في يوم مشؤم من شهر شباط غيب الموت ابن الوطن البار الزعيم عبدالكريم قاسم .هذا الحادث كان بداية نهاية الحكم الوطني الذي خط اساسه هذا الشخص عبر جملة من انجازات مازال يذكرها محبوه ويحسدها عليها خصومه . برغم الفترة القياسية في عمر الدولة الفتية التي ورثت حزمة من المشكلات ولكن استطاع الرجل ان يقدم الكثير للطبقات المحرمة خصوصا العمال والفلاحين . حبه لابناء وطنه وبساطته ولد ضغينة في نفوس الاصدقاء والاعداء معا وحاولوا عبر محاولات انقلابية كتم انفاس هذا التحرك الشعبي حتى تضافرت الاحقاد الداخلية والخارجية في انقلاب شباط من عام 1963 . قد يتصور ان الذين قتلوا عبدالكريم قاسم كانوا عراقيين فقط ،ربما كانوا ادوات لتنفيذ الجريمة ولكن الحقيقة التي يجب الوقف عليها بعناية المتبصر بالامور هي ان الوضع العربي انذاك والذي كان يقوده جمال عبد الناصر وقف بمرصاد ضد النهج الوطني الذي اعتمده قاسم حيث لم يكن يريد ان يكون جزءا من المد العروبي الذي كان يروج اليه البعض .فقد كانت العلاقات العراقية المصرية ليست على وفاق تام بل وصلت في مرحلة معينة الى حد التنافر وحكاية المؤامرات رغم تشابة التجربتين من حيث ان كلا الحكام كانوا من العسكر المتخلصين من الملكية وتبعيتها الى الخارج . اختلاف النهج بين قاسم وناصر ولد نوعا من الصراع ،الاول يؤمن بهويته الوطنية التي تمثلها الطبقات الكادحة ورفع الحيف عنها والاسراع في عملية التنمية على جميع الصعد ، اما الثاني فهو مصاب بهوس القومية وهمه الوحيد اعادة توحيد العالم العربي في ضوء مفاهيم يؤمن بها ،ولعل عقدة القيادة هي التي تحرك هذا الطموح العروبي . البداية حاول عبد الناصر استمالة الزعيم عبدالكريم لاجل الارتماء في احضانه ،ولكن الهوية العراقية كانت من تحرك قاسم ما جعل الخصومة يشجيعون بعض البضابط العراقيين من اجل الانقلاب على قاسم . وقد وجد ناصر في عبدالسلام عارف الصديق القديم والعدو الجديد ضالته من خلال اذكاء النفس القومي في عارف الطامح للحكم وللتخلص من صديقه ورفيق دربه قاسم. ولم تكن مؤامرة الشباط هي الاولى بل سبقتها محاولات نفذت بتخطيط واسلحة مصرية كان الزعيم قاسم يجابها بالامبالاة وعدم الاكتراث لها لان جماهير العراقية كانت هي المساندة وداعمة له . ربما كان عبد الكريم قاسم حسن النية في الكثير من الاشخاص حتى مع المتآمرين الذين قابلوا هذه الفضيلة بمكر ودهاء فكانت عبارة عن دقائق لمحكمة صورية كل ما اعطوه له ورصاصات وقبر غير معروف .