واقعية السحر وتاثيراته وانه ليس وهما وخرافة والاستدلال بالقران الكريم - ابراهيم عفراوي
Sun, 3 Jul 2011 الساعة : 18:00

عند التطرق لموضوع السحر والسحرة وما يتعلق بهما بين الاوساط الاجتماعية المختلفة نرى نسبة كبيرة منهم قد اتخذ فكرة او انطباعا راسخا بان السحر وهم وخرافة لاحقيقة له ولاتاثير بل اننا قد نجد بعض الكتاب والاعلاميين يطلق لنفسه العنان في مقالاته او مواضيعه و قد الغى واقعيته وتاثيراته وادرجه في فروع الخرافات والاوهام والاباطيل التي لا حقيقة لها على ارض الواقع دون ان يعزز ارائه وافكاره بادلة تكون سندا له فيما يقوله ويدعيه مما ورد عنها في القران الكريم او عن رسولنا الاكرم عليه افضل الصلاة والتسليم او في احاديث الائمة الطيبين الطاهرين عليهم السلام او الصالحين من عباد الله من علماء ديننا وشرعنا حفظهم الله ذخرا لنا في الدنيا والاخرة والذين هم بمنزلة انبياء بني اسرائيل . ان الخطورة الحقيقة في نشر تلك الافكار بان السحر وهم وخرافة لاحقيقة له ولاتاثير قد استغلها بعض ضعاف الايمان والعقول والذين تجردت نفوسهم من كل صفات الانسانية ومعانيها السامية واصبح السحر بايديهم سلاحا فتكا وخطرا وقاتلا للاضرار بالاخرين واذيتهم في انفسهم واموالهم وحياتهم ومستقبلهم حتى انه اصبح الاداة المفضلة لديهم لقتل نفوس بريئة . بل ان تلك الفكرة قد الغت الدور الاجتماعي الذي لابد من الاهتمام به من اجل نبذ السحر والسحرة ومحاربتهم وقطع دابرهم لانها زرعت تصورا غير حقيقي وافكارا خاطئة عنهم وعن واقعية ومقدار الاضرارالتي تسببها اعمالهم الشيطانية للفرد والمجتمع والانسانية بصورة عامة فضلا عن اثارها السلبية على قضايا اولئك الذي ذاقوا الامرين وظلموا ببلاء السحر واثاره واضراره ليدرج ماتعرضوا له في خانة لاتمت باي صلة لما يعانون منه كالامراض النفسية مثلا . ونظرا لاهمية هذا الطرح الفريد لعالم من علمائنا الاجلاء الا وهو السيد الشهيد المظلوم محمد صادق الصدر ( قدس ) والذي اكد من خلاله على حقيقة السحر وانه ليس وهما او خرافة كما اشار اليه البعض وجدت من المناسب اقتباس هذا الجزء المهم من كتابه المؤسوم (ماوراء الفقه ) الجزء الثالت منه لما له من اهمية في توضيح الحقيقة :
(( قد يستدل بالقران الكريم على ان السحر تخييلي وليس واقعي بشكلين يعتبر احدهما تعميقا للاخر : الشكل الاول : قوله تعالى : ( يخيل اليه من سحرهم انها تسعى ) وكذلك قوله تعالى :( سحروا اعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) . والاية الاولى نص في ان مافعله السحرة انما هو التخييل . والاية الثانية تنص على انهم سحروااعين الناس . وبعد التجريد عن الخصوصية , يعني ن نفهم ان المراد ليس هو العين بذاتها وانما هو ابصارها واحساسها . يرجع المحصل العام لهذه الاية الى سابقتها .ويكون معنى الايتين الكريمتين واحدا . وهو ان السحر هو التخييل . الشكل الثاني : ان نستدل بالاية الثانية السابقة : ( وجاءوا بسحر عظيم ) ونقول انها وصفت السحر الذي فعلوه بانه عظيم فاذا ضممنا ذلك الى الاية الاولى التي تدل على انه تخييلي استطعنا ان نفهم ان كل السحر تخييلي لان السحر العظيم اذا كان كذلك فكيف بغيره .ولابد ان يكون السحر العظيم هو اعلى انواع السحر , وهو في نفس الوقت تخييلي . اذن لايوجد في السحر ماهو غير تخييلي بنص القران الكريم .
وهذا الوجه تعميق للوجه الاول , وهو في غاية مايستدل به الذاهبون الى هذه النتيجة من المفكرين . الا انه قابل للنقاش من عدة وجوه اهمها : اولا : انه ثبت في علم اللغة وفي عالم الاصول ان العطف دال على التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه . ولايمكن ان يكون تعبيرا عن شئ واحد . وقد عددت الاية الثانية ثلاث امور من تاثير السحر : اولا : سحروا اعين الناس , ثانيا : استرهبوهم . ثالثا : جاءوا بسحر عظيم .
ومقتضى التغاير بين العناوين المتعاطفة في الاية الكريمة , ان السحر العظيم ليس هو السحر لاعين الناس بل غيره . ولئن كان سحر اعين الناس تخييليا فان السحر العظيم ليس تخييليا بل هو واقعي .ولااقل من احتمال ذلك بحيث لادليل من الاية على خلافه . بل هو ظاهر الاية لانه مقتضى التغاير في العطف .فاذا اتصف احد القسمين بالتخييل كان القسم الاخر خاليا منها .اذن فالاية الكريمة دالة على وجود السحر الواقعي وليست دالة على نفيه .كل مافي الامر ان هؤلاء السحرة قد يكونوا جاءوا بنوعين من السحر احدهما تخييلي والاخر واقعي .
ثانيا : ان التاثير السحري على العين او على الخيال تاثير على الواقع لانها من مصاديق الواقع على اي حال . واذا امكن التاثير على الواقع احيانا امكن دائما .ولادليل على ان التاثير التخييلي اسهل من التاثير الواقعي . بل لعله اصعب لان النفس حسب ما نعرف صعبة المراس اكثر من الطبيعة فالتاثير عليها اقوى واشد . فاذا امكن للسحر الامر الاشد امكن الامر الاخف وان ناقشنا بكونه اشد فلا اقل من التساوي فيكون امكانهما متساويا .
ثالثا : ان الخيال غير الوهم ,وان استعمله الناس في معناه عرفا والطاقة النفسية التي تؤدي الى مخالفة الواقع او ادراك مايخالفه هي الوهم وليست الخيال . كما ثبت في الفلسفة .واما الخيال فهو قوة نفسية حقة قال بعض الفلاسفة انها خلقها الله تعالى لرؤية الموجودات المجردة عن المادة . بعد ان كانت هذه العين الباصرة الدنيوية قاصرة عن رؤيتها .
وهذا هو ظاهر كلام ابن عربي في الفتوحات المكية وصدر المتاهلين وفي الاسفار الاربعة . فقد نقل عن الاسفار عبارة عن الفتوحات موافقا لها ومعترفا بصحتها ننقل منها محل الحاجة .( فاعلم ان هذه المقامات المذكورة لايدرك الا بعين الخيال لابعين الحس اذا شوهدت فان صورها اذا مثلها الله فيما يشاء ان يمثلها متخيلة فنراها اشخاصا راي العين كما نرى المعاني بعين البصيرة ..... الى ان قال.......... ويقع بعض ما يشاء العبد في الدنيا في الحس واما في الخيال فكمشيئة الحق في النفوذ فالحق مع العبد في هذه الحضرة على كل حال مايشاؤه العبد كما هو في الاخرة في حكم عموم المشية لان باطن الانسان هو ظاهره في الاخرة فلذلك عن مشيته كل شئ اذا اشتهاه الى اخر ماقال )) ( ابن العربي ص379 ج2)
والعبارات الدالة على ذلك عديدة لاحاجة الى استقصائها . فاذا عرفنا ذلك راينا الاية الكريمة تقول : ( يخيل اليه من سحرهم انها تسعى ) ولم تقل يتوهم ذلك , اذن فهذا الاحساس حق وليس ببابطل وهو المطلوب .
وقد يقال : ان فهم الخيال بهذا النحو اصطلاح فلسفي ولايمكن ان نفهمه من النصوص الاسلامية الاولى : الكتاب والسنة وانما نفهم ماعليه العرف , والخيال في العرف غير مطابق للواقع .وهذا على القاعدة صحيح , بمعنى ان القاعدة نفسها صحيحة . الا ان تطبيقها في هذا المورد لايخلو من المناقشة . لان العرف لاشك يدرك فرقا بين الوهم والخيال . الا انه لايستوضحه بجلاء . وكل مايدركه العرف اجمالا ولايعرفه تفصيلا , فمن اين نستطيع ان نفهم التفصيل ؟ فههنا لايكون العرف مدركا له ولاحجة فيه , لانه لايعرفه . فمن الطبيعي ان نبحث عنه في مصادر اخرى معمقة . فان الاية استعملت لفظ الخيال وهذه المصادر تعرفنا على حقيقة الخيال . اذن ,فالقران الكريم غير دال باي حال ,على ان السحر كله مجرد تخييل او ايهام باطل , كما يريد الناس ان يفكروا ويقولوا . )) ( ماوراء الفقه ج 3 السحر )
واود الاشارة الى ان الله تعالى يعزز النبي الذي يختاره لهداية قومه بمعجزة لتكون سندا ودليلا له على صدق دعواه و حافزا لايمان الناس بالله تعالى والتسليم لارادته وهي لابد ان تكون مطابقة لما شاع وانتشر فيما بينهم ففي زمن موسى ( عليه السلام ) شاع السحر واستخداماته في كل مجالات الحياة وبكل فروعه واصنافه بل ان فرعون نفسه كان يعتمد على السحرة في حكمه وبناء دولته وادارتها وكانوا مقربين اليه وذوي منزلة عظيمة لديه والناس ايضا امنت بهم واتبعتهم واعتمدت عليهم في الكثير من امورهم ومايعترضهم من مشاكل ومصاعب وكان سحرهم حقيقيا لاوهما وخرافة كما يدعي البعض فالمعجزة التي عزز بها نبي هذا القوم لابد وان تتطابق وتتفوق على كل الاعمال او الافعال المطابقة لها و الواقعية التي جربها الناس مرارا وتكرار ولمسوا تاثيراتها بانفسهم اضافة لهذا فان السحرة انفسهم ماكانوا ليطلبوا من فرعون منازلة موسى في الوقت المحدد لو لم يكونوا واثقين بواقعية سحرهم وقوة تاثيره في النفوس و قدرته على قلب الحقائق وانه لايمكن لاي انسان ان يتفوق عليهم لما يمتلكونه من علم ودارية وخبرة وتجربة امتدت لسنين عديدة وما استسلامهم وايمانهم بالله تعالى وتصديقهم بما جاء به موسى ( عليه السلام ) ودعواه الا بعد ان ادراكوا بان تلك القدرةالتعجيزية الواقعية التي جاء بها النبي لايمكن الا ان تكون قدرة الهية معززة من السماء.قال تعالى ( فاوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لاتخف انك انت الاعلى ) ان بعض هؤلاء الملعونين في الدنيا والاخرة قد تخصصوا في هذا الفن المارق عندنا في العراق وفي البلدان الاسلامية واقتبسوا من اسيادهم اليهود المتسلطين على رقاب الشعوب نفس تصرفاتهم وافكارهم الاستحوذاية وتجاوزتهم على كيان الانسان وحياته وحقه الشرعي فيها وباستخدامهم السحر الفرعوني الموثر في العيون والنفوس والعقول والذي يقلب الحق باطلا وبالعكس ومنهم سحرة ابودشير المجرمين الذي كانوا سببا في قلب كيان وتدمير حياة ومستقبل الفنان المرحوم اسماعيل عفراوي ( اسير وشهيد السحر) فقد كان من ضمن مخططاتهم وتاثيراتهم التي قلبت حياته وكيانه التاثير على بصيرته وبصره وجعله يعيش عالما بعيدا عن الواقع ملؤه الذعر والخوف والقلق والتقييد والعزلة والانطواء ورؤية الاحلام والكوابيس التي لا انقطاع ورؤية مالايراه الاخرون والذي يعتبره اطباء النفس من قبيل الهلاوس البصرية التي لاحقيقة لها او انها من افرازات العقل الباطن او غيرها من التاويلات في حين انها امرا واقعيا بالنسبة له ولغيره من المظلومين الذي دفعوا الثمن غاليا جراء افعال السحرة المجرمين و الجهل العلمي لحقيقة مايشعرون به والذي يمكننا ان نستلهم حقيقته من شعور نبي الله موسى ( عليه السلام ) بالخوف مما راته عيناه وهو امر حقيقي بالنسبة اليه ومن كان حاضرا في تلك المنازلة العظيمة التي خرج فيها منتصرا على فرعون واتباعه بقدرة وحكمة ونصرة الله تعالى له .
http://www.youtube.com/watch?v=ZCaJz2QrARs