ظاهرة التكفير عبر شبكة الإنترنت.. خطيئة الألفية الثالثة /علاء كولي
Sun, 13 Jan 2013 الساعة : 16:15

شهد العالم العربي مثلما شهد العالم بصورة عامة تحولات كبيرة وربما أبرزها التكنولوجيا، ومثل الانفجار العالمي في التطور مراحل كبيرة، وقد نال عالمنا العربي حصة من هذا التطور، فيما مثل الإنترنيت أبرز هذه المظاهر بظهور مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب)، والتي مثلت النافذة الأكبر والأشهر للشعوب العربية في التعبير عن أفكارها بكل أيدلوجياتها، ومثل هذا الانفتاح جعل منه صريحا في التعبير عن الآراء والأفكار بكل حرية لكن التعبير عن الرأي أخذ مساحة كبيرة جدا في هذه المواقع بفعل الخيارات المتاحة أمام المستخدم في أن يرتدي اسما وشكلا جديدا، بالتالي لا احد يقدر التعرف عليه كونه يدخل متخفيا تحت اسم آخر، اسم وهمي وهذه فرصة كبيرة جدا للكثيرين في الهروب من الواقع إلى العالم الافتراضي كما عبر عنه الكثيرون، أسماء وهمية بعدد كبير جدا لكن التعبير عن الرأي أخذ يتعدى إلى مناطق أخرى فبات البعض منظرا لجهة معينة، والبعض الآخر أخذ يصدر الفتاوى والبيانات الرسمية، مستغلا هذه المساحة الافتراضية، فيما بات البعض الآخر وربما هو الأكثر انتشار بل أصبح يمثل ظاهرة لافتة، وهي عبارات التكفير التي يطلقها هؤلاء المستخدمون ضد البعض الآخر وفتاوى التكفير الافتراضية التي باتت التكنولوجيا احد محركاتها وبرامج الحاسوب المتطورة في عمل ونشر أي فتوى مزيفة أصبحت هي الوسيلة الأشهر لكن الأكثر تضررا هم ثلة من الكتاب المستقلين والبعيدين عن أي انتماء او حزب او أيديلوجيا قد تقيد أفكارهم، لذلك باتوا يشكلون خصما وندا تاريخيا لهم، ويرى الكثير من الكتاب والمفكرين وبعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أنها ظاهرة مخيفة ومرعبة لهم، وقد يتحول هذا الزعم الافتراضي إلى حقيقي وبالتالي يكون خطرا اكثر على الواقع.
ويرى الكثير من الكتاب هذه الظاهرة المستفحلة أنها ظاهرة مخيفة، وهي تأخذ أشكالا كبيرة في رفض الآخر، فيما يقول الكاتب والمدون بلال الموسوي ربما أصبح الإنترنيت الوسيلة الوحيدة للخروج عن المألوف في مجتمعاتنا، ونقد الواقع الذي نعيشه من تخلف فكري واجتماعي، وهذا برأي أصحاب العقائد الدينية رأي شاذ وكافر ويقصد به معاداة الدين، والى آخره من تلك التهم، وهم نسوا ان بتعدد الآراء تكسب الحقيقة، وهم بهذا الأسلوب يمنعون كل إبداع وفن والنقد بكل أنواعه بفتاوى متعصبة وتكفير باسم الدين.
فيما قال الشاعر محمد عبدالكريم الشيخ إن الانفتاح الذي وصل إليه الإنسان في العالم العربي في السنوات الأخيرة من القرن الحادي والعشرين جعل منه صريحا بطرح آرائه، وساعد ذلك مصطلح العولمة التي دخلت وأهمها «النت»، فكل مرتاد أخذ يرسم لنفسه صورة رقمية يعبر بها عن تطلعاته وتوجهاته، ويحاول أن يشابه بها الصورة الخيالية التي تمنى أن يكونها في الواقع، ولم يستطع نتيجة الظرف أو العرف، وتابع الشيخ، لذلك كان الأشهر في شبكة الإعلام التفاعلي النت بكل صيغ تواصله من برامج أن يطلوا أغلبية المرتادين من خلال نافذة التخفي بالاسم المستعار والصورة الرمزية، وبذلك ترفع كل القيود التي قيدها به الواقع المعاش وبما أن الصبغة الأعم لواقعنا في العراق مثلا من حيث السلطة والمجتمع هي صبغة دينية، ولكن الأغرب بالموضوع ان الكثير ممن يدعي التدين يقبع خلف اسم مستعار وصورة رمزية، حيث يبرهن لنا عن مدى حمله لثقافة التخفي والمخاتلة التي اشتهرت أيام الطاغية المقبور صدام، بينما يخرج المنتقد واضحا باسمه الصريح وصفته الملونة وتفاصيل معلوماته الدقيقة، فالأول مازال يفكر هو ومن ينتمي لهم بطريقة التخفي والمخاتلة والخوف والترهيب لأنه فطم عليها، وحتى مسؤوليهم يديرون إدارتهم بذات الاسم والصورة الضبابية، وتابع الشيخ، بينما الآخر (المنتقد) نراه يعلن عن نفسه بطموح كبير للوصول إلى حلم النور الذي كان ينتظره وقد تصل الأمور في بعض الأحيان بين الطرفين إلى السب والشتم والتشهير وحتى التكفير.
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب السوداني أحمد الطيب أن هؤلاء يريدون أن يعيشوا في مجتمعات مغلقة ترفض الإبداع والابتكار وأدلجة الاستبداد بنصوص دينية، ويريدون من مجتمعاتهم عدم الوعي والتبعية لهم ولسجونهم المغلقة ولأفكارهم المستبدة، وهذا هو التكفير لأنهم يسجنون حرية الفرد، والتطرف هو تعبير يستعمل لوصف أفعال تمت من قبل مجموعة معينة أو فرد معين بطريقة تخالف الأيديلوجية الاجتماعية للمجتمع. وتكون أفعال غير مبررة مثل القتل أو شن الحروب أو الجمود في فكرة معينة.. ويستعمل هذا التعبير أيضا لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغيير سياسية أو اجتماعية.
باستخدام طرق ووسائل غير مقبولة لدى المجتمع مثل استخدام الأسلحة او التخريب أو العنف للترويج لأجندة معينة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وهو ظاهرة سلبية تؤدي بالمجتمع الى التفكك والحقد والتفرقة.
تكفير مباشر
فيما تعرض مجموعة من الكتاب والشعراء في عدد من البلدان العربية خصوصا تلك البلدان التي تشهد عدم استقرار سياسي، مثل هذه الحالات، فمثلا تعرض المخرج والممثل المسرحي إحسان البيروتي لتهديد.. يقول البيروتي أنا اعتقد ان هناك حملة ضد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل منظمات المجتمع المدني وربما هناك البعض يقول إن منظمات المجتمع المدني هي تدعو إلى حرية الإنسان والمطالبة بحقوقه، أنا اختلف معهم بكثير، كوني أحد المتعرضين للتكفير عبر «فيسبوك» من قبل بعض الناشطين في منظمات المجتمع المدني، وهذا ما قاله أحدهم ضده «لقد كان لي حوار مع الشاب احسان البيروتي، وكان يسب الله كثيرا»، هذا هو كلام أحدهم موجهاً لي عبر فيسبوك وأمام الملأ أنا برأيي اعتبر هذا الشيء هو تكفير لي، وهذا الحوار كله موثق، فيما قال ناشط آخر أيضا ضدي «والله (البلوك) يليق لمثل هكذا نماذج لأن المثليين الجنسيين لا يتجرأون بقدر ما يجرأون عليه هؤلاء».
خطيئة الألفية الثالثة
ويرى الكاتب والشاعر مؤيد بلاسم أن هنالك مرضا أصاب العقل الجمعي العربي وأصبح أشبه بالصدعة، وهو التكفير، هذه الآفة التي التهمت كل ماله علاقة بالتنوير والحداثة والتعايش السلمي، مشكلة التكفير تتعلق بالشحن الطائفي ومحاولة أحداث رؤى طائفية وانتكاسة اجتماعية لتعيش العصور الوسطى، حيث يتقاتل الفقراء لحماية عروش الطائفيين، الثورة والاتصالات وازدحام الفضائيات والضخ البترودولاري مشكلة التكفير يمكن توصيفها بأنها خطيئة الألفية الثالثة هذا الداء العضال انتقل من الواقع المعاش الى العالم الافتراضي بعد ان تداخلت العوالم وافتتحت الحدود بين الحياة اليومية وصفحات التواصل الاجتماعي على الديجتال، لذلك فأن من يحمل واقعا مأزوما وفكرا متطرفا لابد أن ينعكس على ردود فعله على فيسبوك وتويتر وأخواتها.
وفيما يرى كتاب وصحافيون أن هذه المشكلة تكمن في الوعي وربما أبرزها الوعي الديني، فالتطرف في السنوات العشر الأخيرة أخذ مساحة واسعة في العالم خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وتبني «القاعدة» لها ثم التغيرات التي حدثت بالعراق بعد العام 2003 ودخول تنظيم القاعدة في العراق واستخدامها كل شيء ضد الشعب العراقي من تفجير وقتل واغتيال ونهب واغتصاب وسرقة، وهذا حدث أيضا في أفغانستان بدخول قوات شمال حلف الأطلسي (الناتو) بحثا عن أسامة بن لادن الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة في العالم بعد أحداث التجارة العالمي في أميركا في العام 2001، ثم تجنيد متطرفين جدد في هذا التنظيم، واستخدام هذا التنظيم لوسائل التكنولوجيا في بث جرائمه المصورة عبر الإنترنيت، ثم فتح مواقع إلكترونية خاصة لهم، وبالتالي أصبحوا على مسافة واحدة وقريبة جدا للكثيرين، هذه التكنولوجيا التي عبر عنها كتاب عرب باتت لعنة كبيرة على العالم، خصوصا انهم دخلوا في مراحل أكثر تطورا، وهي مراحل التكفير على مواقع وحواسيب ومؤسسات دولية كبيرة دعما، والحصول على الأموال أو الأموال التي تأتيهم من دول نافذة في المنطقة.
ويرى الناقد والكاتب السعودي عبدالله الغذامي حول هذا الخطاب الافتراضي «هو خطاب مستور، ومن المفيد أن يتكشف ويكون على الأشهاد لكي نرى ويرد من شاء ويناقش من شاء، والخطر كل الخطر بالمنع فهو الأخطر»، وأضاف الغذامي أيضا هي مشكلة كبرى، ولذا تحتاج منا إلى جهد ووقت لنعريها ونكشف خطرها، والحوار ليس مع الشخص نفسه ولكن حول الظاهرة، مما يحاصرها ويعريها».