شقشقة رقم (1) - الأداء والأجر في ميزان المجتمع العراقي -حسين دويج الجابري

Mon, 4 Jul 2011 الساعة : 12:17


تفاوت قدرات الناس في أعمالهم المتشابهة , وعلى ضوء هذا التفاوت وضعت قيمة الأجر ’’ فلا يمكن أن يكون اجر العامل الماهر والذي يتحمل مسؤولية البناء ومتانته ويراعي شكله وخواصه الأخرى كما هي قيمة اجر العامل البسيط الذي لايتحمل أية مسؤولية ,, على الرغم من أهمية البسيط والمعقد في كل مشاريع البناء واحده ,,
لذا فان شعوب العالم المتقدم وضعت نماذج لمكافئة الأداء المتفوق ماديا و معنويا ’’ فهم رغم دفعهم الأجر السخي يحتفون بالمبدعين ويقدمون لهم الجوائز التقديرية عرفانا وتحفيزا على الإبداع والعطاء الناجح وخلق روح المنافسة الشريفة ,, وعلى كافة المستويات ’’

فيما نرى إن المجتمعات العراقية تؤمن ببعض الكتاب وتنكر بعضه ,, فنحن نحب التكريم ونحب الظهور والمباهاة , ونحب المسميات والألقاب والثناء ,, ولكن ليس على قاعدة الكفاءة ولا على ميزان الإبداع والمنافسة الشريفة التي تقوم الأداء وتحسن الإنتاج ,
فنحن نكيل الثناء ونتغزل ببعضنا البعض ونخباء خناجرنا وراء ظهورنا لكي نطعن إذا ما لاحت لنا فرصة بالصديق الحميم الذي نمتدح , فنحن نكثر من حفلات الاحتفاء والتكريم ونقدم الدروع والشهادات والهدايا الرمزية والمادية للمتنفذين وأصحاب القرار تزلفا وقربا لكي نستردها في اليوم التالي خدمات ,, هكذا درجت عاداتنا , وهكذا حملنا أوزارا من تاريخ قومنا وتراكمات سياساتنا الجائرة ,,
فأصبحنا متبرمين حانقين , غالبا ما نشتكي من كل شيء , ونتباكى على ما فات , فصار الماضي في نفوسنا رمزا للخير رغم كل مافيه من مفاسد أسست إلى هذا الفساد الكبير , حتى أصبحت ابرز سماتنا الضجر والانفعال والشكوى والبكاء
وان سوء الأداء وضعف الموازين في حياتنا العملية هو انعكاس للتخبط المعرفي والانفعالات المذهبية والعقائدية التي حملتنا إياها السياسة والتاريخ ,,
فجميع الأطباء في ميزان التقدير الشعبي لصوص , وكل المهندسين أغبياء , ومعظم رجال الدين دجالة , وكل الفلاحين كسالى , ومعظم المحامين محتالون , وان الشعراء يتبعهم الغاوون ..
علما إن النقد الذي يمتهنه العراقي ليس نقدا بالمعنى الطبيعي للكلمة ,, بل هو نقد يجيش من عوامل نفسية كبيرة وتراكمت أفرزتها الضر وف الاستثنائية المستمرة في هذا البلد ,,
فالطبيعي إن العراقي لاينتقد أداء الآخرين ,, لأنه تعود على الأداء غير الصحيح ,, وكذلك تعود أن يستلب حقوق الغير من أصحاب الكفاءات ,, وان أصحاب الكفاءات أيضا استمرئوا بيع نتاجهم لتعديل صورة راكبي الموج ,

كان المجرم صدام حسين حينما يلتقي بكبار أستاذة الجامعات أو الكتاب والمؤرخين أو القانونين وحتى الشعراء والمثقفين ,, لايترك كلمة تنطلق من احدهم دون أن يعلق عليها بسرعة مضيف التعديلات التي يصورها له عقلة بأنها الأكثر ايجابية ,, ولم يحدث أن قال له احد المثقفين الجهابذة بان وجه نظرة مبنية على تجربته الشخصية التي حملت بالعقد ومركبات النقص ,, ولم يحدث أن ثبت احد رجالات الفكر والسياسة مدافعا عن رائية في حضرة القائد الضرورة ,, اللهم ألا في أن يشحذ فكرة كيف يكيل المديح ويتلوا الثناء ,, واليوم وبعد سقوط ذلك الطاغية صار الكل يشتمونه ويلعنون الزمان الذي جاد به في غفلة , ويدعون بأنهم عارضوه وجادلوه وأفحموا رده ,, غير إنهم ومن حيث يشعرون اولايشعرون تشبهوا بأفعال صدام ومارسوها على رعاياهم
ويبدوا أن مركبات النقص في العراقيين واحدة , ومنها ينطلق في تعاملاته مع الواقع , ويعيش بقانون غابي يسير على قاعدة كن ذئبا وافترس قبل أن تفترس ,,

Share |