كتاب ( ذاكرة مدينة ) ترياق الخلود ، ارتشفته مدينة الناصرية - ناجي لطيف العسكري
Sat, 9 Jul 2011 الساعة : 9:55

أن كتاب ذاكرة مدينة هو كتاب التأمل بامتياز... كاتب يتأمل العالم ، ويحاول من خلال لغته أن يتوغل في جوارح النفس ، ربما ليكتشف هزائم الإنسان من خلال موت صديق أو قريب أو لربما يكتشف الرايات المكسورة التي حملها أصحاب السلالات القديمة .. متلاعباً بالعبارات وكأنك على متن سفينة تحطمت أجنحتها ليرسوا الكاتب بك أينما شاء .. وهو يرسم لك لوحة من العبارات تعيدك إلى أيام الزمن الجميل في مدينه عشقها الكاتب بكل جوارحه ، عاش فيها الكاتب ،، ولطالما أعطته .. وها هو ابنها البار يهديها كتاباً في شيخوختها .. وهو يحلم أن يكون هذا الكتاب ترياق الخلود الذي يمجد فيه مدينته وعاصمة حبه . يرسم لنا الكاتب إبراهيم عبد الحسن في كتابه ( ذاكرة مدينة ، أمكنة وشخوص من مدينة الناصرية ) صورة وقصة وكأنك تعيش في عالم الأبيض والأسود عالم ، كأنك ذلك الإنسان الذي كافح من اجل المجد يبحث عن التغيير ويناضل من اجل أهدافه ومبادئه ....
والكتاب بالإضافة إلى لوحات التأمل التي يرسمها وصور الماضي التي يعيدها فهو أيضاَ ينضج بالمعرفة وكاتب يعرف كيف يكتب عباراتها ويجعل من جملها وصورها مهيأة للتفجر في أي لحظة كان تعيش أيام من التصحر ويفاجئك طوفان بصورة تصدم وبشي من الإحساس الخفي ، يجعلك تقلب الجملة لتعرف أنها مليئة بالآهات والحسرات ، كأن إبراهيم عبد الحسن يكتب مراثي الزمان والمكان وموت الكائن الحالم ...
رغم الفرح المعلن في كتابه ، ولكن هنالك حزناً غير معلن في ذاكرته لمدينه الناصرية القديمة .. يحول المآسي إلى محولات رمزية تتصادم فيها المعاني والكلمات في معركة البلاغة ...
إبراهيم عبد الحسن الكاتب الذي رسم مدينته التي عشقها في سطور وكأنك أمام فلم سينمائي يعرض جميع تفاصيل مدينة ، انقرضت قديماً ولم يبقى سوى أثارها .. لم ينسى حتى مجانينها ، أن تتابع في المواضيع يصور لك الكاتب مدينه قديمة مضى عليها عقود ، ليعيدها من خلال عباراته ولغته إلى عالمنا بحله جديدة يفهمها أبناء الجيل الجديد ....
تكمن متعة الإحساس بالأمكنة وتتعمق حينما تشعر أن هذا المكان يعمر ومن خلال أشكال وأجسام تتميز بها تلك الأمكنة ... فتنشأ العلاقة الحميمة بين الإنسان وتلك الأمكنة الذي يولد أو يقدم علية وعي الإنسان للمكان وتلك الميزة المشبعة بتراكم كبير لذكريات جميلة اختزنتها ذاكرة أبناء المدينة لتكون أجمل لمن يعيدها شريطاً خاصة لأبناء الناصرية التي طالهم المنفى ومدن الغربة حتى تتولد رغبة مؤلمة للعودة أليها .. وان هي ضلت عل بساطتها وتفردها المعماري لكنها ضلت تحاكي السنين الطوال .. أن جمالية عودتها للذاكرة تضيف لها نكهة وميزة بالإحساس الجميل ..