استوقفني وانا اتابع بعض القنوات الفضائية او صفحات التواصل الاجتماعي على الانترنيت وانا اشاهد عند استضافة بعض الشخصيات يُسْبَق اسمُه بكلمة مثقف كلمة بأربع حروف لكنها بدلالات واسعة هذه الوقفة دفعت بفضولي المعرفي لأعرف ما هي دلالات هذه الكلمة وما هي ميزات من يُنْعَت بهذه الصفة فقد اعتدنا ان نسمع بمسميات ذات دلالات محددة مثلا اعلامي , سياسي , خبير اقتصادي , اكاديمي ..... الخ من الالقاب .
ولمعرفة كلمة الثقافة والمثقف من ناحية المدلول اللغوي توجهت نحو كتاب مختار الصحاح لأعرف المعنى الدقيق لها وكانت كلمة ثقافة واشتقاقاتها وردت كالاتي :
ث ق ف : ثَقُفَ الرجل من باب ظرف صار حاذقا خفيفا فهو ثَقْفٌ مثل ضَخُم فهو ضَخْم ومنه المُثَاقَفةُ و ثَقِفَ كعضد و الثِّقَافُ ما تسوى به الرماح و تثقيفُها تسويتها و ثَقِفَهُ من باب فهم صادفه وخل ثِقِّيفٌ بالكسر والتشديد أي حامض جدا مثل بصل حريف
المعجم: مختار الصحاح –
اي ان التثقيف هو الصقل وجعل الشي بصورته التامة اي هو منطلق نحو الكمال , اما ما اعرفه من معنى اصطلاحي للثقافة فهي ان تعرف اي شيء عن كل شيء , اي انها متصلة بالكمال المعرفي وشموله .
قادني هذين التعريفين الى تساؤل اخر هل ان الثقافة مرتبطة بالمعرفة وكيف ؟وهل الشهادة الدراسية هي مقياس لمدى الثقافة ؟
من خلال ما نراه ونعيشه نجد ان هناك من يحمل اعلى الدرجات العلمية لكنه لا يتمتع للأسف بالروح الانسانية ذات الطابع الاجتماعي فنجده مرة متكبرا واخرى منطو على نفسه واخرى مجرم سفاح ووو. وحدث لي حادثة عندما كنت مديرا لمشروع في احدى المدن العراقية تقريبا بدايات سنة 2004 اي ما بعد التغيير وكان الوضع الامني غير مستقر المهم ما حدث اني كلفت عمال المشروع بواجب وذهبت لأرى موقع اخر وعدت لهم بعد مدة فوجدت العمال جالسون في ظل احد اسيجة الدور القريبة فسالتهم , ما بكم ؟ قالوا ان استاذ فلان منعنا من العمل وبالمصطلح الشعبي العراقي (نهانه) المهم سالتهم اين بيت الاستاذ؟ فدلوني عليه فرحت طرقت الباب فخرج لي رجل اربعيني او خمسيني يحمل على كتفه بندقية كلاشنكوف فتقصيت الخبر ولا اريد ان اطيل في سرد القضية ما يهمني منها سالت عن ذاك الاستاذ فعرفت انه استاذ جامعي في احدى الجامعات العراقية , استغربت جدا وحزنت لهذا المشهد فعندما كنت اسمع بالأستاذ الجامعي ارسم له هالة من القداسة وها هو يحمل السلاح لمنع عمال تبني مدينته, وعلى العكس من هذا الاستاذ اعرف شخصا لا يقرأ ولا يكتب ولكنه يحمل الفكر الماركسي ويناظر ويناقش ويطرح رؤاه بحجج وبراهين راقية وهو يسكن في قلب اهوار الجنوب , لا اريد ان اعمم على هذين النموذجين لأصيغ رؤية جديدة للثقافة بقدر ما نستنتج منها تعريف للثقافة والرؤية الواقعية لها.
فالثقافة هي قيمة عليا ومفهوم شامل يجمع في طياته المعرفة العلمية الى جانب السلوك الانساني و هي علم ومعرفة وسلوك واسلوب حوار والمثقف هو انسان يستطيع ادارة حياته بصورة منسجمة و التكوين المجتمعي وهو ذاك الشخص الذي حمل انبل الصفات مع المعرفة العلمية .
وعلى هذا الاساس تكون الثقافة هي منهج حياة متكامل بجميع نواحيه ولا يقتصر على شخص معين او رتبة معينه بل كل انسان سوي وقويم هو انسان مثقف انتهج مسلك لرياضة روحية اخذت به نحو السمو وتتكامل هذه الثقافة بسعة المعرفة العلمية فيكون بذلك المثقف هو الانسان النموذج المتكامل لقيادة المجتمع نحو الرفعة والرقي.