الحوزة أمانة يا أمانة الحوزة/الشيخ رياض السليم
Tue, 19 Feb 2013 الساعة : 0:55

هذه رسالة مفتوحة أكتبها إلى أصحاب الفضيلة العلماء ووكلاء الأحساء، وإلى الوكلاء من سادة آل سلمان المتوليين على إدارة الحوزة. أما بعد
أساتذتي الفضلاء و أصحاب السماحة العلماء ما سأكتبه لكم هو مأساة حقيقية مؤلمة يعيشها معظم طلاب العلم الأحسائيين، حيث أن الفقر و العوز شل تقدمهم العلمي ولا أرى أن هناك حاجة لذكر شواهد لأن واقع الحال يغني عن السؤال.
وما كان لي أن أكتب هذه الرسالة لولا أني رأيت مناظرا يندى لها الجبين، و طرقت سمعي أخبار تقطع نياط القلب.
ولقد كنت آثر السكوت حفاظا على وحدة الصف وانتظارا للفرج ولكن عندما طلب مني مجموعة من طلبة العلم أن أنقل معاناتهم للوكلاء و للمجتمع وقالوا لي أن قلمك هو الوحيد القادر على هذه المهمة ترددت في بادئ الأمر فاستخرت الله فجاءت ممتازة جدا وفيها فرج للمؤمنين فعزمت أمري وتوكلت على الله.
وإني لعلى دراية تامة أن لكلامي هذا ضريبة يجب أن تدفع ، ولكني مستعد لدفع الضريبة في سبيل الله وفي سبيل قضاء حاجة أخواني من طلبة العلوم الدينية لأنه ما يقارب ثلثي طلبة العلوم يعيشون تحت خط الفقر حياة المعدمين و المجتمع ينتظر العطاء و العمل وأنى لهم العطاء وأكثرهم لا يجد قوت سنته فضلا عن قوت يومه.
ورسالتي هذه تتضمن أربعة نقاط هي سؤاا و استفسار و رجاء واقتراح.
وأنا لا أطلب من أحد أن يقدم لي جوابا معلبا جاهزا يبرر لي فيه الواقع الفاسد بل كل ما أطلبه هو حل حقيقي و سريع لهذه المشكلة و المأساة.
السؤال
لماذا طلاب العلم الأحسائيين في الأحساء وخارجها يعيشون تحت خط الفقر، حياة بؤس وذل ، يعيشون الحرمان و القهر؟
في الوقت نفسه نرى بعض الوكلاء يعيشون حياة القصور الباذخة و المرفهة ويركبون أفخم المراكب و يلبسون أفخم الملابس.
في الوقت الذي يعجز فيه طالب العلم عن دفع آجاره الشهري ويحتار كيف يشتري الحليب لطفله بعد أن قضى شهرا في الظلام بعد أن أعجزته فاتورة الكهرباء بينما نرى بعض الوكلاء في ليلة سمر واحدة يصرف عشرات الآلاف على بطنه و بطون من حوله.
لماذا هذا التفاوت و التمييز الطبقي في وسط الحوزة العلمية ؟ لماذا الاحترام للمال و النسب و ليس للعلم و الكفائة العلمية؟
لماذا يتم استرخاص جراح الآخرين باسم العلم و الدين ؟ لماذا يحرم كثير من طلاب العلم من حقوقهم لاسباب تافهة لا مبرر لها؟
لماذا تحولت الأموال الشرعية في أحسائنا الحبيبة كعين عذاري تروي البعيد وتترك القريب عطشانا؟
هل تحول طلاب العلم إلى طبقة منسية ؟ إلى طبقة معدومة ؟
كيف سنبني للمذهب أمجادا وطلاب العلوم الدينية مقصون عن الساحة مضطهدون مجوعون مقهورون؟
أساتذتي الفضلاء من حقي أن أسأل ومن حق كل طالب علم لا يجد قوت يومه أن يسأل ومن حق كل المجتمع الذي يحتضننا أن يسأل.
ولكم الحق في الجواب أو السكوت ، ولكن هذه المشكلة يجب أن تحل في أسرع فرصة.
الاستفسار
لا زلنا نسمع من بعض المقربين ولاندري عن صحة هذا القول الذي نسمعه وهو أن قيمة الواردات المالية السنوية لأحد الوكلاء تصل إلى ما يقارب المليار ريال سعودي من الأوقاف و الأخماس و الصدقات و التبرعات و النذورات.
وهذا المبلغ إن صح النقل كفيل بأن يغني كل طلاب العلم لا أن يخرجهم فقط من تحت خط الفقر إلى خط الفقر وكذلك كفيل في أن يغني كل الفقراء و المحتاجين في هذا البلد.
ولو سلمنا جدلا أن نصف هذا المبلغ أي خمسمائة مليون ريال سعودي هو قيمة واردات كل الوكلاء مجتمعين فيبقى هذا المبلغ مبلغ قوي و ضخم قادر على أن يصنع المعجزات و العجائب.
ولكن العجائب أن ترى طلاب علم يعيشون تحت خط الفقر في كنف مؤسسة تمتلك كل هذه الثروات من الحقوق الشرعية .
وما يثير التعجب حقا كيف استطاع الفقر أن يفتك بطلاب العلم واحدا تلو الآخر في ظل هذه الأموال الطائلة؟
كيف استطاع الفقر أن يحرم مجتمعنا من الكفاءات و الطاقات من طلبة العلوم الدينية ؟ وكيف استطاع أن يغيب النوابغ و أن يغتال العقول المفكرة و المبدعة؟
وكيف حدث هذا ومجتمعنا لا يعاني من نقص في الأموال و الثمرات؟
هل هناك ثمة سر لا نفهمه ؟ هل هناك ثمة شيء يحتاج إلى توضيح و تفسير ؟ أم أن كل الأمور واضحة لكل ذي عينين؟
هل هناك مؤامرة يقودها الوكلاء ضد الطلبة المجدين خوفا على مناصبهم الوجاهتية ؟ هل هناك مؤامرة على العقل ليبقى تحت الوصاية و الطاعة؟ هل هناك مؤامرة على العلم والوعي كي يبقى الجهل هو سيد الموقف وهو الحامي للمصالح الخاصة كي لا تنكشف الأكذوبة؟
هل هناك جهل في فن إدارة الأموال ؟ هل هناك سوء في التخطيط والتوزيع؟ هل هناك ثمة خطأ ما لا نعرفه؟
لماذا إذا تعلق الأمر بطلاب العلم الأحسائيين قيل لهم أن هناك شح في الموارد وإذا تعلق الأمر بالإيرانيين و اللبنانيين و العراقيين ينزل من السماء الكرم الحاتمي و تقذف الأرض بخيراتها ويبنى للغير مشاريع تعجز عن بنائها الدول؟
وهل كل ما يجري أمر طبيعي أم أمر غريب و يحتاج إلى تفسير؟
أساتذتي الفضلاء من حقي أن استفسر و من حق المجتمع وكل طلاب العلم أن يستفسروا
ومن حقكم أن تفسروا ومن حقكم أن لا تفسروا .
ولكن يجب أن يوضع حد لهذه المأساة وحل لهذه المشكلة.
الرجاء
الحوزة أمانة فحافظوا عليها و أكرموا طلابها فهم ذخيرة المذهب في مستقبل الأيام .
و الأموال و الحقوق الشرعية أمانة في أيديكم، فأدوا الأمانات إلى أهلها وبادروا بتسليمها إلى مستحقيها، و لا تنتظروا أن يقف طلاب العلم على بابكم بطريقة مذلة و مهينة، ولا تتبعوا آداء الأمانة منا و أذى، فكيف و المال مال الله، وما أنتم عليه إلا أمناء.
والعلم أمانة كبرى، فحافظوا عليه و على بقائه بالبذل و العطاء و العمل، و لاتذبحوه وتتاجروا باسمه.
وطلاب العلم أمانة في أعناقكم فالله الله فيهم لا تبخسوهم حقوقهم ولا تتركوهم يظلمون ،وأنتم بمسمع ومرأى.
اقتراح
توجد لدينا في مجتمعنا أزمة حقيقية فيما يتعلق بإدارة الأموال و الحقوق الشرعية، و توجد حالة تبرم وعدم رضا من كافة اطياف المجتمع، ومن بينهم طلبة العلوم الدينية، و هذا واقع لا يمكن لأحد إنكاره، ولحل هذه المشكلة أطرح هذا الاقتراح بين يديكم.
وخلاصة الاقتراح هو كما قال أمير المؤمنين عليكم بنظم أموركم و ما نحتاج إليه نحن في هذا الظرف أمرين أساسيين للخروج من المشكلة هما الشفافية والشورى بين العلماء.
فبالشفافية يتم قطع الشك باليقين والحفاظ على ثقة الناس بالعلماء، وقطع الطريق على الأوهام و الشكوك، و على المشككين و المغرضين.
و بالشورى نضمن عدم استبداد البعض في قرارات،ه و بذلك تتوحد الجهود، و يتطور الانتاج، ويشعر الكل بالرضا، ويلمس الكل آثار الخدمات التي تقدم.
ولتحقيق الشفافية و الشورى أقترح تشكيل لجنة علمية مكونة من علماء دين وعلماء متخصصين في الاقتصاد و الخدمة الاجتماعية والتنمية و الخ.
ويكون من مهمام هذه اللجنة تقديم الاستشارة اللازمة للوكلاء في الصرف ومتابعة الواردات و المصروفات لكل وكيل.
والمسوغ العقلائي لهذه اللجنة هو حفظ ثقة المجتمع بعلماء الدين، و الاستفادة المثلى من الأموال في مواردها الحقيقية المبنية على دراسة جماعية احترافية لا على تشخيص فرد قد يصيب ويخطئ وتغيب عنه أمور كثيرة.
وأما المسوغ الشرعي لها فهو أن جمع واستلام الحقوق الشرعية، و صرفها على مستحقيها من الأمور الحسبية، و الأمور الحسبية هي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركه،ا و خطابها موجه إلى عموم المؤمنين لا إلى شخص معين وهذا الكلام وفق نظرية الحسبة .
والمرجع عندما يقوم بهذه الأمور الحسبية يقوم بصفته أحد المؤمنين العارفين بأحكام الشريعة بل يقال هو أوضح مصداق للمؤمنين فيقوم بهذا الأمر من باب ثقة المؤمنين به ونيابة عنهم.
وإذا قرر مجموعة من المؤمنين العدول و من أصحاب الحل و العقد القيام بأنفسهم بهذا الأمر احتسابا وطلب للأجر فلا مانع من ذلك بل قد يكون هو الأفضل لقربهم من مجتمعهم.
وإذا نظم المؤمنون أمورهم بشكل جيد وانتخبوا من بينهم من يباشر العمل انتقلت ولاية الأموال إلى هذه اللجنة، وما عادت لهم حاجة إلى وكالة من مرجع، ولكن مع ذلك يجب عليهم أن يحفظوا للمرجعية مكانته،ا فيأخذوا منها مباركة أو تأييد أو إذن للمباشرة للعمل.
وكذلك الحال بالنسبة إلى نظرية ولاية الفقيه إذا رأى المرجع من يعمل بشكل منظم ودقيق لن يتوانى في إعطائهم إذن للعمل.
بهذا فقط نستطيع حل هذه المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم ولو وجدت إرادة جدية لحل المشكلة لأمكن تأسيس هذه اللجنة وتأصيلها قانونيا و شرعيا ، ولا توجد عقبة حقيقية أمام هذا الإقتراح إلا تعدد الأنا المنتفخة و لكني متفائل أنه لا يوجد بين علمائنا الأحسائيين من يحمل أنا منتفخة.
وختاما
تحية شكر ووفاء لكل طلاب العلم الذين صبروا على الظلم و الفقر احتسابا للأجر و كتموا أمرهم خوفا على سمعة المذهب.
وكذلك تحية إكبار و إجلال إلى كل العلماء المظلومين الذين تحملوا كل الافتراءات و الكذب و أحرجوا خصومهم بمكارم الأخلاق و بسمو المبادئ.
بقلم
الكاتب و الباحث سماحة الشيخ رياض السليم.