لجان التقصي البرلمانية والحقائق المُضيّعة-جواد كاظم الخالصي
Wed, 6 Jul 2011 الساعة : 10:17

لم أقف يوما على حقيقة موثوقة قابلة للتصديق تتدافع خلفها بعض الجهود الوطنية الحقيقية من كل اللجان التي تم تشكيلها خلال السنين الماضية لتقصي الحقائق ، فكل يوم نسمع البرلمان العراقي وهو يغرّد كثيرا بتشكيل اللجان فما أن شُكلّت لجنة لتقصي حقيقة من حقائق العراق الكثيرة والتي أصبحت حسب المصطلح العاميّ (متلتلة) لكثرتها في وزارات الدولة او المحافظات العراقية حتى نسمع بواحدة أخرى وفي قضية ملتوية يمكن لها أن تغطي على القضية المفتوحة بين أيديهم (وما بين حانة ومانة ضاعت لحانا) كما يقول الآباء في قديم حياتهم.
من الواضح والجلي أن اللجان التي يتم تشكيلها تكون على وفق الحسابات السياسية التي تسير عليها سكة العمل السياسي في العراق فتتكون عناصرها من جميع الجهات بعيدة كل البعد عن المهنية حتى وان كان هناك من يريد العمل بكل إخلاص ومهنية فسوف تطغى على أي لجنة صبغة الميل السياسي لهذه الكتلة أو تلك وأما لهذا المذهب أو ذاك وهلم جرا.
والقائمة تطول بأسماء اللجان ومهامها الثقيلة حتى بدأنا نتقلب على مواجعنا لننتظر الحلول وما ستخرج بها تلك اللجان فرُب لجنة تعمل لتعطينا ناتجا أو رقما نلمسه في حل مشكلة ما تكون قد (دوخت البلاد والعباد) حتى يخفّ الوجع الذي في الرأس.
الذي أريد الحديث عنه هو ما تمخض عن عمل لجنة تقصي الحقائق في قضية عرس الدجيل والتي وصلت إلى مناطق ذوي الضحايا لتتعرف عن قرب بما لديهم من مأساة وألم نتيجة ما تعرضوا له من عمليات انتقامية ووحشية قذرة تعامل بها عتاة المجرمين مع ثلة من الأبرياء وهم في زفة عرس ملأت وجوههم الفرحة التي تحولت إلى دم أحمر ، ووسط الذهول الذي رافق القضية بكل تجلياتها والحزن العميق الذي يعيشه ذوي المغدورين تذهب لجنة تقصي الحقائق لتقول لهم عليكم بعرض القضية على مجلس القضاء الأعلى من أجل التحقق إن كانت هذه فعلا جريمة أم فبركة حكومية!!! أليست هذه الحكاية مضحكة عندما يشكك البرلماني وهو الذي يعتبره المواطن مدافعا ومحاميا عنه ويمثله تحت قبة البرلمان لينتزع له حقه من السلطات التشريعية ، فكيف يمكن أن نثق بلجان لتقصي الحقائق وهي بهذا المستوى من عدم المبالاة بآلام الغير ومعاناتهم التي حفرت عميقا في قلوبهم كل جوانب الاضطهاد والتجبّر الذي مورس بحقهم من قبل العصابات الإجرامية التي اعترفت بكل تفاصيل الجريمة ومع ذلك يشكك بها البرلماني المؤتمن على رسالته وهو يردد القَسم تحت قبة البرلمان.
كيف يمكن للمواطن أن يضع ثقته بعد اليوم حينما يكون أمام هكذا طرح برلماني يتلاعب بعواطفه وكرامته وأحاسيسه وكل ذلك من أجل النظر بعين واحدة دون الأخرى والاعتماد على تبويس لحى الغير الذين يراد إرضائهم .
والكارثة الأكبر عندما يكون سبب التشكيك بالجريمة يعود إلى تورط بعض السياسيين فيها كما يقول أحد أعضاء مجلس النواب العراقي في تصريح له يوم أمس فهنا يجب التوقف عندما نريد أن نحايد القضية وإلزام وضعها بيد أناس هم من خارج اللعبة السياسية حتى لا يضيع حق المغدور أو المظلوم،، ولذلك أقترح هنا على كل قيادات الدولة العراقية العليا وبالذات رئاسة السلطة التشريعية أن تشرّع قانونا يُلزم تشكيل لجان البحث عن الحقيقة من خارج الكتل والأحزاب السياسية أي من خارج البرلمان العراقي وتكويناته لتكون عملية التدقيق عن تفاصيل أي جريمة نزيهة مائة بالمائة ولا تتبع ميول وأهواء خاضعة للحرب السياسية بين الأطراف المتصارعة أصلا وهذا في النهاية سيجعل المواطن مطمئنا على وضعه وحقوقه وممتلكاته وكرامته وشخصيته كانسان في هذا المجتمع الذي عصرته سنين المحن والآلام ، لتتضح لنا الحقائق الضائعة بين ملفات اللجان الكثيرة والمتشابكة على بعضها البعض .