مبادئ علم الاعلام الاسلامي(13)/محسن وهيب عبد

Wed, 20 Feb 2013 الساعة : 23:06

الإعلام جوهر وإسلوب:
ن لكل ما يصدر عن الانسان علل وغايات، بافتراضه؛ الفعل الكوني الوحيد الذي لا تسبقه الطبيعة او الغريزة فقط، بل تسبقه وتوجهه الإرادة، وعليه فهو فعل له جوهر وإسلوب قد يتباينان بطبيعة تلك الإرادة، فالفعل ينطلق من تلك الإرادة ليكون حسنا أو ليميز الإنسان بالقبح..وان معرفة ماهيتيّ الجوهر والأسلوب في فعل الانسان، والعمل بمقتضاهما، هي من ميزات رقي الإنسان في مدارج الكمال.
ان الفعل، اي فعل إنما هو ظاهر قوة، والقوى المعرّفة في الكون هي كما يلي:
1- قوى مادية (أربعة أصناف)، وقوى مادية مرفوعة عنها القصورات مثل القوى الحياتية، والقوى العقلية التي يمكنها التحكم بالقوى المادية وتسخيرها، وجميع القوى أصلها جميعا لها صفة الرحمة واللطف الا اذا تسخرت بجزئيات عمل العقل الى غير ما كانت له، فهي بواطن لأفعال قبح وسوء.
وروحية محض؛ هي الوحي الذي يتلقاه الرسل عليهم السلام، وهم رحمة للعالمين.. قال الله تعالى مخاطبا الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وآله
(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)1
ان تعمق الناس في وعي وفهم الأسس الواقعية للفعل، وخيار الأحسن منها؛ سيبرز نسقا علميا، يقرن وجود الإنسان بفعله، وهو ما تلتقي عليه جميع التيارات الفكرية المهتمة بالإنسان من أقدم العصور؛ دينية سماوية كانت، أو وضعية اعتبارية.
الفعل المختار من قبل الانسان بما هو قوة، فانه دوما يقع في جوهر، ويقدم في أسلوب، ولذا فان تصنيفه في السوء والحسن(الحسنات والسيئات) يقع كما يشير الكتاب الحكيم القران الكريم؛ في اربع احتمالات، فإذا عجزنا عن الإبداع في خيارات الأسلوب الحسن لجوهر الفعل الحسن، فإن في نظام الملة في مدرسة اهل البيت عليهم السلام؛ توجيهات وسيّر الأنبياء عليهم السلام والأئمة المطهرين المعصومين من عترة رسولنا المصطفى محمد صلوات الله عليه وعليهم السلام، خزيناً رائعاً لقواعد السلوك والقول بل والصمت، وفي كل ما يصدر عن الانسان.
وقد رتب لذلك مراجعنا رسالات عملية جعلوها في متناول الناس، تتناول الانسان من قبل ان يولد فتضع له التشريعات وتوقف العمل بالتشريع حتى يولد الوليد ويعرف جنسه، ومن ثم إلى ما بعد ان يموت وكيف يتعامل معه بعد الموت...
توجيهات الإسلام في الجوهر والأسلوب:
عن الأسلوب الذي يمتلكه ذوو الحظوظ العظيمة مثلا، نذّكر بقصة شائعة عن الحسن والحسين عليهما السلام في الأسلوب الذي اتبعاه في تعليم الشيخ الوضوء: فقد رأيا شيخاً لا يحسن الوضوء، فطلبا منه أن يكون حكماً بينهما في أدائهما الوضوء، ليدرك الشيخ بالتالي أنه لا يحسن الوضوء، فيتعلم الوضوء، ولكن بأسلوب غاية في الحسن، مثلما ان جوهر تعليم الوضوء غاية في الحسن.
والله سبحانه وتعالى يعلمنا في كتابه العزيز: أن نجادل الخصوم، إذا احتجنا للجدال، ان نجادلهم بالتي هي أحسن، سواء كانوا من الأعداء، أو من أهل الكتاب، أو حتى من أهل الملة، وطلب منا في كتابه العزيز ابيضا الدفع بالتي هي أحسن السيئة، مع أن أصل الحوار في الله تعالى ولأجل دينه، إنما هو جوهر فعل حسن لا عنف فيه.
لأن الحوار بالأسلوب الأحسن؛ إذا لم يفض إلى نتيجة أحسن، فانه لا يتسبب في نتيجة سيئة، حيث يتمثل تكامل اللطف عندما يبرز بأسلوب التي هي أحسن. وهذا عكس الخبث، حيث أصل الفعل وجوهره قبيحان بينما الأسلوب الذي يبرز به حسن مختار بعناية من لدن الدهاة، فليلتفت ذو الألباب.
وهنا فالقران يعلمنا ليس فقط الأسلوب الأحسن في خيار التعامل مع الآخر، بل يعلمنا الحذر والتعريف بالنوايا المسبقة للأخر، وهذا من سمو الفعل في خيارات الأفعال التي نتعلمها من القران الكريم، وهو من أسس التحليل الإعلامي الصحيح للإحداث وما يصدر عنها من أنباء.
إذن فنحن نحتاج إلى قدرة في التشخيص لبيان التمايز بين جوهر الفعل وأسلوب طرحه، وهذا أيضا يحتاج إلى معرفة في ماهية جواهر الأفعال وأساليب إبرازها، أيهما قبيح وأيهم حسن، ومعاني اقترانهما في الأداء الظاهر للنشاطات والفعاليات الإنسانية المختلفة وعلى كل صعيد، وهذا ما لم تبلغ تعلمه السياسة والدبلوماسية المعاصرة، ولكن في الإسلام أسسه وقواعده وتوجيهاته.
نجد في القرآن العظيم، الفعل الإنساني في تقسيم استقرائي يقع في هيئات تناسق أصل الفعل باعتباره قوة منجزة لحركة ما، أو محققة لمضمون حسن معين، أو خارقة لسنة حسنة فهو سوء وقبح.. وهذه الهيئات هي:
1 - الفعل الإرادي الصادر عن الانسان: نتاج حكم عقلي.
2- الفعل الإرادي الصادر عن الإنسان : جوهر وأسلوب.
3 - الفعل الإرادي الصادر عن الإنسان : نفوذ لسنة حسنة أو خرق لها (حسنة أو سيئة).
4- الفعل الإرادي الصادر عن الإنسان : قوة استجابة لحاجة، أو قوة في طلب.
5- الفعل الإرادي الصادر عن الإنسان: ظاهر قوة رحمة، أو قوة قسوة (لطف أو قبح).
الذي يهمنا في الإعلام الآن هو الفعل جوهر وإسلوب:
وعلى أساس من جوهر الفعل وأسلوبه فإن الأفعال تصنف إلى أربعة أصناف قرآنية هي:
فالحسن إنما يتحقق من خلال التكامل في النظرية القرآنية، والفعل لا يكون حسنة مرضية عند الله تعالى إلا من خلال تكامله في ذاته وفي نفس مقدمه، فالله تعالى مطلع على السرائر التي لا يطلع عليها قانون في الكون، وليس عليها سلطة من أحد على الإطلاق
ولذا فإن الإيمان بالإسلام وبالقرآن بقراءة مطهرة معصومة وفق نظام الملة، ضمان أكيد لا بديل عنه في شيوع الحسن والإحسان في إعلام وسياسة بني البشر.
وعلى أساس من جوهر الفعل وأسلوبه فإن الأفعال تصنف إعلاميا إلى أربعة أصناف قرآنية هي:
أ‌- قبح او سوء: وتحصل عند تطابق جوهر وإسلوب الفعل في السوء، وهو الفعل الإنساني غير المعلول في جوهره لمعاني الرحمة والمضادة في أسلوب إنجازه لحكم السنن الحسنة في الكون
وتطابق الأسلوب والجوهر هذا يتجسد في الجرائم من أمثال أفعال المفسدين في الأرض، الطغاة والجبابرة والتكفيريين التي شهدها العالم وشهد عليها، فهي قبح وقسوة لا تعرف الرحمة في جوهرها ولا في أسلوبها.

ب – خبث ومكر: وهو الفعل الإنساني غير المعلول في جوهره لمعاني الرحمة، ولكنه يقدم أو ينجز بأسلوب منسجم مع نفاذ السنن الكونية الحسنة، من أمثال المكر والخداع والنصب والاحتيال.
قال تعالى: في وصف المكر بأنه عمل المجرمين:
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها)2 .
ولارتباط جوهر الفعل الحسن بالرحمة يقول الله تعالى:
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ قُلْ للهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)3 .
ويقول الإمام علي عليه السلام:
(حذر أن يراك الله عن معصيته، ويفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين)4 .
والمكر والخداع يقابله مكر أشد واستدراج من قبل الله تعالى، حتى من يظن أنه من جوهر الخير مقتدر، إذا عدم الأسلوب الحسن في إسداء الفعل وإنجازه.
يقول الإمام علي عليه السلام:
(لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله لقوله تعالى: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) 5.
ج- الضياع أو الضلال: وهو فعل جوهره حسن لأن علته معاني الرحمة، ولكنه ينجز بأسلوب خشن قبيح يتضاد مع هذه المعاني، فيفقد الجوهر حسنه على أعتاب الأسلوب القبيح الذي أنجز به، وقد مر معنا أمثال الصدقات كجوهر فعل حسن تقدم بالمن والأذى وأمثلتها في القرآن كثير.
وفي الإعلام يتجسد هذا الفعل في نشر تفاصيل الفعل الحسن بأسلوب سيء ومنفر، او نشر النصيحة او التقويم بالتشهير وبيان المعايب.
د- اللطف والحسن: وهي الأفعال التي يتفق بها جوهر الفعل (القوة المنجزة له من معاني الرحمة)، مع أسلوب إنجاز ذلك الفعل، الذي ينسجم مع نفاذ السنن الكونية في الطاعة، والرحمة، والعدل، والحق، والسعي للآخرة، والتطلع للأحسن وطلب الكمال والمربوبية للواحد الأحد جل وعلا والصبر على البلاء.
نعم قد تكون هناك مفاهيم لابد للإعلام الإسلامي ان يعترف بحقيقة التفوق الإعلامي الغربي، الذي يمنح للغربيين وسياساتهم التفوق في صناعة الرأي العام العالمي، ولذا لابد ان يكون للإعلامي الإسلامي الموقف المناسب من هذا العجل الضخم الذي يدور بلا توقف، وليعلم الإعلامي الإسلامي ان الشيء الوحيد الذي يستطيع به ان يقف بوجه هذا العجل هو الحق والحقيقة والموقف الى جانب الإنصاف والعدل.. لان كل المواقف المبنية على الزيف والكذب هي بمثابة بالونات ملونه زاهية الألوان، ومع هذا فهي مجرد خواء وباطل..والباطل من اسمه باطل(جاء من باب تسمية الشيء باسم لازمه)، والحقيقة هنا تمثل رأس الدبوس بالرغم من صغره وتصاغره امام حجم البالون فانه يفجره ويعيده خواء كما هي حقيقته بمجرد تلامسه معه. فلابد من اعتماد الحقيقة وبيان الأساليب الحسنة التي تغلف جواهر أفعالهم السيئة، والتعامل بالعدل والإنصاف مع القضايا لبيان زيف الإعلام الباطل، إعلام التضليل.

الهوامش:
1) الأنبياء- 107.
2 ) الانعام- 123.
3 ) الانعام- 12.
4 ) نهج البلاغة: الحكمة 377، 383 نقلاً عن ميزان الحكمة/الري شهري ج2 ص741.
5) نهج البلاغة: الخطبة رقم 129، نقلاً عن ميزان الحكمة/ الري شهري ج2 ص740
 

Share |