الدرجات الوظيفة بين أهواء الوزارات وبيانات دائرة العمل/طاهر مسلم البكاء
Wed, 13 Feb 2013 الساعة : 23:35

يطمح اغلب العراقيين اليوم في الحصول على وظيفة في الدولة ولا نبالغ إذا قلنا : أن حتى أصحاب المهن ذات الإيرادات الجيدة لا يختلفون عن الآخرين في الطموح للتوظيف , وهذا ناتج عن عجز وقصور القطاع الخاص لدينا , وعدم ثبات نشاطه على مدار العام , حيث يتذبذب بين الارتفاع إلى مستويات قياسية في مواسم والانخفاض إلى مستويات متدنية في مواسم أخرى , كما إن العراقي لا يزال يعتقد إن الراتب ضمانة لأيام العجز والشيخوخة.
إن ما يتعرض له القطاع الخاص تشترك في الذنب فيه الدولة أيضا ،التي عملت على تحجيمه والأجهاز عليه و تركته مرتبطا" بالعشوائية والفردية , وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي من الممكن إن تستوعب اكبر قدر من الأيدي العاملة , كما إن الظرف الأمني عامل أخر له التأثير الكبير في هذا الاتجاه .
وفي حقيقة الأمر , ومن خلال الاطلاع على تجارب الشعوب التي سبقتنا في مديات التطور , فأن عمل القطاع الخاص يعتبر رزق ممدود وإيراداته تفوق الراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظف والذي يعتبر رزق محدود, ويتطلب لاستيعاب هذا الموضوع ثقافة عامة وتطبيق في واقع الحال ودعم لمشاريع القطاع الخاص لكي تولد أمثله تكون قياس ومثل يتحدى .
إن وزاراتنا اليوم تعمل على تقييد دوائرنا في العاصمة والمحافظات بمجموعة من الضوابط المركزية تشمل كبير الأمور وصغيرها , وبالأخص الموضوع الذي نحن اليوم بصدد تناوله وهو إملاء الدرجات الوظيفية التي تعلن عنها الوزارات , حيث تعلن كل وزارة شروطا وضوابط للمتقدمين غير موحدة على عموم الدولة , وتخضع لأهواء مسؤولي تلك الوزارات , والغريب في الموضوع انه في الوقت الذي يصدر فيه عن الجهات العليا في الدولة ( كأمانه سر مجلس الوزراء ) العديد من التعليمات التي تلزم الوزارات بالرجوع إلى قاعدة بيانات دوائر العمل , وهي دوائر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المحافظات ,والتي كانت تسمى سابقا بــ(( مكتب التشغيل )) , فإننا نجد انعدام الالتزام بهذه التعليمات من قبل دوائر الدولة كافة بحجة إن هذه الدوائر تؤخذ أوامرها من وزاراتها ,وبالفعل فأن هذه الوزارات تترك الطريقة الحضارية والمتبعة في جميع دول العالم والتي هي اعتماد المسجلين من العاطلين في بيانات دوائر العمل ، والتي هي بيانات رسمية للدولة العراقية ولا يمكن اعتبارها تخص وزارة العمل بأي حال من الأحوال , وتلجأ هذه الوزارات إلى إعلانات عشوائية تسمح بإرباك وتدخلات كثيرة ,غير صحيحة وغير ممنهجة.
أما على مستوى الجهات العليا في الدولة , والتي ذكرنا إن العديد من التشريعات قد صدرت عنها , فليس هناك أي متابعة لهذه التجاوزات من الوزارات وتخليها كلية عن اعتماد البيانات الرسمية للدولة (بيانات دوائر العمل ).
وقد رأينا العجب في هذا المجال وكأن الكتب الرسمية التي تصدر من الدولة هي حبر على ورق في عرف هذه الوزارات , فليس هناك أي متابعة لتطبيق قرارات الدولة ومعاقبة غير الملتزمين .
والأعجب من هذا ما شاهدناه عند مراجعة بعض المواطنين إلى جهات تتابع شؤونهم في مجلس الوزراء أو مجلس النواب حيث يقد مون تظلم وطلب مساعدة للحصول على وظيفة , فتعمد هذه الجهات على مخاطبة دوائر العمل في المحافظات لمساعدة أولئك المراجعين من المواطنين .
فماذا يعني هذا ؟؟
إن هذا يعني :
_ إما إن الدولة لا تدري ما يحدث في واقع الحال ، من رفض الوزارات لأوامرها , وتلك مصيبة .
_ أو إن الدولة تدري ولكنها لا تريد أن تعترف بأنها تدري , وتلك المصيبة أعظم !
أين يكمن الحل ؟؟
الحل هو اعتماد الطريق الصحيح وهو اللجوء إلى قاعدة بيانات دوائر العمل (التي عملت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وخصوصا في السنوات الأخيرة على ضبطها وتحديثها ) حيث يجب إن تقوم الدولة برفدها بالقرارات المعززة الحديثة وإلزام الوزارات باعتمادها بصورة لا تقبل الجدل كونها بيانات الدولة الرسمية ، وان دوائر العمل هي صاحبة الاختصاص في هذا المجال , وأنها حالة متقدمة لمراكز التشغيل القديمة والتي تمتلك خزين من الخبرة في التعامل مع العاطلين وطرق تشغيلهم , على اختلاف مستوياتهم الثقافية والعمرية .
إن الدولة عندما تقوم بدعم دوائر العمل ورفدها فإنما تعالج مشاكل وهموم شريحة واسعة ومهمة جدا من أبناء الشعب العراقي , حيث تشير الإحصائيات اليوم إلى إن معدل البطالة يتصاعد بشكل سريع , حيث يضاف كل عام إعداد كبيرة من الخريجين إلى صفوف العاطلين عن العمل , وهذا له تأثير سلبي حتى على الواقع الدراسي في البلد , عندما يرى الطالب إن من خاضوا كفاح الدرس وتخرجوا في مختلف الاختصاصات قد شغلوا مقاعدهم في صفوف العاطلين عن العمل بدون أي اهتمام .
ما وقع تطبيق النظام على المواطن؟
على الرغم من كل المحن التي مر بها شعب العراق إلا انه شعب يعشق النظام ويحن إلى برامج مرتبة ومتقدمة , يسمع بها أو يراها تطبق في بلدان أخرى , وقد حدثت تجربة مرتبكة في عام 2011 , حيث أعطيت نسبة 30% من الدرجات الوظيفية المخصصة لدوائر الصحة في العراق لإملائها من قبل دوائر العمل ( وكما يبدو فإنها لم تكن تجربة من قبل الدولة للاستشفاف أو الدراسة , بقدر ما كانت مجهود شخصي من قبل وزارة العمل ) .
وفي البدء نجحت التجربة نجاحا رائعا , حيث يبلغ المواطن وهو في بيته بواسطة الهاتف الخلوي , بان عليه إن يقدم أوراق تعينه إلى دوائر الصحة عن طريق دوائر العمل , وقد كانت مشاعر الفرح والزهو بادية على محيى من راجعوا من المواطنين وهم لا يصدقون إن هناك جهة من الدولة تعنى بهم وتعمل على إيجاد فرص عمل لهم , وقد كانوا يتحدثون صراحة إنهم شعروا فجأة أنهم شريحة غير منسية وأحسوا بالمواطنة والعودة إلى صفوف المجتمع وان بعضهم لم يصدق إن هذا الأمر يحدث في العراق , حيث يتحدث المسؤولون معه عبر الهاتف للتقدم إلى وظيفة بينما يكون هو مسجل في بيانات العاطلين منذ خمسة سنوات أو أكثر دون أن يتذكره احد .
غير إن هذه التجربة أجهضت من قبل دائرة المفتش العام في وزارة الصحة الذي اعترض عليها في وقت كان المفروض انه أول من يساندها !
وهذا دليل الإرباك وعدم الاستقرار في قرار الدولة اليوم .