دورُ جهاز المخابرات في إعادةِ تأسيس ِالدولة -قاسم محمد الكفائي

Mon, 4 Jul 2011 الساعة : 10:32


 تنويه : كانت النية الكتابة عن دور جهاز المخابرات في عملية إعادة تأسيس وبناء الدولة العراقية لكن الذي استوقنا وأخرنا هو قضية تصريحات النجيفي الخطيرة. فالكتابه عنها وعن دور جهاز المخابرات في معالجتها تحتاج الى تفاصيل أكثر وبدقة ، فاكتفينا بما نراه مناسبا . أعِد القارىء بمواصلة المزيد ونرجو متابعة ما كتبناه .
المقدِّمة !
من أصعب ِالأدوار وأكثرِها تعقيدا هو دورُ بناء الدولة بعد سقوطِها في غيابِ العقول التي تتبنى مُهمّةِ البناء وفقَ المنهاج الصحيح ، بأدواتٍ صحيحةٍ . بينما تقفُ على اطلالها المنهوبة فتتولى نفس المُهمَّة بنية ِالتهديم وتعطيل البناء عقولٌ يَصعبُ فهمُها ، والغوصُ في أعماقِها ، ولها قوّة ٌ، وقدرة ٌ، وجذورٌ للعب كلِّ الأدوار . هكذا هوَ حالُ العراق الذي صَحَونا عليه لنجدَ في صباح التاسع من نيسان عام 2003هروبَ صدام حسين من بغداد ليحلَّ مكانه حاكم ٌ أمريكي مُتصَهين . فالدولة ُ التي تهدَّمَت قواعدُها بمِعول ِحاكمِها المُستبد لا يُمكنها أن تصلحَ مرّة ً أخرى بسهولةٍ ويُسر بكفِّ عدوهِا اللدُود برايمر ، فهو بحسب الوصف المناسب له –  شيطانٌ أكبر - . عملية ُ البناء هي أكثر تعقيدا من عملية التهديم بمقتضى الواقع والتجربة . فمَن يا ترى له الدراية والقوة على تقويم قواعدِ الدولة بعد انهيارها ، وتصحيح كلِّ الخطوات المغلوطة التي ستظهر من خلال حركة البناء وعثراتها ؟
ما ذكرناه في مقال ٍ سابق من أن العناصرَ التي تتأسَّسُ منها الدولة ثلاثة ، أولهُم الأرض وثانيهُم الأنسان ثم القانون ، لكنَّ أسبابَ عمليةِ التكامل تندرج باختلافِ الأدوار المتعددةِ بحيث تتلائم وظائفُها مع حركة النمو والحاجة . إذن عملية ُتأسيس ِالدولة تحتاج الى هذه الأدوار بحسَب مقتضياتهِا ، على أن تكون أدواتها صحيحة لا تخضع لرغباتٍ ولا لخصومةٍ تتعاطى بها جماعاتٌ وأفرادٌ في مناخاتٍ سياسيةٍ متعثرةٍ لا تتناسب وحجم المُهمّة . فالعراقُ الذي تهدَّم في مرحلةِ حكم صدام وأجهزَ عليه برايمر يحتاجُ الى رجال من أبناءه ، أكفاء وأمناء في عمليةِ إعادة بناءه كقيمةٍ وطنيةٍ شاملةٍ ، ولا يحتاجُ الى خصوماتٍ ما بين الفرقاء السياسيين ممّن وظفوا صراعاتِهم حاجزا على طريق البناء والتكامل المؤسسّاتي . ما يشهدُه العراق اليوم من صراعاتٍ خطيرة ٍتشتد بين الاعضاء ِ في البرلمان ، والتسيّب الذي يشعر به كلُّ عضوٍ جعل منهم أدواتٍ تتحرّك خارج دائرة مصلحة العراق والشعب وقد انعكست نتائجُها الأسوء على وضع العراق السياسي والأمني والاجتماعي وحتى الاقتصادي .
النجيفي نموذَجا !
آخرُ أخطر الوقائع التي تلقاها الاعلام وانفرد بها المشجعون الذين لا يريدون للعراق أن ينهضَ ، وبسبب الشعور بذلك التسيب هو سفر أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي الى الولايات المتحدة الامريكية دون الرجوع الى مرجعه الرسمي في الدولة ، ومن ثَمَّ تصريحاتِه باقامة أقليم ٍ سني في العراق . إنه كارثة مَعيبة على أهلنا السنة أولا كون أسامة لا يمُثلهم بقيمتهِ الدينية والأجتماعية ، فهي تبعث على تعطيل مستقبل أهل السنة في العراق ما قبل غيرهم ، وهي تجاوزٌ بعينها على شرفِ المواطنة . لقد تصرَّفَ النجيفي وهو يعلم باطمأنان أن لا خوفٌ عليه ولا حزنٌ حال عودته الى بغداد مادام على قمة هرم الدولة فلاسفة وشعراء في تصريحاتهم وليس رجالٌ أشداء ٌ، أقوياء بالقانون من أجل مستقبل العراق وقيمه وشعبه بمجرد عرض مثل قضية النجيفي على القضاء . كنتُ أراقب وأتابع ردودَ الفعل التي اطلقها بعضُ الفلاسفة الشعراء نوابٌ ، وسياسيون ، حيث  استنكروا هذه التصريحات، وطالبوا النجيفي بالأعتذار. ردودُ فعل ٍ باهتةٍ ، غيرِ مُؤثِرة وهي تعبر عن مستوى فهم قائلها .
في مثل هذا الوضع يكون لجهاز المخابرات دورٌ ينفرد به بمشاركة القضاء حال عَودَة النجيفي الى مطار بغداد ، فيتمُّ اصطحابه بمعيّة منتسبين من الجهاز وهم يبدون له الأحترام على قدَر موقعهِ كرئيس للبرلمان العراقي ... يتم استجوابه في تلك المؤسسة المحترمة  بلياقة على ما فعله ، وتعميق الأستجواب الى طرح تصريحاته على طاولة البحث والمناقشة لتحديد مساوئِها على الشارع العراقي أولا ، ومستقبل العملية السياسية والعراق ثانيا . في هذا الطرح يحاوره المحققون ويسألونه وهو يردُّ عليهم ما يشاء حتى يتبين أنّ هذه التصريحات هي عملٌ مُبيَّتٌ يُراد منه الأساءة الى العراق ، وضرب العمليّة السياسية والوضع الأمني ، وتحجيمهما من عدمه ، ويبقى في النتيجة إما أن تُعرَض أوراقهُ التحقيقية على قاضي التحقيق لأتخاذ ما يلزم ، أو يتعين  توضيح خاص يحدده المحققون الى أسامة النجيفي أن تكرار مثل هذا العمل خط أحمر لا يُمكن التجاوز عليه ، بعد كلِّ الأجراءات قد يكون من الممكن الأكتفاء باعلان الأعتذار للشعب والدولة من خلال التلفزة المباشرة . أما أن يعود النجيفي الى العراق ويجلس تحت قبة البرلمان بروحٍ شقية تستهين بالآخرين فيُطلق مبررات جوفاء لما صرح به في واشنطن هو أمرٌ معيبٌ تماما ، واستهزاءٌ بالآخرين ، وتشجيعٌ للفوضى . جهازُ المخابرات يعمل كحدِّ السيف في إجراءاته ، ولا يخضع لمبرراتِ شخصية سياسية مسيئة تتلاعب بالألفاظ . هذه الخطوة تُبعد الشعب العراقي والدولة عن اللغط الساذج الذي يؤديه الأعلاميون وأعضاء البرلمان ، الشفافيون منهم والمنافقون ، دون أن يتحسسوا الأضرار وتبعاتِها ، وراحة الناس ونغصَ عيشهم . ما صنعه النجيفي حالة يستوجب حلها في في غرفِ هذه المؤسسةِ والقضاء لصدِّ كلّ ما يترتب عن تصريحاتهِ وتحجيمِها ، وحتى لا يتشجَّع هو والآخرون من أمثاله . يأتي هذا الأجراء بعدما نجدُ أنّ هذه المؤسسةِ بُنيَت على أسس ٍ صحيحةٍ بوسائل ناجحةٍ ، في كيان ٍ مستقللٍّ ، منضبط ، لا يقهره برغوثٌ ولا جمَل .
الفلاسفةُ المطالبون النجيفي بالأعتذار يعبرون عن قيمتهم المتخلفة في كيفية إدارة شؤون البلاد حتى ولو بقلوبٍ سليمةٍ وأيادٍ طاهرة .
قصةٌ لها معناها نختم بها حلقتنا هذه .. يُقال أن فيلسوفا صعدَ زورقا يعبرَ به نهرا عميقا وعريضا لينتقل الى مكان ينوي الوصول اليه .الذي يقود الزورق رجلٌ رَث ُّ الثياب ، فقيرٌ ، ُأمي . بينما هم يعبرون أظهر الفيلسوفُ لباقته وبدأ يعظ الرجلَ المسكين ببعض أفكاره حتى أزعجه ... ثم سأله ، هل تجيد يا ولدي الفلسفة ؟ أجابه بكلمة لا ... فردَّ عليه الفيلسوف ، لقد ذهبت حياتكَ سدى ... بينما يسير الزورقُ والامواج بدأت تتلاطم حتى صعدت وغطتهم جميعا ،  فأحسّ الرجل المسكين بخطورة الموقف وقد بدأ الزورقُ بالنزول غرقا . في تلك اللحظة سأل الرجل الأمي صاحبَهُ الفيلسوف .. هل تجيد يا فيلسوف السباحة ؟ أجاب... لا يا بُني ، فردَّ عليه ، لقد ذهبت حياتك سدى . عندها غرِق زورقهُما وغرق معه الفيلسوف ، فمات ، بينما الأمي الذي يجيد السباحة أنقذ حياته ،  ووصل الى الشاطىء بسلام  ...... للحديث بقيّة .

 

Share |