مبادئ علم الاعلام الاسلامي( ح13)/محسن وهيب عبد

Fri, 22 Feb 2013 الساعة : 19:58

التضليل الإعلامي:
التضليل الإعلامي؛ هو استخدام الأسلوب الحسن للأعلام بالجوهر الخبيث للفعل.
على سبيل المثال؛ يتصاعد السجال صخبا من خلال الجدل الدائر اليوم في موضوع الإرهاب والعنف، ومعاني اللاعنف، ويأخذ سادة المال و صنّاع الرأي العام بنواصي كل المحركات التي توجه المقود في عجل الإعلام الضخم والسريع، من اجل أن يلبسوا المصطلحات الإعلامية المعاني التي تخدم مصالحهم وتديم سيادتهم واستحكام سيطرتهم على العالم فان من وراء ذلك العجل الذي يدور دوماً ولا يتوقف، أيد صنّاع السياسة بخطوطها الحمراء والخضراء، والذين هم بدورهم موظفون لأسياد المال، والذين هم بدرهم عبيد للشيطان ..حيث لا رحمة لهم ولا عدل أو ضمير يردعهم ..حتى تمكنوا وعلى مرآى ومسمع من كل العالم لا يوجد تعريف للإرهاب وحتى المنظمات العالمية تعجز دون ان تضع تعريفا عالميا للإرهاب من خلال الأمم المتحدة ليبقى المعنى مرنا يوجهونه لمن يكرهون ولمن يقف ضد مصالحهم.
وليكون بعدها الرأي العام (المفبرك) ، هو الذي يشكل الضغط الذي تتوجه به الأمور كلها لضمان مصالح ذلك الشيطان.
هذا واقع الإعلام اليوم وهذا هو ما يجري في واقعنا اليوم، فلا معنى لما يفترض أن يتضمنه هذا الواقع من مطابقة مع الحق، والعدل ومعاني الرحمة ،مما دفع كثيرا ممن تصدوا لمواقع القيادة الدينية، وآخرين ممن يقودون تيارات قومية ووطنية من المنصفين في العالم للتصدي لهذا الواقع الدولي غير المنصف، وبإمكانات أقل بكثير من إمكانات صنّاع الرأي العام ، فأنى لأحد مهما كان منصفاً أن يجدي في جهد مفرد، إزاء ضغط الإعلام البرجماتي الكبير الذي يقتحم عليه حتى بيته ، وينتزع منه أولاده ،وربما كل عائلته.
إن الاهتمام ينصب اليوم على ترويج كذبة تقول إن الإسلام؛ فكر يغذي الصراع سيكولوجيا في نفوس معتقديه، وفكرة الإسلام أصلا تقوم على الصراع . وقد تزّعم هذه الأطروحة الكذبة (فوكوياما )الأمريكي من أصل ياباني؛ صاحب كتاب نهاية التاريخ ، و(وصموئيل هنتغتون) صاحب كتاب صراع الحضارات.
ولهذه الفكرة امتدادات في نفس البنية الاجتماعية الإسلامية تعضد فوكوياما نجدها بادية من خلال:
1- الدعوة إلى الليبرالية التي مصدرها الشعور بالدونية إزاء الليبرالية الغربية والدونيين من الكتاب العرب والمسلمين، تلك الدعوة التي هي أساس وبديل فوكوياما الذي يرى فيه الدونيون انه الأفضل منه لحكم العالم؛ فاليوم هناك تيار من المثقفين المسلمين يدعون الى الليبرالية الإسلامية، كما هو عبد الكريم سيروش الإيراني وحسن حنفي المصري وكثير من امثلهما.
2- لكي لا تبقى هذه الفرية على الإسلام( دموية الإسلام وتغذيته الصراع في نفوس معتقديه) مجرد زعم ، أوجدوا حركات إسلامية تخدم ادعاءاتهم جندت الجهال والمتطرفين، كما نجد في الحركات السلفية الوهابية وكما هم زعماء الإفتاء في السعودية , و دعموها على كل الأصعدة وأخرجوها الى الواقع بأبشع الصور، وروجوا لها بأنها تمثل الإسلام؛ وان قادتها هم من يمثل الإسلام ، وأنهم وريثي الخلافة الإسلامية.
وهكذا اخذ أولئك القادة المزعومون للإسلام بتكفير المسلمين، واعتبروا أنفسهم الوحيدين القابضين على الحقيقة في هذا الكون، وان كل مادونهم جهّال، فاتخذ أعداء الإسلام ا مما يقوم به أولئك الأدعياء من قطع الرؤوس وقتل الأبرياء من الاطفال الرضع والعجائز والشيخ والنساء والتمثيل بالجثث، واستخدام وسائل القصف والعصف والتفجير، والأفعال القاسية المنفرة..اتخذوا من هذه الأفعال أمثلة لإثبات دعاوى فوكوياما هنتغتون وأمثالهما في دموية عقيدة الإسلام وقسوة وهمجية المسلمين.
ومع هذا فعلينا أن نعلم أن كل شيء مبني على الكذب والباطل لا شك زائل...وقد عقد في الآونة الأخيرة في بداية أكتوبر من هذا العام2011م مؤتمرا في السعودية ضد التكفير بقيادة أمير التكفير ذاته في محاولة للتنصل مما يتضمنه جوهرهم العقائدي من مقت وكذب.
وهكذا فإن الرأي العام المبني على مخالفة الحقيقة، إنما مثله – كما قلنا- مثل بالون مطاط كبير لونوه بألوان العصر الزاهية ليكون جذاباً، ولكنه أمام الحقيقة وبمجرد بروزها يختفي هذا البالون الكبير، حتى لو كانت الحقيقة صغيرة جداً،لأنها في هذه الحالة تمثل رأس الدبوس، والذي عند تماسه مع البالون يفجره.
والواقع أن جميع الذين انبروا لبيان حقيقة براءة الإسلام من الإرهاب والعنف، لم يحسنوا تقديم الحقيقة العلمية المفجرة لبالون الكذب الذي يرتفع عاليا في السماء الدنيا مع أنهم يملكون تلك الحقيقة.
ذلك لأن تقديم تلك الحقيقة، بل وأية حقيقة إزاء عالم يظلله ويضله عجل إعلامي ضخم واقتحامي، إنما يحتاج إلى علم وفن وأسلوب في التعبير عنها وفي تقديمها ، وهذا العلم والفن والأسلوب هو الإعلام الإسلامي الذي يعلمه لنا كتاب الله العزيز :أن الأسلوب الأحسن، هو خيار المحسنين، وهو نصيب من أتاه الله حظاً عظيماً،يقول عز القائل:
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم،وما يلقاها إلا الذين صبروا،وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)1 .

ما يجب ان يعتقده الإعلامي المسلم:
الإرهاب هو ترويع الآمنين من بني البشر،فمن يروع أمنا فهو إرهابي. وليس مسلما من يروع الآمنين، فان العقيدة الإسلامية تقرر ماهية المسلم على يد بانيها صلى الله عليه وآله وسلم حين يقول:
(ان المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) 2.
ولذا فإن الإرهابيون أصلا؛ هم الذين يروعون الناس الآمنين من أمثال التكفيريين ومن زرع الفكر التكفيري ومن روج له من، صنّاع الرأي العام العالمي ومن يقف وراءهم ويدعمهم.
والإرهابيون هم، مبدعو وسائل الإرهاب ومصدرو أدواته وأسلحته، ومسببو نزعاته ، ويعتاشون عليه، وهم الغزاة وهم المستعمرون، وهم المحتلون، وهم تجار الحروب، وهم صنّاع أسلحة الدمار الشامل، وفي ورشهم الخلفية يدنس كل فعل حسن، وكثير من أفعالهم في جوهرها إرهاب، شعارهم شعار إبليس و مثلهم كمثل إبليس، يستعملون الأسلوب اللطيف في تمرير الفعل المرهب، كمن يدس السم في العسل، ولذا فهم يفتشون عن اللفظ اللطيف لمعاني عنفهم.. وفي هذا يقول شيللير:
(ان تضليل عقول البشر؛هو على حد قول باولو فرير((أداة قهر)).انه يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها الى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة.

والمقصود بكلمة تضليل(MANIPULATION)؛هو التأثير على شخص او جماعة بطريقة تنطوي على التمويه والتلاعب)) .
و يقول شيللير:
((على ان تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة تتبناها النخب الحاكمة من اجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية فالحكام لا يلجئون الى التضليل الإعلامي- كما يوضح فرير-إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور ولو بصورة فجة ؛ كإرادة اجتماعية ، في مسار العملية التاريخية" ، "إما قبل ذلك؛فلا وجود للتضليل بالمعنى الدقيق للكلمة ، بل نجد بالأحرى قمعا شاملا ، ذا لا ضرورة هناك لتضليل المضطهدين،عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع)) 3.
ان العامل الحاسم في بروز الإعلام المضلل بشكله الحالي على الأرض هو دخول الانسان ومميزات الانسانية بكل معانيها كسلعة في اقتصاد السوق.
وفي هذا يقول شيللر ايضا:
((ان وسائل التضليل عديدة ومتنوعة، إلا ان من الواضح ان السيطرة على أجهزة المعلومات والصور على كل المستويات تمثل وسيلة أساسية ، ويتم تامين ذلك من خلال أعمال قاعدة بسيطة من قواعد اقتصاد السوق.
فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها ، شأنه شأن أشكال الملكية الأخرى ، متاح لمن يملكون رأس المال". ولذا فان أسياد المال، في العالم هم ملوك التضليل.ان تأثيرهم يطال حتى اكبر المؤسسات السياسية في العالم، واكبر دليل على ذلك ؛هو أجهزة التنصت التي نصبت في مقرات الحزب الديمقراطي الأمريكي سنة 1972))5 . ومضي الكاتب مستطردا:
))ولقد بلغ من شدة تأثير اؤلئك الأسياد ؛ان منعوا الأمم المتحدة من تولي إنشاء نظام عالمي للاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية ، بل الأكثر من هذا قد يطال تأثيرهم تحديد الرئيس الأنسب للولايات المتحدة و ربما دولا أخرى)) .
((ويتنبأ البعض بثورة واسعة النطاق ضد هذا الوضع))6 .
ان الإسلام يربي معتقديه على ان يقولون كلمة الحق عند السلطان الجائر ويعتبرها أفضل الجهاد ، ولذا فان الثورة كما يتحدث شيللر نرى إنها ستكون عديمة الجدوى ما لم تنشا من رحم الإنسانية الذي لا يخضع لاقتصاد السوق!
في لمة هذا السجال؛ وبين ضوضاء هذا اللغط ، لابد من تبني الإعلام الإسلامي؛ وفق آلة علمية منطقية تنقذنا من هذا المأزق. ونستطيع من خلالها الإجابة على الأسئلة التالية.
1- ما هو الفعل – أي فعل يصدر عن الانسان - أصلا؟ وكيف يصدر؟
ومتى يكون الفعل الصادر حسنا لطيفا مقبولا؟ ومتى يسمى الفعل قبحا وسوءا؟
2- ما هو الأصل والأساس والقاعدة في تقسيم الفعل الى حسن لطيف او سيء قبيح ؟
3- كيف ضمنت الشريعة المقدسة للإنسان حسن الفعل؟
4- وما مقدار مطابقة معايير الشريعة للفعل(حسنه وقبحه) مع ما يجري على الواقع الإعلام حياة الناس؟
لابد للإعلام الإسلامي ان يجيب على هذه التساؤلات استجلاءنا للواقع واستنادا الى الصدق والعدل.

الهوامش:

1 ) فصلت: 35.
2 ) مسند احمد:ج2ص224ر7086.
و ثنا محمد بن عبيد ثنا زكريا عن عامر سمعت عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، و تعليق شعيب الأرنؤوط على الحديث: إسناده صحيح على شرط الشيخين .. وله شاهد رواه أيضاً الإمام أحمد من حديث أبي هريرة وفي : (ج2ص379ر8918): المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم... وتعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي .
وهو في (سنن النسائي:ج8ص104ر4995) وقال عنه العلامة الألباني: حسن صحيح.

3 ) شيللير،أ ، هربرت،"المتلاعبون بالعقول"، سلسلة عالم المعرفة،العدد )106) ،الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون ولآداب، تشرين الأول 1986، ص5 .

4 ) نفس المصدر ص/7
5 ) نفس المصدر السابق ص/10.
6 ) John Curley,”The Future of the America Capitalism”, Quarterly Review of Economics and Business
 

Share |