مباديء الاعلام الاسلامي-الحلقة الثالثة/محسن وهيب عبد
Fri, 11 Jan 2013 الساعة : 15:17

تعريف الإعلام الإسلامي
الإعلام الإسلامي:
كان التكليف الأول الذي أمر الله به أبانا آدم عليه السلام، والأنبياء من بعده عليه السلام بعد خلقه هو مهمة الإبلاغ، اذ هو مهمة كل الرسل .. والإعلام بمعناه الأوفى؛ هو الإنباء عن حدث، فهو إلفات نظر الآخرين الى حقيقة حدث ما.
قال الله تعالى
(فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ااسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) .
وحصر الله تعالى مهمة الرسول بالبلاغ فقال:
(ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون)
فالبلاغ والبيان والإنذار والتبشير، كلها إعلام في مهام الرسل، لنعلم أية أهمية يحظى بها الإعلام في إنسانية الناس ومهام خلقهم.
وهكذا هي مسيرة الحياة الإنسانية تمضي ضمن سلسلة علاقات متعددة تقوم على اتصال الإنسان بالإنسان أفراداً وجماعات وأمماً، حتى برزت اخيرا سلسلة من المعارف كان منها علم الإعلام.
والإعلام بدأ بنقل المعلومة من شخص أو أشخاص إلى آخرين، وذلك عن طريق الكلمة المنطوقة لتصل مباشرة من الفم إلى الأذن دون وسيط أو وسيلة، بجانب نقل هذه الكلمة أيضاً عن طريق البصر مباشرة كما هو الحال في الصور أو الرسم، وظلت حاسّتا السمع والبصر (الأذن والعين) ، هما المداخل الأساسية لإدراك الكلمة والتي تمثل رسالة مقصودة من جانب مرسلها إلى آخر مستهدف بها،
أي: أداة للتفاهم وزيادة المعرفة. حتى كان التطور السريع الذي صاحب العمليات الاتصالية عامة والإعلام بصفة خاصة، حيث أصبحت هذه الكلمة أو المعلومة والتي اُصطلح عليها باسم الرسالة الإعلامية تنقل من شخص أو أشخاص إلى عالم متّسع من المتلقّين عن طريق الأذن، ولكن بوسيلة جديدة وجهاز جديد عُرف بالراديو... وتنتقل أيضاً على أنظار الملايين وعيونهم عن طريق التلفاز أو غيره من الوسائل المرئية الحديثة، مما جعل العملية الإعلامية تتحول شكلاً ومضموناً وهدفاً، حيث لم تعد مجرد خبر ينقل أو تسلية في وقت فراغ، بل أصبحت تمثّل نشاطاً هادفاً يسعى إلى العديد من الأهداف والتي تتركز في معظمها على التأثير والإقناع بهدف إحداث التغيير والتحويل نحو أهداف ومبادئ وقيم يسعى إليها صاحب الرسالة ومرسلها، سواء كان ذلك في عالم القيم والمثل أو الاتجاهات والمبادئ والمذاهب، وبهدف استمالة المتلقّي (السامع أو الرائي) واعتناقه قيمَ صاحب الرسالة واتجاهاته ومبادئه.
ومع تطور الحياة السياسية والاجتماعية تعدَّدت الدول وقامت معظمها على مبادئ وأفكار وقيم مختلفة، وكل دولة تسعى لسيادة مبادئها وانتشار أفكارها وإخضاع الآخرين لما يرونه من مبادئ واتجاهات، فكان هذا الصراع العالمي الذي اتخذ شكل الحروب والقتال والغزو العسكري.
وظهر الإعلام سلاحاً خطيراً في هذا الصراع الدولي، ولا سيما بعد أن توفرت له وسائل متطورة، لها قدرة الوصول إلى أيِّ مجتمع أفراده وجماعاته وبسهولة وبساطة..، فحظيَ الإعلام بذلك باهتمام كبير من جانب الدول والمجتمعات والهيئات في عالمنا المعاصر، وأصبحت الرسالة الإعلامية تحمل فكر مرسلها، وتعمل في كافة مجالات النشاط الإنساني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفنياً، فكان الإعلام بذلك قوة فاعلة تربط المجتمع الإنساني بمضامين واتجاهات متعددة بغرض التحول والإقناع، ومن ثم الإتباع والولاء.
وعلى الرغم من إيجابيات هذه الثورة الإعلامية والوسائل المتطورة في مجال التثقيف والإخبار، وربط المجتمع البشري بما يحدث في أنحاء العالم لحظة بلحظة، وما تحقق من وعي ويقظة فكرية بين الأجيال الجديدة في هذا العالم... فان المسلم ذا العقيدة يقف اليوم إزاءه عاجز ، حيث يرى في الكثير من الإعلام المعاصر غزوا إعلاميا لا قبل له به يتمثل بهذا الفيض الهائل من البرامج المسموعة والمقروءة والمرئية والتي تحملها أجهزة متطورة يوماً بعد يوم لدليلٌ واضح على خطورة الإعلام وأهميته بالنسبة لأي جماعة أو دولة تتطلّع للسيادة وحماية لعقيدتها ومجتمعها وثقافتها. بما هي سلبيات خطيرة ومظاهر سالبة انجرف إليها الكثير من المسلمين ومؤسساتهم ودور النشر والطباعة، سواء كان ذلك بغرض الهدم المقصود لما تعارف عليه الناس من قيم ومُثُل أو الكسب المادي السهل، وكلها ولا شك قادت نحو آثار سالبة ظهرت في العديد من الدول، وخصوصاً في مجال الفكر والثقافة والآداب العامة، مما أوجد صراعاً رهيباً في عقول الناشئة ومعارضات سالبة من جانب المفكرين والمربِّين.
فقد ساعد الاعلام الحديث على بروز صراع بين الثقافات المتعارضة في العالم بل وبين دول مختلفة ليضع الأجيال الحالية في حيرة، بل وأحياناً في ضياع وتِيْهٍ... ولعلَّ من مساوئ هذه الهجمات والأفكار ما كان منها بغرض الاستهداف والاعتداء والافتراء على نظم بعينها أو مبادئ سائدة بغرض تحقيق انصراف الناس عن هذه المبادئ أو الثورة على هذه النّظم بما يحقق سيطرة أفكار ونظم الجهات التي تقف خلف هذه الرسائل والبرامج الإعلامية الغازية.
تأثرت المجتمعات المسلمة بمضامين وأهداف الرسائل الإعلامية الصادرة من أجهزة الإعلام المختلفة، ولا سيما بعد تحكم العولمة وسيطرة الشبكات الإذاعية والأقمار الصناعية.. ولما كانت المصادر الإعلامية في معظمها بعيدة عن هدي الإسلام ومبادئه، وموجهة من قبل جهات معادية للإسلام، أو اقل ما يقال عنها انها غير حريصة على تقديم مفاهيم الإسلام وتوجيهاته ضمن مضامين برامجها، فقد أتاح ذلك سيطرة ملموسة على ما يصل العقل المسلم من برامج منحرفة عن هدي الله، حتى أصبحت مثل هذه البرامج قضايا مسلّماً بها لدى بعض الناشئة، حيث صاروا يرون انها من أساسيات التقدم الذي لابد منه في حين لازالت، مؤسساتنا الإسلامية لا تمتلك حتى الفهم لماهيات الاعلام الإسلامي وخطورته.
ولعلَّ من أهمِّ الأسباب التي حالت دون تقدّم الإعلام الإسلامي ورسالته ما يلي:
أولاً: تركيز علماء المسلمين وطلاب العلم وجامعاتهم على العناية بالعلوم الشرعية والأصول الإسلامية ودراسة اللغة العربية. وهذا أمر طبيعي ومطلوب دائماً ولا شك، ولكن الأمر كان يتطلَّب بذل الجهد والعناية بالعلوم الحديثة، والفنون الإنسانية الجديدة ومنها الإعلام دراسة وتأصيلاً، ونقداً وتحليلاً؛ بما يوفر طاقات علمية قادرة على الإسهام بالجديد الملتزم بهدي الله، سواء في مجال البرامج أو التقنيات أو القوى البشرية المدرّبة.
ثانياً: لما كان الإعلام الموجَّه لدول المسلمين صادراً عن مصادر أقل ما يقال عنها: إنها بعيدة عن الإسلام أو غير متحمِّسة لنشر مبادئه إن لم تكن معادية تماماً؛ فإن هذه الرسائل جاءت متأثرة بعادات وتقاليد أصحابها التي كانت في معظمها مخالفة لشرع الله، سواء في المضمون أو الشكل أو الإخراج، مما أوجد معارضة من المسلمين عامة وعلمائهم خاصة، حتى اعتبر بعض طلبة العلم أن ما تقدِّمه وسائل الإعلام في حكم المحرّم شرعاً، بل وصل الأمر عند بعضهم بتحريم الأجهزة التي تحمل مثل هذه البرامج، وظلَّ ذلك الأمر لفترة طويلة أتاحت سيادة البرامج الغربية المنحرفة.
ثالثاً: عندما أدرك المسلمون خطورة الإعلام، واستحالة صدِّ ما تبثّه الوسائل المختلفة ومنع تأثيرها على الناشئة خاصة والمجتمع عامة؛ لم يكن أمام المتحمّسين والحريصين سوى النموذج الغربي في التوجه روحا ومنهجا وفي البرامج تصويراً وإخراجاً، وهنا تكمن الكارثة.
لان الإسلام كعقيدة كاملة لا تعدم المضمون ولا المنهج هذا من جهة ومن جهة أخرى، فان المسلمين لم يعوا ولم يستوعبوا تماما ذلك المضمون من عقيدتهم، ولم يتعبوا أنفسهم في وعي المنهج الإسلامي في الاعلام..
رابعاً: أن محاولة تأهيل جيل إعلامي متخصص في فنون الإعلام وتقنياته كان عن طريق توجيه هذا الجيل نحو المؤسسات الإعلامية في بلاد الغرب، فعادوا يحملون ليس فقط تقنية الغرب بل وفكر الغرب، فنشأ جيل إعلامي يحمل في ظاهره اسم الإسلام ويفكر بعقل الغرب ومنهاجه ووسائله، التي ينكرها الإسلام ومبادئه، والتي هي أساسا لا تمت للإسلام بصلة.
من أجل هذه الأسباب وغيرها أصبح العالم الإسلامي في معظمه تابعا للإعلام الغربي وموجها من قبله، ومستورداً لبرامجه وفنونه بل وأفكاره ونظرياته مما يجعلنا نشك بوجود إعلام إسلامي أصيل على الإطلاق.