هكذا عشت يوم 8 شباط الأسود والأشهر الدموية بعده قبل خمسين سنة في مدينة الشطرة الحبيبة!/الدكتور خلف كامل الشطري
Fri, 8 Feb 2013 الساعة : 0:37

كان اليوم الثامن من شهر شباط عام1963 يوم الجمعة وكنت حينذاك في الصف الثالث المتوسط في متوسطة الشطرة.أردت أن أترك البيت في حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا والتوجه إلى الحقول المجاورة هناك لمطالعة بعض المواضيع المدرسية في كتبي التي كانت معي، كما كانت هي العادة آنذاك.فجأة ردد المذياع(الراديو)أناشيد "ثورية"؟؟؟وعبارات إعتقدنا يومها إنها إنتهت بعد قيام ثورة 14 تموز المباركة.من جملة هذه العبارات التي لاتزال عالقة في ذاكرتي:أيها المواطنون!"هذه ثورتكم الشعبية فساندوها"؟؟و:"مازالت قواتنا المسلحة تتقدم للسيطرة على وزارة الدفاع"؟.تركت ماكنت أنوي فعله وخرجت إلى الشارع الواقع على الضفة الشرقية من نهر الشطرة والذي سمي فيما بعد بشارع النهر.رأيت الناس في حالة نفسية يرثى لها وكانت المظاهرات المؤيدة للزعيم الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم تجوب في شوارع الشطرة الرئيسية وهي حاملة صوره.قسم من المتظاهرين كان يهتف:(زعيمنا سلامات موتوا يبعثية!).لم نكن نصدق عيوننا عندما شاهدنا مدير متوسطة وثانوية الشطرة(كانتا حينذاك في بناية واحدة!)والذي كان معروفا بتوجهه القومي(الناصري!)ومعه من أتى بحزب البعث الفاشي إلى الشطرة(عددهم كلهم كان سبعة أشخاص حسب ماأتذكر!)قد توجهوا إلى دائرة البريد في الشطرة لأرسال برقيات التأييد لقتلة ومجرمي البعث الفاشي في بغداد.هاجمتهم الجماهير الثائرة ولكنهم هربوا في أزقة المدينة ولم يتمكن أحد من العثور عليهم.كان في مقدمة إحدى المظاهرات الكبيرة شاب وسيم من أهالي مدينة البصرة قد جاء مع جدته لزيارة أقارب لهم في الشطرة(حسب ماعلمنا مؤخرا!).توجهت هذه المظاهرة بإتجاه قائممقامية مدينة الشطرة ومديرية شرطتها.سمعنا إطلاق نار لعدة ثواني،بعدها تبين أن الشاب البصري قد أصيب بطلق ناري في كبده.نقله المتظاهرون إلى مستشفى الشطرة الذي كان قريبا من محل الحادث،ولكنه فارق الحياة(رحمه الله!) قبل الحصول على الأسعافات الطبية.إستمرت هذه الحالة في الشطرة حتى بعد إستشهاد الزعيم الخالد ورفاقه الأبرار وحتى بعد أن عرض تلفزيون البعث الفاشي جثة الزعيم وكيف أن أحد المجرمين القتلة من الجنود(البربريين!)يرفع رأسه الطاهر ويبصق على وجه من أشرف منه ومن مؤسس عصابة البعث ومرتزقته ألف ألف مرة!.بعدها وطوال الأشهر التي تلت هذه المأساة الرهيبة عاشت مدينة الشطرة(كغيرها من المدن العراقية الأخرى!)أشهرا مأساوية لاتوصف حيث كانت شريعة الغاب هي السائدة.كانت سيارات الشرطة تأتي يوميا تقريبا لتأخذ زملاؤنا من صفوف المدرسة للتعذيب والأعتقال.أصبح الخوف،حتى من الأصدقاء ،سيد الموقف.وهنا أحب أن أقول شيئا للحقيقة وراحة ضميري وهو إنه،ويشهد الله!،لم أكن في يوم من الأيام منتميا إلى حزب أو تجمع..الخ وبالرغم من ذلك هددني أحد أقاربي(أكرر أحد أقاربي!)والذي كان متعاطفا مع حزب البعث الفاشي بأنه سوف يبلغ الآخرين(من ربعه!)بأنني قلت:(هاي مدرسة!..يو مصلخة!)إن لم(أخرس؟؟؟).ودارت الأيام وسقط البعث الفاشي بعد عدة أشهر من حكم دموي همجي وكان الأعتقاد السائد يومذاك بأن هذه العصابة القذرة سوف لم تحكم العراق مرة ثانية؟؟ولكن جاءوا مرة ثانية وحكموا البلد بالحديد والنار وبركانات الدماء وإنتهى بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ الأبدية وعثر على الطاغية الصنم والشيطان الذي تغلب على إبليس في بعض الصفات، في حفرة مظلمة وهو في حالة كحالة الدب بعد السبات الشتوي.على البعث الفاشي والطاغية صدام ،مدمري العراق العظيم،لعنة الله ولعنة التاريخ.بعد كل هذه الفواجع التي حلت بالعراق من هذه العصابات الدموية البربرية سوف لم ولن يعود هذا الحزب المجرم إلى حكم العراق مجددا وحتى لو إستمرت مظاهرات الردة الحالية(والتي أحد أهدافها في الحقيقة عودة الحزب العفلقي القذر!)إلى يوم يبعثون.