ماذا كتب أفلاطون إلى الملك روفسطائيس -جواد كاظم الخالصي
Sun, 10 Jul 2011 الساعة : 12:28

إنها رسالة الحب الثانية مني إلى كل مسؤول عراقي
أفلاطون ذلك الفيلسوف المعروف بعباراته المقتضبة والمُعبّرة بشكل دقيق إلى كل من يوجه كلامه إليه سواء كانوا ملوكا أو شخصيات عادية أو مع تلاميذه فهو يختصر المسافات البعيدة في الفهم والإدراك والوعي السليم.
قال في خطابه الى الملك روفسطائيس (( قد أسمعك الداعي ، وأعذر فيك الطالب، وانتهت الأمور فيك إلى الرجاع، ولا أحد أعظم رزية ممن ضيع اليقين وأخطأ بالأمل ))
هذا القول تماما يتحدث عن الواقع الذي نعيشه في العراق عندما يكون أغلب السياسيين العراقيين في واد والشعب العراقي في وادٍ آخر لأنهم لا يسمعون الداعي إذا دعاهم، وإذا أراد أحدهم أن يسمع الطالب لطلباته فلا أعتقد أن العجلة ستسير دون وضع العصا من هذا الطرف أو ذاك وهؤلاء يتفنون كثيرا في عرقلة وتأخير عجلة التقدم لأبناء الشعب العراقي حتى يتمكن من الوصول إلى ما وصلت إليه الشعوب في دول العالم المتقدم وكذلك دول الجوار التي لم نتمكن إلى الآن من اللحاق بها وبما حققته من توفير وسائل العيش وسلامة الحياة لأبناء شعوبها.
فالمنادي وبصوت عال طيلة السنوات الماضية له نماذج وأساليب للمطالبة والتعبير تختلف باختلاف زمانها ومكانها، فهناك الوسيلة الإعلامية، وهناك الوسيلة السياسية، وهناك الوسيلة الاجتماعية، وهناك الوسيلة الأهم وهي صوت وضمير الشعب وبالخصوص الفقراء والمحتاجين الذين يمثلون أغلبية الشعب كما هو معروف للجميع من خلال ما نشاهده طيلة السنوات الماضية، وهذا من المؤكد له صدى واسع ويأخذ مدياته بأوساط المجتمع لينقل إلينا صورة حية وحقيقية عن واقع مؤلم كان يختفي خلف الصراعات السياسية بين الكتل والأحزاب العراقية التي انشغلت بصراعاتها ومارست كل أنواع التخندق ووسائل الهجوم المضاد ليلهو بعيدا عن كل تطلعات الطبقة المظلومة من الشعب العراقي والحال هذا عندما تكلف القوى السياسية شخص ما ليكون رئيسا لوزرائها تعمد بعدها الى الوقوف بوجه المشاريع التي يريد تطبيقها من خلال برنامجه الحكومي الذي يطرحه على ممثليها في البرلمان لتبقى دائرة الخلاف تدور تحت قبة البرلمان من خلال مبدأ " أصوّت لك، عليك أن تمرّر لي هذا القانون" ليبقى المواطن المسكين فالج القدمين ينتظر ما ستؤول إليه هذه الدوامة من الصراع لذلك يتصف خطاب أفلاطون بالرجاع والعودة الى هذه الفئة الكبيرة والواسعة من الشعب وهو هنا يحدد آلية ومنهجية دقيقة جدا لأن المناداة التي تعتمدها الغالبية من الطبقة البسيطة والمحرومة يمكن أن تتحول الى جسد مليء بالبارود يبحث عن ملاسمة ناعمة بين صخور مكسّرة تتدحرج لتصنع كلمات تعبّر عن حياة ومصير زمن، وهنا لابد من البحث عن رجال قادرين بالفعل أن يلبوا حاجيات الناس كي لا يبقى المنادي(الداعي) في حشرجة صوته، ولكن أين هي الساحة التي يقف عليها هؤلاء الرجال الذين يمكن أن يصفهم أفلاطون في مكان آخر حينما يقول((لا يمكن أن نصنعَ رجالاً ذهباً من مواهبَ نحاسية)) وبالفعل أننا اليوم أمام هذا الكم الهائل من العاملين على الساحة السياسية العراقية يمتلكون مواهب نحاسية لا ترقى ولن ترقى الى أن تكون ذهبا نصوغ منه المواهب وهذا ليس عيبا فيهم أو تقليلا من شأنهم إنما الموهبة وآلية التعامل مع المحكوم لا ترقى عندهم لأكثر من ذلك وهي محدودة كل حسب قابليته وقد يتمنى هؤلاء الى أن ترقى موهبته ويطورها لتكون ذهبا خالصا كي يُخلص مع شعبه وقاعدته الجماهيرية التي انتخبته ليصل إلى ما وصل إليه من مكانة سياسية.
هذا كله يعود إلى مبدأ الرجع الذي وصفه أفلاطون أي لابد للحاكم وأن يتريث ليقف ويسمع الى أبسط عامة الناس لأنه لو تفضل وقام على حل مشاكل البسطاء من عامة الشعب لتيَقّن أن مفاتيح الحلول معه وبيده وهو الذي يعرف كيف يدير هذه الأمة والحل يكمن في تلك الأغلبية من الفقراء ولا يهم إن نسينا قليلا من المتخمين والقطط السمان فهم من المؤكد ثلة لا تصل أبعد من حدود قصورهم المتخمة بكل أنواع الترف والتبذير الأعمى.
كل يوم نسمع الكثير من الاهتزازات السياسية التي أصبحت من المعتاد أن تكون حاضرة على الساحة العراقية لمجرد خلاف بسيط في محاصصة سياسية أو مذهبية أو قومية ، وعندما تجتمع هذه الثلاثة وتكون آلية عملنا فإننا نبعد الأمل ونميل إلى الشك دون اليقين وتلك هي الرزايا العظيمة التي نمر بها خارج المألوف الذي يرمي إليه الفيلسوف القدير أفلاطون وهو يحاول أن ينتزع من الملك عنفوانه وجبروته وهيمنته ليخرج من هذا كله بزراعة نبتة الأمل الشاخصة إلى المستقبل واليقين الذي يقتل الشك في مكانه، لتكون في نهاية المطاف إرادة حكمانا تنتهج سبل الرقي والنهوض بين كل طبقات الشعب العراقي وهذا ما نريد الوصول إليه من خلال ما أورده أفلاطون في مقولته إلى الملك فربما موعظة تفي بالغرض بعد أن قرأنا الكثير من العبر والنصائح في قرآننا الكريم وسنة نبينا (ص) والأئمة الأطهار(ع) وصحابة الرسول ولم نصل إلى نتيجة ملموسة تكون قد غيرت الواقع بشكل جذري، ((مع العلم أن هذا الملك أدرك قول أفلاطون وتأمله جيدا وبدأ يسمع المنادي من عامة شعبه ليتيقّن أن المفاتيح بيد الطبقة البسيطة من المجتمع )) لأنهم في رأي الشخصي هم أحباب الله ومن أحبهم وعطف عليهم واهتم بأمورهم أحبه الله ورفعه ومكنه من الوصول الى نوافذ النجاح في حياته ليكون حاكما محبوبا لا منبوذا وهذا الأمر لا يقتصر على المراكز العليا في الدولة بل يصل الى أبسط مدير في دائرة من المؤسسات العراقية الرسمية وغيرها حتى نخرج من مفردة التسلط التي اعتاد عليها الكثير من العراقيين في مسؤولياتهم.