير ، والكثير يجهل اسمه .. اذن بغداد عاصمة الثقافه حين يستقبل زائريها مثل هكذا عقول سيرنم ضيوفها ما قاله نزار قباني :

عيناك يا بغداد منذ طفولتي ........ شمسان نائمتان في اهدابي

حتى رأيتك قطعة من جوهر ....... ترتاح بين النخل والاعناب

انها بغداد من دار الحكمة وازدحام عقولها ، لشارع المتنبي وازدحام مكتباته وقارضي كتبها ليرددوا

عن عصرك الذهبي ما طال المدى ...... الا وناصع وجهك المتصدر

هكذا رأيت احد الجنود وهو يتهيأ الى الاحتفال ... انه فلاح حسن شاكر.... ولا اقول اين يعمل انه يريد ان يعمل بصمت دون ايماءة او اشاره ...يبدو أن الصمت افضل كثيرا من جعجعة العربات الفارغه .

Share |