مبادئ علم الاعلام الاسلامي (الحلقة الثامنة)/محسن وهيب عبد
Fri, 1 Feb 2013 الساعة : 0:01

أهداف الإعلام الإسلامي:
قال الله تعالى:
(فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)1 .
في الآية أنفة الذكر رقي بالإعلامي إلى مصاف الفقهاء، فالذي يتصدى ليعلم الناس وليدلهم على الحق والصدق والصحيح، ويقرأ ما وراء الخبر ليبلغ به أهله لابد ان يكون عالما بماهية الحق مدرك له باعتباره رائد، والرائد لا يكذب أهله.
فالإعلامي الإسلامي مبلغ بالخير وبما هو الصدق فقيها بما هو الصحيح، فإنما البلاغ مهمة الأنبياء، والإعلام المهتدي بهدي الله يسعى إلى تحقيق أمور هامة، نذكر منها:
أولاً: تعريف المسلمين بدينهم الفطرة الحق بالقراءة الصحيحة للإسلام وتنظيفه من القراءات المتطرفة الخاطئة التي استعدت كل سكان الأرض للإسلام بصفاقة وعنجهية لا مبرر لها.
ثانيا- مواجهة حالة الضياع التي يعيشها المجتمع المعاصر عامة، ومجتمع المسلمين خاصة، بما يعيد التوازن السليم بين فطرة الإنسان ومستحدثات العصر الفكرية منها والمادية.
ثالثا: تحقيق مواجهة إيجابية فاعلة أمام الغزو الثقافي لأعداء المسلمين، ولمن يعادون الإسلام إما جهلاً به أو حقداً عليه، وذلك من خلال أجهزة ووسائل متطورة تواكب متطلبات العصر؛ بما يحقق إعلاماً قادراً ومتميزاً يقوم على المنهج العلمي الصحيح.
رابعا: تقديم الإسلام ومبادئه وفق أصوله التي جاءت في كتاب الله وسنة المعصومين( رسول الله صلى الله عليه الصلاة وآله وسلم، وآله المطهرين) ونقد ما لصق به من شبهات وافتراءات، من خلال برامج تجمع بين قوة الحجة وفنّ الإقناع والتأثير، بجانب الجاذبية وحسن العرض.
خامسا : تبني المرجعيات الدينية للإعلام الإسلامي تشريعات ومناهج وتقويم وتمويل وإعداد للبرامج والمشرقين عليها، وتهيئة الناس للظهور البهي لصاحب دولة العدل الإلهي المنتظرة.. وخير ما يجسد هذا الهدف هو المنبر الحسيني بين المسلمين والفنون المعبرة عن نهضة الحسين عليه السلام بين غير المسلمين.
إن عالمنا المعاصر في أشدِّ الحاجة إلى هذا النوع من الإعلام والذي بدأ بفضل من الله يظهر من خلال جهود وان كانت شخصية ولم يكن للمرجعيات فيها يد مباشرة وبدأت متواضعة، ولكنها تنمو يوماً بعد يوم بما يبشِّر بنجاحها، وخصوصاً بعدما ظهر واضحاً إقبال الكثيرين من أهل الصلاح على التعامل معها والاستجابة لمضامينها.
ان من مصاديق قول المولى جل وعلا في حفظ الذكر وإكمال الدين، هي نهضة الحسين عليه السلام و مظلوميته، اذ هي مشيئة الله تعالى ان يرى الحسين شهيدا وان يرى بنات الوحي سبيات لحفظ الدين وكماله.
ان الحسين عليه السلام بما ظلم وبما أصابه يوم كربلاء غدا مادة إعلامية لرسالة إعلام السماء فرسالة الحسين هي رسالة السماء الإعلامية لتذكير الناس بمهام الرسل بغض الظالمين وهي بكل شعائرها حرب للظلم وكانت على مر الدهور ثورة تقض مضاجع الطغاة والظالمين وما زالت والى ما شاء الله تعالى.
ومن هنا ولهذه الأسباب وغيرها؛ تظهر أهمية الإعلام القائم على هدي الله وفق منهج إسلامي يقوم على التأهيل العلمي المعاصر، ويجمع بين المضمون الهادف والعرض الجذّاب.
ان علم الكلام بهيكليته المنطقية والذي أسسه العلماء والفلاسفة المسلمين الذين نحلوا لهم اسم المتكلمين، وعلى مستواه الفلسفي المتفوق، كان قد وضع من اجل أهداف التعريف بالإسلام ورد الشبهات عنه، وكان عليه لكي يستمر ان يدفع الغزو الثقافي الذي تعرض له الأمة الآن وعى نطاق واسع وقوي لم يشهد له التاريخ مثيلا.. حيث ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات خيرة لتجديد علم الكلام ليكون مؤهلا لهذه المرحلة الذي يشهد بها الإسلام هجمة مزدوجة من أعدائه الداخليين أمثال التكفيريين ومن خارجه الأعداء التقليديين.
وحتى لو جدد علم الكلام فلن يكون مجديا كالإعلام الحسيني الشعبي الفري القوى المحبوب، فللإعلام الحسيني وسائل أكثر قربا من الانسان وأسهل نوالا وبمستويات تطال كل شرائح المجتمع ولن تكون حكرا على العلماء والمتعلمين كما في علم الكلام.
ان الإعلام هو في الواقع عقيدة المعلم تتحرك وتفصح عن ذاتها، الا أنها تحتاج الى كثير من العلم في العقيدة المتبناة وكثير من الجهد والتدريب والتأهيل والمهارات لتكون مجدية الطرح سهلة مشوقة مقبولة اذا لم تكن جذابة في ذاتها وفي دفاعها وفي رد الشبهات عنها.
الإعلام هو حقيقة الايدولوجيا:
ان الإعلام مثل ما هو وسيلة لنشر تفاصيل مجريات الأمور فانه في ذات الوقت وسيلة تكشف عن مساقط الحدث في عقيدة الإعلامي، وهي بالتالي تكشف عن دواخله وغاياته فيما يعلم عنه.
فعن الإمام علي)عليه السلام) قوله:
(لسانك ترجمان عقلك)2
وفي تفصيل أدق قال الإمام علي عليه السلام:
(إياك والكلام فيما لا تعرف طريقته ولا تعلم حقيقته، فإن قولك يدل على عقلك، وعبارتك تنبئ عن معرفتك)3
والدليل على ان اللسان هو الإعلام هو القول التالي لأمير المؤمنين على عليه السلام : ( ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " فمن استطاع منكم أن يلقى الله تعالى وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم سليم اللسان من أعراضهم فليفعل )4
وهذا الحديث أيضا يعني الإعلام: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح، فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا ؟ ! فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام)5
فقد يكون هذا الحدث الذي نتكلم عنه، ماض او حاضر او استشراف لمستقبل، او ربما قد يكون مفتعل، فللإعلامي دوما غاية ينشدها في سرده لتفاصيل الحدث او الكلام فيه، بل او حتى من اقتضاب الكلام فيه ليبلغ العالم كله على الانترنت كما اليوم
وعليه فالإعلام دوما على درجة خطيرة جدا على صعيد حياة الفرد والمجتمع، لانه ابرع واسطة وأنجع نهج لتحقيق او هدم مهام الإنسان على سطح هذا الكوكب، او ليكون خليفة في الأرض كما أراد له خالقه العظيم او يكون إمعة مستغِلا او مستغَلا كما أراد له الشيطان.
ولكي يكون الإنسان خليفة في الأرض؛ سيدا، حرا، حسنا ومحسنا، لابد له ان يعزز في ذاته ميزاته الإنسانية، واهم تلك الميزات ان يكون حرا مختارا لفعله، وان يقع ذلك الخيار ضمن مجريات النسق الكوني لإحداثه والتي تجري كلها باتجاه واحد من القوة الى الفعل اي تتطور كلها للكمال، بمعنى ان يحسن الاختيار جاهدا، ولكي يكون هكذا لابد ان يختار نوافذ السنن الكونية البديهية، ولا يخرج عليها وهي:
أولا- ان يكون مستجيبا لنظام خلقته، فليس لمخلوق في الكون ان يخرج على نظام تكوينه، ويتحقق ذلك في الطاعة لله تعالى.. وفي ذلك تفصيل نتعرض لبيانه في لاحق البحث في تفسير سورة الحجرات.
ثانيا- ان يكون مضمرا للرحمة في أصل خياره لفعله كعلة او سبب لذلك الخيار، لان كل أفعال الكون على الإطلاق هي ظواهر لباطن معاني الرحمة.
ثالثا- ان يكون متبنيا للحق والعدل أساسا لخياراته لأفعاله؛ لأنهما أساسا قيام أنماط الكون كلها، فالحق هو معرفة ثوابت الصدق المتجسدة في النسب الثابتة بين المعاني والمعاني او المعاني والعلل التي يقوم بها الواقع، والعدل صياغة واقع بذات ثوابت الصدق التي تجسد الحق في الواقع، وبما ان هذا هو بيان بديهي فانه يخفى على الناس وصعب فهمه لان بيان الواضحات من أصعب الصعوبات لذلك فان الله تعالى، عرّف العدل بعدم الظلم، باعتبار الظلم خروج على البديهي فتستشعره كل النفوس حتى الظالم يجأر اذا مسه الظلم. بمعنى ان الانسان الانسان هو الذي يترفع عن الظلم ويبغض الظالمين في عقيدته وفي خياراته لفعله.
رابعا- ان يكون قد خبر الخيار قبل ولوجه او ان يستعين بمستشارين خبراء، يعينونه على حسن لاختيار لفعله.
فالتجربة لازمة لحسن الاختيار، وقد تكون لأخطاء التجارب فائدة منشودة عند الحكماء، فالكائن الذي يستفيد أكثر من تجاربه هو الانسان الناجح، حيث يتجلى جمال وكمال الفعل حين يكون حصيلة نجاح تجربة.
خامسا- ان يكون الموت باعتباره سنة الكائنات جميعا، والحتم الذي ينتقل به الى اللقاء الحتمي، حيث يسال عن خياراته كلها، ان يكون ذلك الحتم رقيبا ذاتيا لفعله يتقوم به نحو الطاعة والرحمة والحق والعدل.
سادسا- ان يعتبر في خياراته لفعله لمعاير المفاضلة الكونية، بمعنى ان يوزن فعله بخيارات المحسنين الصادقين الذين كلفهم الله تعالى ليكونوا رحمة للعالمين أئمة لعباده وطهرهم بإرادته من الرجس وعرفهم لعباده وقرن طاعته تعالى بطاعتهم، وهم الأئمة الهداة المهديون المعصومون عليهم السلام.
سابعا- ان يعتبر في خياراته لفعله بثوابت الكون، فالكون بكل تفاصيل أحداثه يجري وفق نسق بثوابت من الشروط والأنماط والسنن والأوامر وحدود الأرقام. بمعنى ان لا يسرف ولا يقتر في خياراته، فإنما هو جزء من منظومة تجري بسريان نمطي موحد إلى الكمال، فليكن هو معتبرا ذاته جزء ينقصه الكمال فليسع له.
ثامنا- ان يعتبر بالزمان والمكان سنتين بديهيتين يتحقق بهما حتم السريان الى حيث شاء الله تعالى، انه يركب الزمان مطية إجبارية تسري به إلى حيث أراد الله تعالى ليواجه نتائج خياراته في هذه الفترة التي استخلف فيها على الأرض، ففي كل لحظة من لحظات عمره للزمان والمكان تأثيراتهما وتأثراتهما مسجلة تحصي عليه وله كل نتيجة لذلك الخيار.
فكل لحظة في عمر الانسان؛ هي تاريخ لما بعدها ومستقبل لما قبلها، وقد جعله الله تعالى مكلفا ومقتدرا في لحظته لصناعة تاريخه ومستقبله باختياره، وغير مكلف ومعذورا في عدم قدرته او قهره.
سردنا تفاصيل ميزات إنسانية الانسان لمساسها الذاتي بمعاني الإعلام، وليكون الإعلامي على اطلاع بمهام وظيفته وسمو قدر وظيفته، باعتباره إنسان أولا له ان يحتفظ بميزاته الإنسانية، وعليه ان يشخص بهذا المعايير من هم من الإعلاميين من يخدم الإنسانية ومن هم من يعاديها، ليكون على علم بما يختار وما لا يختار.
ولذا يتقرر وفق هذه المعايير الضابطة؛ ان كل من لا يعتبر بهذه الضوابط الثمانية لخيار فعله فهو إعلامي خارج على الميزات الإنسانية البديهية.
نعم قد يكون المرء عاملا في الإعلام ولكنه ليس إعلاميا مسلما، كما يعمل في الصحة الكثير من الناس ولكن الذي يطبب الناس وينقذهم من المرض هو الطبيب الأخصائي بالمواصفات الخاصة.
الهوامش:
1 )التوبة -122.
2 ) بحار الأنوار؛ 77 / 231 /2.
3 ) غرر الحكم؛ 2735.
4 ) نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10 / 28. )2)، وفي المحجة البيضاء: 5 / 193 .
5 ) الكافي: 2 / 115 / 16.