احداث الشرق الاوسط الحالية وبدء انهيار النظام الاقتصادي في الغرب/عبد الامير محسن ال مغير

Tue, 15 Jan 2013 الساعة : 19:22

ان احداث الشرق الاوسط جاءت وكما ذكرنا سابقا ضمن مخطط غربي ناجم عن شعور الغرب بفقدانه للريادة الاقتصادية وما يستتبع ذلك حتما من فقدان للريادة السياسية في العالم أيضا حيث عام 1944 حدد وبموجب اتفاقية دولية بدء ملامح النظام الامبريالي العالمي واعتبر الدولار مساويا للذهب واتخذ كمرتكز يستند عليه سعر الصرف العالمي على اثر انشاء البنك الدولي الا ان الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة وكأي دولة من الدول الغربية التي تورطت بصفة النهم الاستعماري حيث اقام الغرب نهضته التنموية والحضارية على حساب فقر شعوب العالم الثالث في كل من افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية الا ان الولايات المتحدة والتي اخذت زمام الهيمنة الاستعمارية وحلت محل الاستعمار البريطاني بعد انحساره واصبحت الان مدينة بألاف المليارات من الدولارات ومثلها الاتحاد الاوربي الا ان اوربا حاولت ان توسع قاعدتها في شبكة اقتصادية دولية في حين ان الولايات المتحدة بقيت معتمدة والى وقت قريب على الاقتصاد الامريكي لتلك الدولة والدول المجاورة لها ككندا والمكسيك وقد شعر علماء الاقتصاد الامريكيين بذلك فأخذو يطالبون بتوسيع قاعدة التعامل باتجاه شبكة جديدة من دول المحيط الهادي في حين بدء تحول ملموس في اتجاه جديد للاقتصاد العالمي نحو ما سمي بمجموعة ( البر يكس ) المكونة من كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وايران وحاول بعض علماء الاقتصاد في الغرب ليبدأه بتطبيق نظرية جديدة في الاقتصاد العالمي سميت (بنظام التنمية البشرية ) التي تستند على اربعة ثوابت اساسية هي ايجاد العمل لكل شخص بحاجة له ومستعد ان يؤديه والاشتراك الشعبي بصياغة القرار السياسي وهنا لا بد ان يحصل ذلك الاشتراك من خلال شيوع النظام الديمقراطي وان يوجد شخص منتخب لديه القدرة بأصدار ذلك القرار مضاف الى كل ذلك النهوض التنموي الثقافي ويبقى مثل هذا التوجه هو في حقيقة الامر محاولة غربية للتخلص من الازمات الاقتصادية التي يعاني منها الغرب صحيح ان مثل هكذا مسلك يعتبر تحول هام في تاريخ الانسانية المعاصر في حالة الوصول اليه وبشكل حقيقي الا ان واضعي هذه النظرية لا يريدوا ان يصلوا او يعالجوا اساس علة النظام الرأسمالي الغربي والتي جذرها يعود للعقلية الرأسمالية التي تتبنى الحروب كأساس لإخضاع الشعوب الاخرى وسلب خيراتها ومن هنا تبدء المشكلة حيث تستخدم الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في البلدان الرأسمالية وقود لتلك الحروب وهدفها هو تأمين الاسواق والمواد الاولية لمعامل كبار اصحاب المؤسسات المالية والشركات اللذين يقودون تلك الدول فتحدث الازمات الاقتصادية الناجمة عن تكدس المنتجات سيما الاسلحة بنتيجة تنافس المنتجين الرأسماليين دون ان يحصل تحديد لكيفية تصريف تلك المنتجات ومدى استعداد الاسواق العالمية لاستيعابها لذا رأينا كيف ان الصين ذات الاقتصاد الناهض والمنظم والذي جمع بين صفة الاقتصاد الحر والموجه وهذا هو سر تجاوز هذه الدولة لتلك الازمات لوجود التخطيط الدقيق بين القدرة الانتاجية والقدرة الاستهلاكية ويعتبر بنظرنا هذا هو العلاج الناجم لمشاكل العالم المعاصر صحيح ان الصين قد انتابتها عيوب أخيرا بنظر بعض علماء الاقتصاد بأن الكثير من مؤسساتها تحول الى نوع من البيروقراطية في الادارة ووجدت طبقات جديدة من الساسة ولكن نظامها السياسي لديه القدرة الفائقة على التجديد حيث استطاع ان يتجاوز ما وقع به النظام الاقتصادي والسياسي في الاتحاد السوفيتي من خلال سيطرة الادارة البيروقراطية وهيمنة رأسمالية الدولة وهذا هو احد اخطاء ستالين والتي حذر منها لنين بعد ثورة اكتوبر في روسيا اما في الولايات المتحدة فأن الرئيس الديمقراطي اوباما وتلافيا للانهيار الكامل في الاقتصاد الامريكي نتيجة المديونية الهائلة خصوصا للصين فكلما استطاع ان يفعله ان رفع عن كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة في خطته الاقتصادية الجديدة لمعالجة اختلال الميزانية العامة للدولة والميزان التجاري وما تواجهه امريكا من ازمة قاتلة كما ذكرنا هو أن اوباما لم يشمل الطبقات محدودة الدخل بما فرضه من ضرائب جديدة وقد حصرت تلك الضرائب بالطبقات الغنية ولكن ذلك ليس بالعلاج الناجع حيث ستبقى الدول الغربية الرأسمالية تعاني من أزمات متتالية للتفاوت بين الإنتاج والاستهلاك وعدم مراعاة العدالة في الدخول وما لم يحصل توازن في القدرات الانتاجية وتحديد اوجه حاجة الاسواق سوآءا داخل البلد او خارجه والحالة الاولى ممكن السيطرة عليها اما الثانية فلا بد من تنظيم عالمي بحيث يسود العدل بين الشعوب لا ان يطلق العنان لكاميرون وهولاند وامثالهما بأن يعيدا الكرة من جديد لتطلعاتهم الاستعمارية بغية التخلص من ازماتهم الاقتصادية بالاستحواذ على امكانات الشرق العربي النفطية مستغلين حاجة حكام الخليج لمن يوفر لهم الحماية من ( البعبع) الايراني في حين لا يوجد أي اساس لمثل هذا التخوف الذي تثيره الولايات المتحدة بين حكام الخليج ومما يثير السخرية ان البعض من المثقفين العرب يطلبون تبني النظام الخليجي الاقتصادي من خلال التشابه بين مكوناته السياسية وما يسود شعوبه من رفاه وفي حقيقة الامر ان هذا الرفاه هو ناجم عن غزارة الثروات وقلة السكان وقد ادخل الغرب ضمن حساباته وتخطيطه الجديد ذلك حيث ان القوى الغربية كشريك لأولئك الحكام تبتلع نسبة كبيرة من ثروات تلك البلدان والتي لولاها لما وصل الغرب لهذا الرقي الاجتماعي والاقتصادي ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في هذا العصر بأن ما يسهل النهوض الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة العربية هو حصول وحدتها القومية ولكن المأخذ على مثل هذه الفكرة هو ان اولئك المنظرين يعطون مثالا للتكامل الاقتصادي والاجتماعي لما سمي بمجلس التعاون الخليجي ويرومون ان تكتمل تلك الوحدة على ضوء كيانات ذلك المجلس مع ان الفارق في مجال الثروات متباينا جدا بين البلدان العربية مما يجعل وصول مكونات هذه الوحدة القومية الى تكامل في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية غاية في الصعوبة ما لم يسبق ذلك وعيا سياسيا بضرورة ذلك التوجه والاتجاه نحو نظام هجيني يجمع بين الاقتصاد الحر والموجه اما في العراق وبعض البلدان العربية التي اصابها التعثر جراء انعدام التخطيط الذي يتجاوز ما اصاب الاساليب الغربية من التنافس لجمع الثروات على حساب افتقاد وجود عدالة في توزيع تلك الثروات اضافه الى ان الاقتصاد في بعض البلدان العربية هو اقتصاد احادي الجانب اعتمد الثروة النفطية واذا ما ذكر الاقتصاديون بما يسمونه بتصاعد النمو الاقتصادي فهو نمو يعتمد على واردات الثرة النفطية فقط دون ان يحصل تكامل بازدهار جوانب اخرى كالزراعة والصناعة وبمعنى اخر بأن الوصول الى تكامل تنموي في العراق لا بد ان يحصل تجاوز لما تركته حروب صدام والحصار وما اعقب كل ذلك من احتلال حيث ان وضع العراق لما بعد التغيير يشبه والى درجة كبيرة بعض دول الخليج لما بعد عام 1970 عندما ترك النظام البريطاني تلك المنطقة واستلب منها ثروات هائلة وحل محل ذلك الاستعمار الهيمنة الاقتصادية الأمريكية الا ان الامريكان يختلفون في كيفية تعاملهم مع دول الخليج فقد قاموا ببناء اسس جديدة للأخذ بنهوض هذه البلدان ودعمهم بالخبراء الاقتصاديين فالنفوذ الامريكي الجديد ومع انه وضع يده على ثروات هائلة في بلدان الخليج الا ان اسلوبه بالتعامل مع تلك الكيانات السياسية يختلف عما كانت تتبعه الامبراطورية البريطانية التي كان همها بالدرجة الاولى وضع يدها على تلك الثروات دون الاهتمام بالسعي لتطوير السكان والاخذ بيدهم وهنا نجد الفارق بين النظامين البريطاني والامريكي ففي الحالتين لم يكن حكام الخليج سوى حراس على تلك الثروات لكن في الحالة الاولى تأخذ بريطانيا كل شيء تقريبا في حين في الحالة الثانية تعطي الولايات المتحدة بعض الشيء لولئك الحكام وتساهم بتطوير تلك البلدان ولا بد ان نثبت هنا بأن الهجمة الشرسة على العالم العربي اعتمد فيها الغرب توجها جديدا بكيفية اعادة هيمنته على هذه المنطقة واساس ذلك التوجه اسلوب التفرقة الطائفية بين شعوبها وان تعتمد بترسيخ تلك التفرقة على بلدان قد تجاوزها التطور الحضاري وتخشى شمولها بما سمي بنظرية الفوضى الخلاقة.

Share |