نرجسية الاسلام السياسي ومعطيات التغيير العربي ...!/ناصرعمران الموسوي

Thu, 14 Feb 2013 الساعة : 1:28

الاديان رؤية المنتج الالهي المقدس وهي بهذا المعنى تخرج عن رَ بقة الخصوصية لتكون ضمن الشمولية الخاصة بالإنسان وفق جدلية الحياة والموت ومضمار التنظيم الألاهي للكون ،لكن الاديان بتطبيقاتها المكانية ورؤيتها الزمانية تُحرك البيئة التطبيقية المتمثله بالإنسان لينتج بالتماهي افكاره امام النص والتطبيق الديني سواء بالتفسير او التأويل او الاجتهاد ،ومن هنا تظهر منهجية الانسان المرتبطة بثنائيته ككائن ومنظومة بشرية لها تجذ رها الفكري والبيئي الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي مع التطلعات والأهداف المرتسمة بحدود الهدف والغاية وكبيئة محكومة بحدود علائقها الاجتماعية والثقافية ، وتتخذ الرؤية الدينية للمنتج الحياتي في قراءاتها البشرية لنصها الألاهي ،واختلاط المقدس والمطلق بالنسبي والمدنس وبروز عقيدة الاصطفاء وعبادة الاصول ،وإستراتيجية الهيمنة الفكرية الدينية عبر طرق متعددة بحيث يرى الديني نفسه محتكرا ً للصواب والآخر في خانات الخطأ والتكفير ،متناسيا قول الامام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) ان النظرة الى الحوادث والنوازل ٌوخاصة الاسلامية العربية قلعة عصية على التمدد الليبرالي العلماني، وهو السؤال الذي طرحه الباحث الامريكي (فوكوياما ) صاحب كتاب (نهاية التأريخ ) في احدى مقالاته في (الجارديان البريطانية ) بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ويسترسل بتساؤله عن سر الدفق الارهابي المنبعث من المجتمعات الاسلامية .؟ وللإجابة عن ذلك نرى بان ثمة عوامل متعددة ساهمت بظهور النرجسية الدينية التي تضخمت بفعل التغييرات الكبيرة لتكون بمسمياتها السياسية .
النرجسية الدينية ثمرة الصرامة البيئية الاجتماعية والتشبث بثقل الموروث الديني والتمركز حول الذات عبر بناء الهالات الضخمة التي يُبهرها ضيائها الضاج عن رؤية الآخر ويقعدها عن استيعاب المتغيرات الهائلة للحداثة بحيث يكون المسلم الممتلئ بروح الامة السامية سيدا ً للعالم ،والذي يغدو بالنسبة اليه مجموعات من الكفرة لا يمكن التأثر بهم في صنائعهم وأنماط حياتهم ،لذلك فان الديمقراطية تظل نبتة غريبة وذابلة في ارض المسلمين ،كما يرى المستشرق الامريكي البريطاني (برنار لويس ) ويرجع سبب ذلك الى ثقافاتهم السياسية التي تحل فيها قيم الطاعة والخضوع محل الحرية ،والمؤمن بدل المواطن والأمة بدلا عن الذاتية الفردية ،وقد استغل الاسلام السياسي هذه النزعة بدراية او بعدم دراية ،وظل لسنوات طويلة من معارضته للأنظمة العلمانية ينتظر الفرصة السانحة بعد ان حاول ان يحيط نفسه بخط تنظيمي اقرب للطبقة اجتماعيا كما هو الحال الاخوان المسلمين في مصر او يدخل ضمن الاطار الدعوتي المحض يتشكل في الخط المعارض اجتماعيا ويكون خطوط جذب وبشكل مهادن للسلطة الحاكمة كما هو حال معظم الحركات الاصولية السياسية او يتخذ الخط المعارض الخارجي بعد تهيئة قواعد الانطلاق في مناخات ( جيو سياسية ) تعتمد الخلافات السياسية للحكومة مع جيرانها او الدول الاخرى كما هو حال اغلب الحركات الاسلامية ، وبعد التغيير الذي انطلقت شرارته الاولى في تونس ،شكلت الجماعات الاسلامية السياسية المعارضة وبخاصة حركة النهضة امتدادها التنظيمي لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية والتي حصدت من خلاله الاغلبية البرلمانية وبالتالي تشكيل الحكومة ،وكذلك سار المشهد المصري فبعد اكتساح الاخوان وحزب النور السلفي للأغلبية في مجلس الشعب _الذي تم الغاؤه فيما بعد _،وجد (الاخوان المسلمين) انفسهم امام منصب الرئاسة وتحقق لهم ذلك وتشكلت الحكومة التي يريدون ،وبالمقابل هناك بلدان شهدت تغييرا مهم في نتائجها الانتخابية على الرغم من وجود الانظمة الحاكمة فقد حققت الحركات الاسلامية التي تنادي في الاصلاح الاغلبية في المغرب واكتسح (الاخوان المسلمين ) والقبائل والسلفيين مجلس الامة الكويتي الذي الغي بعد ذلك ،ولم تكن الاحداث ومشاهد التغيير في العراق والأردن ولبنان بعيدة عن التأثير والهيمنة للأحزاب والحركات الاسلامية ، اما المشهد السوري فقد وجدت الاحزاب والحركات الاسلامية الاصولية نفسها بمواجهة اعادة تشكيل جبهة جهادية تحاول استنساخ الحركات الجهادية في التجربة الافغانية السابقة على حساب الدولة العلمانية،ان الحركات الاسلامية السياسية وبعد تسنمها للسلطة واجهة اولى التحديات ألا وهي سلوك وثقافة السلطة والتي لما تزل القوى والحركات الاسلامية السياسية تتحرك وفق السلوك المعارض القائم على فرضيات الاستئثار وعلى الآخر الخضوع ،وبالرغم من انها حصدت ثمار التجربة الانتخابية من خلال انغماسها في اللعبة الديمقراطية إلا انها تخلت عن سلوكها الديمقراطي انتخابيا لتحاول ان تمسك بمعطى النتاج الديمقراطي بلباس قائم على ثنائية (النرجسية الذاتية والإرث المعارض )،لذلك وجدت نفسها في خضم الازمات ومنحت خصومها المتفرقة فرصة الاتحاد والمعارضة القوية ازاءها وهو ما يحدث في مصر وتونس الان ، لذلك سارعت في التشبث بمعطى ديمقراطي آخر وهو الدستور الذي شكلته على وفق اهواءها والتي تحاول من خلاله تحصين ممارستها لسلوكها باتجاه اجندات معدة سلفا ضمن برنامج، ربما يعود لفترات زمنية طويلة معتمدة على عنصر الزمن كرهان لعبور الازمات والمعارضات إلا انها وعلى ما يبدو تراهن على الحصان الخاسر فنرجسيتها الذاتية والمسك بالمحطات الديمقراطية المنتجه لبناء الشرعية الدستورية والقانونية التي ستشكل رصيدا كبيرا لرصيدها العقائدي الديني سيصطدم بالفخ المخطط اليه استراتيجيا من قبل الدول الراعية للتغيير،فالشعوب التي تعيش نكهة الانتصار على الحكومات قادرة على تطويع المرحلة الثورية التي استغلتها الحركات الدينية وجنت ثمارها ،من خلال الدفع بثقافة التوافق والتعايش التي تروض التغول السلطوي الانتخابي وتجعله امام تحدي الحوار ومنطق الاخذ والعطاء والانسجام وبخلافه فثمة رموز استمرارية اشبه بنسغ التشكيل الثوري الا وهي (ميادين وساحات الثورة والوقفات الجماهيرية) التي حققت تنظيما معارضا من نوع خاص يمتلك من القوة الشيء الكثير والذي يجبر الحكومة والسلطة على نوع وحجم وكيفية التعامل والحوار الذي يريد .
لقد تمنى الكثير من المفكرين وبعد فشل الحكومات المحسوبة على التوجه المدني العلماني ان تحكم الحركات الاسلامية التي اثبتت الديمقراطية انها تملك الأغلبية لترى حلولها العجائبية التي عجزت اطراف اخرى عن ايجاده كما يرى المفكر جورج طرابيشي..! وقد تحقق ذلك فهل سنرى حلولا عجائبية تخرج من منظومة (الكاريزما الدينية) ......!

Share |