معاداة الشيعة خطأ استراتيجي/ امير الكلابي
Sun, 24 Feb 2013 الساعة : 22:18

لاتزال الدول الغربية تزرع الفتن والصراعات بين ابناء الدول الاسلامية وتثير الخلافات المذهبية بغية تحقيق مكاسب استراتجية للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط . وبعد ان افرزت ثورات الربيع العربي ثقافة وضع النقاب على رؤوس التماثيل وقطع رؤوسها بوضع النقاب على رأس تمثال المطربة ام كلثوم لان شعرها الاسمنتي بات يثير الغرائز وقطع رأس نصب فيلسوف المعرة ابو العلاء المعري في سوريا و رأس عميد الادب العربي طه حسين في مصر لكونهما رموزا جالبة للنحس وتعارض افكار الاعتدال والتنوير وبدل التصدي لهذا الفكر المنحرف الذي بات يتكاثر كالفطر السام ليهدد امن البلاد ويريق دماء العباد يطل علينا اشباه المثقفين ممن امتهنوا اثارة البغضاء والكراهية والفرقة بين ابناء المسلمين بمقالاتهم التحريضية ومن منابر عريقة كصحيفة الاهرام المصرية التي لم نعهدها والى وقت قريب ان ادلت بدلوها في هذا المستنقع الطائفي النتن . فبعد ان كانت الاهرام يكتب بها اعرق المفكرين منذ تاسيسها كجمال الدين الافغاني و محمد عبده التي لعبت افكارهم دورا هاما في إيقاظ الرأي العام الوطني إلى صحوة العالم الإسلامي في مواجهة خطر الإستعمار الغربي فضلا عن كبار رواد الفكر والثقافة وعمداء الادب العربي امثال : نجيب محفوظ وسلامة موسى و طه حسين و يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و محمد حسنين هيكل واخرون لاتحصى اسماؤهم واعدادهم .
يطل علينا الدكتور طارق السهري في مقالته المنشورة في صحيفة الاهرام تحت عنوان (الخطر الشيعي) ليطرح سؤاله على الشيعة قائلا : (( لماذا جميع مراجعكم فرس إيرانيين ، فهل كان الحسين رضى الله عنه فارسياً إيرانياً؟ )) لو طرح هذا السؤال من غير مسلم لقلنا ان الاخ ذمي ولايعرف شيئا عن الدين الاسلامي مع ايماننا بثقافة علماؤهم والمامهم التام بالاديان والمذاهب الاخرى من خلال حضورهم مؤتمرات حوار الاديان اما ان يصدر هذا السؤال من شخص مسلم ويحمل شهادة دكتوراه فهذه كارثة وعلى نخبنا ومثقفينا السلام اذا كانوا بهذا المستوى الفكري والمعرفي فلا عتب على الجهلاء الذين يتقاتلون باسم الدين بعد الان اذا كان الاكاديميون لايفقهون ما يكتبون . او لا يعلم الدكتور طارق ان اكثر علماء اهل السنة و من بين علماء المذاهب الاربعة الى اصحاب الصحاح كالبخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي والسجستاني والنيسابوري الى الرواة كربيعة الرأي و طاووس بن كيسان والبيهقي صاحب السنن ومكحول بن عبد الله مولى بني ليث ومحمد بن سيرين مولى أنس ابن مالك الى كبار المفسرين كالزمخشري والمحدثين كالامام البخاري ومسلم وهلم جرا هم من بلاد فارس ؟ أليست ايران هي تلك الأمة التي قال في حقها سيد البشر (ص) : (لوكان العلم في الثريا لناله رجال من فارس ) ؟
اما الكاتب المصري فهمي هويدي الذي يكتب في صحيفة الوطن الكويتية يقول في مقالته (ولاية الفقيه لا تلزمنا) : ((وأن شعار القبول بالآخر يسري على كل الكيانات والكائنات ومختلف الملل والنحل، ويحتمل التطبيق مع الصهاينة والشيوعيين والبوذيين وعبدة النار وغيرهم من شياطين الانس والجن، ولكن ينبغي ان يستثني منه الإيرانيون والشيعة باعتبارهما جنسا يختلف عن كل هؤلاء)) فباي افكار خرقاء نحن مبتلون واي فكر منحرف نواجه ؟ بحيث اصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني وقبول الشيوعيين والبوذيين وعبدة النار وشياطين الجن والانس باستثناء الشيعة والايرانيين امرا مقبولا؟
اغلب هؤلاء من مثيري الفتن والبغضاء بين ابناء الدين الواحد هم من المسلمين الذين يصلون 5 مرات في اليوم متناسين الاية الكريمة ((واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) وفي وقت تستعر فيه نيران الطائفية والمنابر المحرضة على القتل والتخريب يزيد هؤلاء الكتاب الطين بلة باصواتهم النشاز التي تدعوا الى القتل والدمار وتقف حائلا امام دعوات التقارب والاصلاح . بتنا لا نسمع في مقالاتهم عن الخطر الامريكي والعدوان الصهيوني الذي يهدد الامة سوى اصوات خافتة خجولة وكيف لا وهم يدعون للتحالف مع الشيطان والتطبيع مع اسرائيل ويعدونها من اصول الدين ويعادون الشيعة ويحرضون على قتلهم في الوقت نفسه ؟ الم يرتوي ضمأ هؤلاء من دماء ابناء المذهب الشيعي التي سالت ولا زالت تسيل على ارض العراق و البحرين وسوريا و باكستان ولبنان وغيرها من الدول الاخرى بدعم اقليمي وبفتاوى تكفيرية ؟ الايرانيون اثبتوا للعالم تفوقهم العلمي على جميع الاصعدة وبدلا من ان نستفيد من تجاربهم لمواجهة الخطر الاكبر نراهم يهاجمونها حقدا وحسدا . اما الشيعة في لبنان المتمثلة بحزب الله استطاعت ان تهزم العدوان الاسرائيلي وتخرجه من اراضيها وتدمر اسطورة جيشه الذي لايقهر ودباباته الميركافا ذات التكنولوجيا الحديثة بفرار جنودهم من ارض المعركة ففي لقاء لاحد القنوات مع الجند الاسرائليين الهاربين سئلوا عن رايهم بمقاتلي حزب الله فاجاب احدهم ان جندي حزب الله يقاتل حتى النفس الاخير ولا يترك مكانه او ينهزم من ساحة المعركة وهذه شهادة نفتخر بها لكونها صادرة من الاعداء وليس الاصدقاء لنشكك في صحتها مذكرينا بالاية الكريمة (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ) . معادة ايران والشيعة في الدول الاخرى كالعراق وسوريا ولبنان خطا استراتيجي وضعف للامة سيسهم في تفتيتها ويدخلها في اتون الصراعات المذهبية ويضعفها امام الاعداء الحقيقيون وما اكثر المؤامرات والهزائم التي لحقت بالامة وساقتها نحو التخلف والدمار بسبب سياسة زعمائها الذين كانوا يداهنون الغرب على حساب شعوبهم للبقاء في كراسيهم .
الاسلام تجاوز اللغات والالوان والاصول وقد قال رسولنا الكريم (ص) : لافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى) ولم يجعل الاصول ميزانا للتفاضل بل جعل التقوى ميزانا لهذه الافضلية وللعلم ان لدينا الكثير من المراجع من مختلف الاصول والقوميات ويؤم الحوزة العلمية الشريفة في النجف الاشرف طلبة العلوم والمعارف الاسلامية من شتى بقاع الارض واصقاعها كالهند وباكستان وافغانستان وايران وباقي الدول العربية والاسلامية وافضل شاهد على الاسلام المحمدي الاصيل النابذ للعصبية القومية يتجلى في اصول المراجع الاربعة العظام في النجف الاشرف فالسيد محمد سعيد الحكيم عربي والسيد علي السيستاني ايراني والمرجع محمد اسحاق الفياض افغاني والمرجع بشير النجفي باكستاني .
اما اقلامكم الداعية للتطرف وتكفير الاخر وزرع الفتن والتفرقة بين ابناء الدين الواحد قد فسحت المجال للغرب للتدخل في بلداننا والاسائة لديننا والتعرض لنبينا الاكرم (ص) برسم قنبلة على عمامته الشريفة .
يقول المفكر الكبير محمد عبده بحق صحيفة الاهرام ابان صدور اعدادها الاولى: (يالها من جريدة أرست قواعدها في القلوب وامتدت لتكشف الغيوب.. والفارق كبير بين أهرام خوفو وأهرام الصحافة.. تلك أهرام وأشباح وهذه غذاء للأرواح.. تلك مساكن وأموات وهذه لسان السموات). فلو كان في هذا الزمان هل كان سيقول نفس الكلام ؟ استبعد ذلك . اما المعري فنقول له :اغتالوا نصبك لكنهم لن يستطيعوا تدنيس فكرك ومحي فلسفتك فهؤلاء الظلاميون في النهاية سيهزمون وهم الى اوكار المزابل عائدون وصدق الجواهري شاعر العراق والعرب الاكبر حينما قال :
قِفْ بِالْمَعَـرَّةِ وَامْسَحْ خَدَّهَا التَّرِبَـا ... وَاسْتَوْحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنْيَا بِمَا وَهَبَـا
وَاسْتَوْحِ مَنْ طَبَّـبَ الدُّنْيَا بِحِكْمَتِـهِ ... وَمَنْ عَلَى جُرْحِهَا مِنْ رُوحِهِ سَكَبَـا
وَهَـؤُلاء الدُّعَـاةُ العَاكِفُـونَ عَلَى ... أَوْهَامِهِمْ، صَنَمَـاً يُهْدُونَـهُ القُرَبَـا
الحَابِطُـونَ حَيَاةَ النَّاسِ قَدْ مَسَـخُوا .... مَا سَنَّ شَرْعٌ وَمَا بِالفِطْـرَةِ اكْتُسِبَـا
وَالفَاتِلُـونَ عَثَـانِينَـاً مُهَـرَّأَةً ..... سَاءَتْ لِمُحْتَطِبٍ مَرْعَـىً وَمُحْتَطَبَـا
وَالْمُلْصِقُونَ بِعَـرْشِ اللهِ مَا نَسَجَـتْ..... أَطْمَاعُهُـمْ: بِدَعَ الأَهْـوَاءِ وَالرِّيَبَـا
وَالْحَاكِمُونَ بِمَا تُوحِـي مَطَامِعُهُـمْ .....مُؤَوِّلِيـنَ عَلَيْهَـا الجِـدَّ وَاللَّعِبَـا
عَلَى الجُلُودِ مِنَ التَّدْلِيـسِ مَدْرَعَـةٌ .... وَفِي العُيُونِ بَرِيقٌ يَخْطَـفُ الذَّهَبَـا
مَا كَانَ أَيُّ ضَـلالٍ جَالِبـاً أَبَـدَاً ..... هَذَا الشَّقَاء الذِي بِاسْمِ الهُدَى جُلِبَـا
أَوْسَعْتَهُـمْ قَارِصَاتِ النَّقْـدِ لاذِعَـةً ..... وَقُلْتَ فِيهِمْ مَقَـالاً صَادِقَـاً عَجبَـا
صَاحَ الغُرَابُ وَصَاحَ الشَّيْخُ فَالْتَبَسَتْ..... مَسَالِـكُ الأَمْـرِ: أَيٌّ مُنْهُمَا نَعَبَـا"
امير الكلابي – اكاديمي عراقي