مسلسل الحسن والحسين ومعاوية .. أسئلة لابد منها- د. علي عبدالحمزه
Sun, 10 Jul 2011 الساعة : 10:12

قلم : د. علي عبدالحمزه / أستاذ أكاديمي وشاعر وكاتب .
نقلت مواقع المدونات خبر الأنتهاء من أعمال مسلسل ديني سيتم عرضه في شهر رمضان المبارك القادم بعنوان الحسن والحسين ومعاويه ، وكعادة الأنتاج الفني في كل عام فأن الهدف من عرض المسلسلات الدراميه هو إضفاء الراحة والهدوء العصبي للصائم وهو يرى العديد من المسلسلات التي يتوسم فيها الفائدة الثقافية والأجتماعية له ولأفراد عائلته صغيرهم وكبيرهم . وعادةً ما تُكتب المسلسلات والأعمال الفنية بسيناريوهات تكون بالتأكيد وفق هوى ورؤية وميلان الكاتب وكيف يذهب قلمه ووفق من يستشيرهم ويستأنس برأيهم وهم بالتأكيد على نفس خطه وتوجهه من أصحاب الخبرة والدراية القريبة من موضوع العمل . وفي هكذا مسلسل ( الحسن والحسين ومعاوية ) تجبرني كما تجبر الآخرين عدة أسئلة أن أطرحها على المسلسل وعليه بكاتبه ومخرجه وسينارسته أن يجيب عليها طبقاً لثقافته وقراءته للتأريخ الحقيقي المكتوب بقلم الحيادية دون إنحياز لأحد إلا للحق والحقيقة التي يتوجب نقلها عبر السنين إلى الأجيال ولتأكيد حقائق تأريخية وتصحيح مرويات أخرى ربما كان القارئ لها قد توقف عندها حائراً متعجباً .. وإني هنا أود أن أسأل أولاً وأتساءل لماذا هذا التوقيت لمثل هكذا عمل ؟! ألم يكن التأريخ موجوداً بمجلداته وناقليه ورواته موجوداً على الدوام بشخوصه وأحداثه ولِمَ لم يتم تناول مسميات هذا المسلسل سابقا ً ؟! . ثم لماذا هذا الربط المقصود ( بحسب رأيي) لشخصيتي الحسن والحسين سيدي ْشباب أهل الجنة بحسب الحديث النبوي الشريف المتفق عليه بشخص مثل معاوية بكل الصفات المنقوله عنه بحسب الأحاديث والأسانيد المتفق عليها ؟ فأذا كان الهدف من المسلسل هو تسليط الضوء على شخصية معاوية ، فليتم ذلك وفق رؤية خاصة بشخصية معاوية وتأريخه وأعماله وسلوكه وعلاقاته بالآخرين . فلماذا يُقحم إسما الحسن والحسين بهذا العمل ليُقْتَرَنا بأسم شخص كمعاوية ؟ أليس في ذلك هدف يراد منه أن يضفي وجود هاتين الشخصيتين الكريمتين ، شخصيتا سبطي الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، شيئاً من الأعتدال والتسامح والمحبة ، على أساس العمل بمبدأ قرين ُ الشئ منجذبٌ إليه ! في حين إن التأريخ يُقْرِأُنا بأن معاوية قد ناصب الحسن والحسين وآل بيتهما ومن قبلهما جدهما وأبيهما العداء ، وإنه أي معاوية إنما كان يستقي عداءه هذا من أبيه (إنْ صح نسبه إليه) أبي سفيان صاحب التأريخ الواضح في عداءه وكرهه للرسول الكريم محمد بن عبدالله الهاشمي القريشي ( راجع سيناريو فلم الرسالة لمخرجه العالمي السوري مصطفى العقاد الذي ثضى نحبه بعمل إرهابي في عمان ) .. وإن هذا الأبو سفيان لم نفقرأ عنه إنه أسلم وإنه نطق بالشهادتين ، وإنه هو الذي شمت وفرح عند سماعه بخبر وفاة الرسول الكريم حينما قال مستفسراً للتأكيد (أهَلَكْ) وهي كلمة عادة ما تُقال عند موت الكائنات الحية الأخرى غير الأنسان ، والتي أردفها بكلمة ( وَمَنْ بَعْدَهُ مَلَكْ )، وكأن الأمر لديه مجرد تسلط وملوكية وحكم سلبها منهم شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. والذي إستكمل قوله ب( تلاقفوها يابني أمية تلاقف الكرة فلا كتاب ٌ أُنْزِل ولا نَبي ٌ بُعِثْ) ( المصدر كل كتب التأريخ بأسانيدها وتواترها ) .. وهنا أسأل أنا المشاهد والقارئ للتأريخ سيناريست المسلسل ومؤلفه ومراجعيه من المصادر المحسوبة على الدين والتفقه والشريعة الأسئلة التالية وأنا مسوؤل عنها ....
1. هل سيتناول المسلسل سيرة حياة معاوية وكيف وُلِد ومشنْ أي صُلْبٍ جاء ؟ إذ نقرأ من التأريخ إن هند بنت عتبة والدة معاوية كانت قد زوجها أبوها لتاجر يماني أمضت معه فترة قليلة مالبث أنء أعادها إلى أبيها لشكه في أخلاقها وإخلاصها لبيت الزوجية فما كان من أبيها إلا أن يعمل على التستر عليها ليزوجها لأبي سفيان ، وبعد فترة ستة أشهر أنجبت له معاوية !! فياتُرى من صُلبِ من جاء معاوية ؟ هل إبن أبي سفيان أم إبن ذاك التجر المغرر به ؟ وكيف تمت تسميته وإشتقاق إسمه لغوياً ؟
2. هل تناول المسلسل مسألة العداء المستمر والأذى الذي سببه والد معاوية (بالهوية الشخصية وبالنسب )للرسول الكريم ؟ وهل سيذكر المسلسل كيف كانت هند والدة معاوية على درجة عالية وكبيرة من الحقد والضغينة عندما بقرت بطن الحمزه بن عبدالمطلب عم الرسول الكريم وقائد موقعة بدر وإخراج كبده وأكله إضافة إلى عمل آخر قامت به بجذته الطاهره .
3. بكل تأكيد غن المسلسل سيذكر إن معاوية كان كاتباً للوحي !! أتمنى أن يوضح لنا كيف ومتى كان يكتب الوحي الذي تفصل بين ما يتنزل منه فترات طويلة من الزمن كان فيها معاوية منغمساً في شركهه وكفره وحقده على الرسول وتشكيكه ببعثه ورسالته . وهو الذي كان من الطلقاء يوم فتح مكة ( الحديث النبوي الشريف .. إذهبوا فأنتم الطُلِقاء ْ) وبفتح مكة كان الوحي قد شارف على الأنتهاء بحسب مانفهمه من الآية الكريمة في القرآن الكريم ( اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِنيَكُمْ وَاَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمْ الأسلامَ دينا ) .
4.هل سيذكر المسلسل كيف ولماذا إنشق معاوية والي الشام عن عصى الطاعة لولي أمره ذلك الوقت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب وإصراره على البقاء في منصبه بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما طالب الخليفة المنتخب من قبل المسلمين بالتنحي عن منصب الخلافة !؟
5. هل سيوضح المسلسل كيف تآمر معاوية وتحالف بخبث وضغينة مع قرينه عمرو بن العاص للوقوف بوجه الخليفة الرسمي الرابع علي بن أبي طالب وكيف شق صف المسلمين في حربين سُفك فيهما دماء المسلمين هما حربا الجمل وصفين وكيف كانت علاقة معاوية بأبن العاص ، وأرجو أن يكون كاتب السيناريو والمؤلف قد إستعان أو رجع إلى ما كتبه السيناريست والكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة عن معاوية وعلاقته بقرينه عمرو بن العاص .
6. كيف سيوضح المسلسل علاقة معاوية بالحسن ؟ وهل سيذكر كيف تخلص معاوية من الحسن كولي للعهد عندما دس له السم الذي إستجلبه من الروم خصيصاً لهذا الغرض ليقتله ويقول مقولته الشهيره ( إن لله جنودٌ من عسل )؟ وهل سيذكر المسلسل كيف كان كلام معاوية لجعده بنت الأشعث التي جندها لدس السم القاتل لزوجها الحسن وكيف تنصل عن الأيفاء بكامل جائزتها عن عملها المشين الخياني. ؟ وهل سيذكر المسلسل كيف إلتقى معاوية بالحسين وبكبار أبناء الصحابة في المدينة وبماذا أخبر معاوية مرافقه الشخصي بعد الخروج من الأجتماع معهم ؟
7. هل سيذكر المسلسل كيف وبخ الرجل الشامي خليفته معاوية عند رفضه لطلب ٍ تقدم به بحضور عقيل بن أبي طالب أشهر نسابة العرب ، عندما قال له (لمعاوية ) يا إبن لبابة أو حمامة ؟؟!!
8. هل سيوضح المسلسل علاقة معاوية وسببها بالأشخاص الموتورين الذين لا يٌعرف نسبهم ولماذا نسبهم معاوية لشجرته وأبيه كي يتخذ منهم إخواناً كزياد إبن أبيه ؟
9. هل سيوضح المسلسل مدى تدين معاوية وإستخفافه بالمؤمنين والضحك على ذقونهم عندما صلى بهم صلاة الجمعة في غير أوانها (الجمعه في يوم الأربعاء) ؟ وهل سيفسر لنا المسلسل مدى تأثر وتشبه معاوية الوالي المنشق عن حكومة المركز بعادات الروم وكيف حول مبدأ الحكم الأسلامي من مبدأ الشورى إلى المبدأ الوراثي الكسروي الملكي الذي مازال يٌقتدى به المعجبون والسائرون على نهج معاويه في العصر الحديث ؟
10. هل سيوضح المسلسل مدى كره معاوية للخليفة الرسمي الرابع علي بن أبي طالب وحقده عليه بأن جعل من سبه وشتمه والأنتقاص منه جزءاً من الصلاة يًعلن عنه ويُتشدق به من على المنابر بعد كل صلاة وكأنه دعاء من مستوجبات قبول الصلاة.
11. هل سيذكر المسلسل كيف غير معاوية آلية إداء صلاة الجمعة وكيف جعلها خطبة ً ثم صلاة تعقبها ، بعد أن كانت صلاة تعقبها خطبة ، لضمان عدم إنسحاب المصلين بعد إداء صلاتهم وتركهم سماع خطبة إمامهم في الصلاة معاوية ؟
12. والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا المسلسل إنه .. قرأت عنه إن مؤلف المسلسل كان قد طرحه أمام شيوخ الأفتاء كالقرضاوي وبعض من شيوخ السعودية وأحد شيوخ إفتاء اليمن ، ولم نقرأ إنه تقدم به إلى الأزهر الشريف مثلاً أو غلى مراجع أخرى وأجاز هؤلاء له هذا العمل دون أن يرجع إلى مصادر وإفتاء لبنانية أو عراقية ؟! أليس في ذلك أمرٌ مبطن وسعيٌ لتكريس النظرة الطائفية التي طالما تكرر سماعها من القرضاوي وأمثاله ضد الشيعة ومحبي الرسول الكريم وآل بيته الكرام ، والذين يسمونهم بالروافض .
إن هناك الكثير من الأسئلة التي يجب على المسلسل وكاتبه وسينارسته الأجابة عنها بتوضيح الشخصية الحقيقية لمعاوية من أجل أن يطلع عليها الأجيال الذين تسممت أفكارهم التأريخية بفعل أقلام الكتاب المأجورين الذين كتبوا للحاكم الظالم وأحاطوه بالقدسية والتنزه وبما لم يُحط به نبي أو رسول . لا ضير أن يتم إنتاج وعمل مسلسل يسلط الأضواء على شخصية حكمت المسلمين ولكن يجب إظهارها وفقاً للحقائق التأريخية لا وفق المغالطات المبنية على الأحقاد والكره والضغينة . أتمنى على المسلسل هذا أن يكون بمستوى مسلسل (عمر بن عبدالعزيز) أو مسلسل ( أبو حنيفة النعمان) اللذين غيرا الكثير من الآراء والأفكار الموروثة وأعادت رسم صورة الشخصية بما يستحقاه الرجلان من مكانة رغم عناد المؤرخين المرضى المأجورين. إذ أظهر مسلسل أبي حنيفة النعمان إنه كان من أوائل المساندين وأشد المناصرين لثورة العلويين بقيادة زيد ين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ضد العباسيين الذين كانوا أشد ظلماً وجوراً وتنكيلاً بالعلويين من الأمويين ( قال في ذلك شاعر المعرة أبو العلاء .. ياليت جورُ بني المروان عاد لنا .... ياليت عدل بني العباسِ في النار ِ) ومسلسل عمر بن عبدالعزيز وإن لم يذكرها إن عمراً إستنكر سب الخليفة الرابع علي بن أبي طالب .. وضرورة إعادة الأعتبار لبني هاشم .. الأمر الذي ولد ردة فعل عنيفة ضده في العائلة الأموية الكسروية الحاكمة ( مصادر التأريخ : الطبري والسيوطي ) .
إن المسلسل هذا بعدم إجابته عن الأسئلة المشروعة وبمحاولته إظهار معاوية أميراً للمؤمنين بصفة شرعية وإضفاء الصفات التي لا يستحقها إنما يثير في النفوس الأحقاد التي تدفع إلى الفتنة سيما وإن الناس ليسوا على مستوى واحد ومتقدم من الثقافة والأطلاع ، فالبعض يأخذ بالمسلسل أي مسلسل كأفكار مُسًلَم بها فيتأثر بها وينشد لها وبذلك تخرج مناقشات مكملة لمناقشات الماضي وربما ستكون بأكثر بأكثر حدة ذلك إن الظروف التي نعيشها الآن هي ظروف مهيأة لهذه الحدة ، وبوجود الكثير من الفضائيات التي تحرض على الفتنة وتدفع بهذا على ذاك دون أدنى فهم للتأريحخ ودون محاولة قراءته كما يجب . أرجو أن ينتبه المشاهد الكريم اللبيب بمتابعة المسلسل ( إن سُمِحَ بعرضه ) بروية وبهدوء أعصاب كي يسجل ملاحظاته ويقارن ما سيراه بالحقائق التئاريخية لئلا نشوه أفكار أبناءنا وأجيالنا ولْيُعْطى كلُ ذي حق ٍ حقه ونُبعد القدسية والألوهية عن الحاكمين وأن نمسح الخطوط الحمراء التي وضعها الوعاظ حول سلاطينهم لنذكر بأن عمر بن عبدالعزيز قد حكم بالعدل والمساواة وبذلك يضعه الفقهاء والرواة كحلقة مكملة لحلقات وسلسلة فترة حكم الخلافة الراشدة . ولنذكر أيضاً وكما ذكر ذلك الكاتب أسامة أنور عكاشة بأن عمرو بن العاص كان من أتفه شخوص تأريخنا وأحد مسببي مصائبنا وبلاءنا الذي إستمر منذ ذلك الوقت وإلة وقتنا الحالي ، وأن نذكر إن معاوية كان قد حكم وتسلط على رقاب المسلمين بدافع الحقد والكراهية لآل بيت الرسول الكريم وللهاشميين وأذاقهم هو ومن ورثه أشد أنواع العذابات والقهر والسجون وأن نذكر إن الأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة ، فأستباحة المدينة وواقعة الحرة وواقعة فخ ومعركة الطف في كربلاء كلها أمثلة يجب أن لا تغيب عن ذاكرة ورؤية المتتبع وهو يشاهد المسلسل(الحسن والحسين ومعاوية) الذي يراد منه أن يُظهر معاوية بمظهر الحاكم العادل وهو الذي وصف الحكم بأنه قميص ألبسه إياه الله ، أي لا ينتزع منه إلا بأمر الله في قصد صريح بأن الحكم سيكون به حصراً وبنسله (دكتاتورية سابقة).
والسؤال الأخير الذي أود أطرح من هذا المسلسل هو لماذا لم يُنتج أو يُكتب مسلسلاً يُمجد ويُذَكِرْ بالعظام الرجال من تأريخنا والمتفق على نزاهتهم وعدالتهم من جميع الأطراف كأن يكون لدينا مسلسلاً عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري أو عن الصحابي الجليل سلمان المحمدي صاحب فكرة شق الخندق الذي سبب بهزيمة المشركين المحاصرين وإنتصار المسلمين في غزوة الخندق ، أو عن الصحابي الجليل المؤمن برسالة الأسلام صُهَيْب الرومي ، أو عن الصحابي مالك الأشتر أو مسلسلاً عن العلاقة التأريخية بين الأوس والخزرج وكيف هدى الله قلوبهم ووحدهم بالأسلام بعدما كانوا أعداءً طيلة سنوات عديدة.
كلنا قد أُعجبنا بمسلسل مريم العذراء ومسلسل الصديق يوسف كونهما سلطا الضوء بالشكل الصحيح وأمدوا المشاهد بالمعرفة الصحيحة الصادقة دون أن تسلل أية أفكار فتنوية وثأرية من شأنها أن تُلهب الأفكار والتي ربما تدفع للتصرف بشكل متطرف لا سمح الله بذلك.
دعوتنا للكتاب والباحثين أن يتناولوا هذا الموضوع (المسلسل) تناولاً موضوعياً وبطريقة البحث العلمي دون أي إنحياز لأحد وبحيادية تامة وليؤدوا دورهم الذي توجب عليهم عندما إمتهنوا الكتابة وإمتشقوا سيف الحقيقة .. القلم . ليتناولوا هذا الموضوع وليطرحوا البدائل التي يتوجب تقديمها إن كان أمر تقديم مسلسل أمرٌ واجب في شهر أوجبه الله تعالى بصيامه وقيامه.
أتمنى على كاتب المسلسل أن يكون قد إطلع على التأريخ وقرأه قراءة أبي العلاء المعري وقراءة التيجاني وجورج جرداق ، لا كما يقرأه عدنان العرعور والعبيكان والقرضاوي والظواهري ومن لف لفهم .