متحف العتبتين حلم فـي سماء الحقيقة/عامر عبد الرزاق الزبيدي

Wed, 6 Feb 2013 الساعة : 22:34

ربما لا توجد مدينة في العالم تخلو من وجود متحف يتوسطها. وعادة ما يسأل السواح الذين يزورون بقاع العالم عن المتحاف، والسبب أنهم يريدون، بكل تأكيد، أن يتعرفوا الى المدينة، فالمتحف يختزل تاريخ الأمم، وعن طريقه تعرف أفكار سكان المناطق وأدواتهم وعاداتهم ومعتقداتهم بوساطة ما خلفه السكان القدماء من آثار تحكي قصص وجودهم.

وطبعا، تتفاخر أكبر دول العالم وأعظمها بمتاحفها من خلال مساحاتها، وزخرفتها، وطرز بنائها، وعدد القطع الأثرية المعروضة فيها. لا بل ذهبت تلك المتاحف العالمية لخزن الآثار التي تعود إلى أمم أخرى وشعوب مختلفة محاولة كسب السواح واستقدام الزوار. ومن هذه المتاحف متحف اللوفر الشهير في باريس، ومتحف روما، ومتحف برلين، ومتحف المتروبوليتان في أميركا، ومتحف اسطنبول، ومتحف الاريمتاج في روسيا الذي يضم 400 قاعة لعرض الآثار، لدرجة أنك إذا أردت أن تقف عند كل قطعة أثرية موجودة في متحف الاريمتاج لمدة 60 ثانية، وتأتي يوميا للمتحف من الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا، فيجب عليك أن تقضي 15 سنة حتى تنتهي من مشاهدة جميع القطع الموجودة في المتحف.

وبحسب دراستي وإطلاعي فلا يوجد متحف في العالم الشرقي والغربي لا توجد فيه قطع أثرية من بلاد وادي الرافدين (العراق)، فتلك المتاحف تتفاخر بوجود آثار العراق فيها، لأن في ذلك البلد خط الحرف الأول، والمدرسة الأولى، والدين الأول، والعلوم المختلفة، وكان في الريادة. أما آثاره فهي أغنى آثار العالم، حيث استخدم الذهب والبرونز والنحاس والقصدير والفضة في صناعة الأدوات والحاجيات في العراق وبطرز فنية يصعب عملها حتى في الوقت الحاضر.

ومن أهم العناصر الايجابية لبناء المتاحف: "اعطاء قيمة للمدينة التي تضم متحفا، ومحاكاة الماضي في بناء الجدران، واضفاء صورة على عظمة وتاريخ الأمم، وإعطاء الدليل المادي على ريادة الأمم والشعوب، وجذب السواح، ومشاهدة العالم بأجمعه تاريخ تلك المدينة من خلال المتحف، وشهرة المدينة التي تضم متحفا وعلو شأنها في العالم، وتسليط الضوء الإعلامي على تلك المدينة، وأهمية المورد الاقتصادي الذي ستجنيه المدينة من دخول الزوار للمتحف، وأهمية تشغيل الأيدي العاملة في المتحف لادارته وخدمة زواره". وهناك طبعا فوائد أخرى لامجال لذكرها.

وتتقسم المتاحف إلى قاعات، وذلك حسب التسلسل الزمني لتاريخ المدن، حتى يشاهد السائح شريطا متكاملا لتاريخ المدن. وبلا شك فان دخول ساعة واحدة لمتحف مدينة سيكفيك قراءة العديد من الكتب والمجلات والبحوث عن تاريخ تلك المدينة. وتوضع في المتحف أدق أدوات حفظ الآثار، من قبيل أجهزة قياس درجة الحرارة والضوء والرطوبة، لأن القطع الأثرية تتأثر كثيرا بالعوامل الجوية الخارجية، وكذلك يجب أن تكون هناك فترات لديمومة الأثر وغسله بالمواد الكيمياوية الخاصة لزيادة بريقه وجمالة والحفاظ عليه، وكذلك تضع المتاحف آليات أساسية لحمايتها عبر وضع كاميرات مراقبة وأجهزة إنذار لأن تلك الآثار عرضة لعمليات السطو والتهريب.

وفي حديثنا هنا، في هذا المقال، عن مدينة كربلاء المقدسة تلك المدينة الواقعة وسط العراق التي تتنفس عبق الماضي من كل شبر في أرضها بوصفها موغلة في القدم، ويوجد فيها عدد كبير من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور فجر السلالات؛ العصر السومري، والعصر الأكدي، والعصر البابلي القديم والحديث، حيث كانت جزءا من مدينة بابل، مرورا بالعصر اللكشي، والاخميني، والمقدوني، والفرثي، والساساني، والعصر الإسلامي.

ومن أشهر مواقع كربلاء الأثرية ضريح الإمام الحسين (ع)، وضريح العباس (ع)، وعلي الأكبر (ع)، وحبيب بن مظاهر الأسدي (رض)، والحر بن يزيد الرياحي (رض)، ومجموعة كبيرة من الصحابة الذين استشهدوا في واقعة الطف الخالدة. ويوجد في كربلاء المخيم الذي عسكر به الحسين وأهل بيته (ع)، وكذلك أثر ومقام التل الزينبي الذي وقفت به العقيلة زينب بنت علي (ع) في أثناء معركة كربلاء. ومن أشهر المواقع الأثرية الأخرى في كربلاء؛ كهوف الطار، وحصن الاخيضر، وتل سرمك، وتل أم الغزلان، وتل شليت، وتل صكار، وتل الحجارة، وقلعة أم فيضة، وتل أبو عجاج، وتل دلهم، وتل الطلاع، وتل الطوق، وتل كربلة، وتل عزرة، وتل نينوى الكاضي، وتل المناصب، وتل خشيبة، وتل عين سراح، وتل رفحة، وتل الصخير، وتل هوته عون، وتل النخيلة، وتل مكحول، وتل مفلح، وتل العطيشي، ومنارة الموجدة، وتل العطشان، وتل الدوير، وتل الرحية، تل حصوة نصار، وتل ركيبة، وغيرها من المواقع الأثرية والمراقد والأضرحة الموغلة بالقدم وهي موزعة في أرجاء كربلاء كافة، وكأنك تسير في متحف كبير جدا اسمه متحف كربلاء.

وبجهود استثنائية وكبيرة عمل الاخوة في العتبة الحسينية والعتبة العباسية على إنشاء متحفين في كل عتبة، ووضعت فيهما الآثار النفيسة التي تعود إلى أزمان مختلفة تبدأ من عصر صدر الإسلام مرورا بالعصور المتلاحقة. ولم تقتصر هذه القطع النادرة على حضارة وادي الرافدين فقط، بل رأينا قطعا أثرية تعود إلى دول أخرى أتت كهدايا إلى المقامين الشريفين من سلاطين ووجهاء وشيوخ في مدد مختلفة. وفي أثناء تجوالنا في هذين المتحفين الجميلين رأينا الدقة في عرض القطع الأثرية وكيفية حفظها، والرائع اني وجدت أجهزة لقياس الرطوبة والحرارة والضوء بالقرب من كل قطعة معروضة، وهناك من يطلع عليها ويضطلع بضبط الظروف الجوية الملائمة لهذه القطع التي اختلفت بأشكالها وأعمارها ومنها (المسكوكات الذهبية من الدنانير والدراهم التي تعود للعصر الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي، وكذلك السيوف المختلفة حيث يوجد طراز لصناعة السيوف لكل عصر، وكذلك المصاحف القرآنية النادرة التي يرجع قسم منها إلى الأئمة الأطهار (ع)، وكذلك الشمعدانات، والطوس، والسجاد النادر، وأجزاء من كسوة الكعبة المشرفة، وشعرة للنبي محمد (ص)، وجرار قديمة وجدت في موقع كربلاء القديمة ربما تعود إلى حقبة واقعة الطف.

لكن، للعلم، هذه القطع المعروضة في متحف الروضة الحسينية ومتحف الكفيل ما هي إلا نزر قليل، وما حفظ في المخازن كان الأكثر والأهم والأغرب والأثمن والأقدم، حيث يوجد في مخازن متحفي العتبتين آلاف القطع الأثرية والتراثية لكن المساحة المحددة للمتحفين لا تكفي لعرضها. ولهذا أحلم وأطلب وأتمنى من أخوتي وأساتذتي الكرام المسؤولين في العتبتين المقدستين أن يعملوا على اكمال هذا المشروع العملاق بإقامة متحف كبير يجمع الروضتين في متحف واحد اسمه "متحف العتبتين الكبير" يقام خارج الصحن ويقابل المقامين بمساحة تليق به وبناية تتألف من 8 طوابق 8 منها لمتحف العتبة الحسينية، و4 أخرى لمتحف الكفيل العباسي، ويقسم كل طابق لقاعات من أجل حفظ القطع الأثرية.

إنشاء متحف العتبتين سوف يعطي صورة مهمة لكربلاء، ويعزز من السياحة العالمية في المدينة باغراء الزوار في مشاهدة مقتنيات المتحف، ومن المهم أيضا إنشاء بانوراما في احدى قاعاته لعرض أحداث واقعة الطف الخالدة حتى يتعرف اليها السواح.

ومن الضروري إجراء نقاط حفر اختبارية في مساحات مختلفة من كربلاء القديمة علي أيدي بعثة تنقيب رصينة للوصول إلى أرض الغاضرية الحقيقية، فربما قادتنا البعثة إلى العثور على بعض القطع الأثرية المهمة لعرضها في متحف العتبتين المشرفتين.

كما ينبغي أن تنشأ في إحدى قاعات متحف العتبتين الكبير قاعة خاصة للأطفال مزودة بألعاب وشاشات تنقل ما جري في واقعة الطف، ويكون الدخول لهذا المتحف بتذاكر رمزية كأن تكون للزائر العراقي 1000 دينار، وللطلبة 500 دينار، وللسائح العربي 3 دولارات، وللسائح الأجنبي 5 دولارات. وأتوقع أن يصل عدد الزائرين لهذا المتحف في الأيام العادية ما لا يقل عن 1000 يوميا، وفي المناسبات ما لا يقل عن 3000 – 5000 يوميا، وهذا يعطي موردا اقتصاديا مهما وكبيرا لإنعاش اقتصاد كربلاء، فواردات متحف اللوفر في فرنسا، وهي إحدى الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم، تشكل 20 % من الاقتصاد الفرنسي.

كما ينبغي أن يزود متحف العتبتين الكبير بمطعم وصالة للاستراحة وكافتريا ومقهى لشرب الشاي وتداول أحاديث التاريخ والأدب.

أعول على همم الغيارى من أبناء العراق والقائمين على العتبتين المقدستين الشريفتين لتحقيق هذا الحلم الموجود في سماء الحقيقة وانزاله إلى أرض الواقع والعمل ليل نهار لإكمال هذا الصرح الكربلائي الكبير ليكون رمزا من رموز صروح العراق.. عراق الحضارة.. عراق التاريخ.. عراق الحسين.

* باحث آثاري / دائرة آثار ذي قار

Share |