مباديء علم الاعلام ( الحلقة الاولى)/محسن وهيب عبد

Sun, 6 Jan 2013 الساعة : 11:42

تمهيد
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين لا سيما بقية الله في الارضين واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الله أجمعين.
لا احد يشك مطلقا بأهمية الإعلام في كون الإنسان؛ وجوده حياته وعقله، ذلك لان عقيدة الانسان، مهما كانت؛ وضعية او سماوية، فإنما هي معنى للكمال فيه، والذي نراه يتحقق من خلال أمرين هما:
1- مقدار استجابة العقيدة لحاجات الإنسان، بالكم والكيف.. وكما يعلم الجميع ان هناك كم هائل من حاجات الانسان، وتقدير الكمال في العقيدة يتحقق ليس فقط من عدد الحاجات التي تستجيب لها العقيدة بل من نوعية الاستجابة في جذريتها وتلاؤمها مع الفطرة وخلوها من القبح والخطل.
2- مقدار إجابتها عن تساؤلات الإنسان وجوده ومآله ومستقبله وما بعد موته. وتقدير الكمال في العقيدة يتجسد في علمية تلك الإجابة وعمليتها وصدقها في تطابقها مع الواقع.
وكلا الأمرين كما تعلمون رهينين بالإعلام.. فلا استجابة بلا إعلام صحيح ولا إجابة دون إعلام صادق.
لذا فان هناك حالة من التلازم الذاتي بين السياسة والإعلام باعتبار السياسة تجسيد لواقع( الايديولوجية) العقيدة التي يعتقد بها الانسان والتي ينبثق عنها علمه( ) ويتوجه بها واليها إعلامه.
وهنا وعلى صعيد الواقع؛ يتحقق لنا تمايز نوعين من الإعلام تبعا للعقائد في كمالها ونقصها فلاشك في ان محتوى الإعلام وتوجهه وأصوله تعبير عن الأيدلوجية:
اولا- إعلام تابع تحتاجه العقائد الناقصة في استجابتها وإجاباتها ليغطي النقص بمزيد من الحذلقة ومزيد من الأكاذيب والخبث والكيد والترفيه والرخص- كما سنفصله في لاحق البحوث- والإعلامي فيه أجير مدفوع ثمن أتعابه.. ونجد الخذلان كله يكمن في الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق كما يصفهم أمير المؤمنين عليه السلام.
ثانيا- إعلام منبثق عن العقيدة الكاملة وهي الإسلام؛ فهو إعلام رسالي موجه لبيان أوجه الكمال في استجابات العقيد لحاجات الناس، او لإجابات العقيدة على تساؤلات الناس في وجودهم وحياتهم وعقلهم وعن مصدرهم او مآلهم او ما يجول بخواطرهم، وهذه هي مهمة الأنبياء وهي رسالة الرسل عليهم السلام في البلاغ والتبليغ والإنذار والتبشير والإصلاح ومحاربة الظلم وبغض الظالمين ومناصرة الضعيف ونشر الفضائل وشيوع القيم الإنسانية الراقية.. والإعلامي فيه قائد حر صاحب رسالة سامية وهدف فاضل.
وعلى ضوء هذين الصنفين العقائديين من الإعلام، لو راجعنا المرتكزات العقلية في استقراء الواقع؛ فليس هناك سوى صنفين من الإعلام، ولو سلكنا المناهج المنطقية وتساءلنا أيهما أفضل لكون الانسان؟ لوجدنا نوعين من المؤسسات الاعلامية في واقع البشرية:
1- مؤسسات الإعلام التابع الذليل لسلطة السياسة والسياسيين يمجدهم ويسبح بحمدهم ويتغاضى عن فسادهم وظلمهم ولا يهتم لأمر الناس في حاجاتهم وتساؤلاتهم، فهو تابع ذليل قد ابتاعوا منه كرامته واستباحوا إنسانيته، كما هو حال الواقع الان حيث يستحيل ان نحد مؤسسة إعلامية الا وتستند في تمويلها وماليتها الى جهة نافذة في السياسة او الاقتصاد او المصالح الأخرى.
2- مؤسسات إعلام قائد يستند الى عقيدة كاملة؛ غايتها تنمية الانسان وجودا وحياة وعقلا باتجاه الكمال باعتباره أرقى مخلوق على سطح هذا الكوكب او لربما حتى على كواكب اخرى .. وهذه المؤسسات ليس لها وجود في واقع الوجود اليوم الا انها قطعا ستكون الافضل ان وجدت ونحن نحاول ان نضع لها الصورة المتكاملة بحول الله تعالى.
فلا احد يشك في ان يكون الإنسان حرا أفضل من ان يكون تابعا وان يكون قائدا افضل من ان يكون مقودا ذليلا، وان يكون صاحب رسالة ينشد الكمال خيرا من ان يكون هملا ان كان فوق السطح تتلاعب به ريح الهوى وان كان طافيا تجرفه أمواج المد والجزر.
فالنبي والرسول والمصلح وصاحب الأهداف الكبرى والغايات السامية إعلامي من النوع الثاني؛ يحمل أخبار السماء الى الأرض يعلمها ببيان قدسي عن الرحمة الواسعة وبما كان وما يكون وما يجب وما لا يجب وما هو القبيح وما هو الحسن، وه يُعلِم ويعلم أوامر ونواهي الخالق الى المخلوق وإبداع المبدع وحكمة الحكيم وتقدير المدبر الرحيم الى العبد المتطلع الى الحرية والنجاة... ويعلمها ببيان تاريخي سوالف التاريخ للحذر وقصص الخالين للعبرة، وبيان علمي ليعجز الخراصين في دعواهم وليسكت المدعين في مناهجهم وببيان تشريعي يضح الحدود كي تحترم وببيان...
فنحن نجد في الإسلام الحق ومن خلال العاصمين من الضلال الموصى بهما من قبل من النبي الذي لا ينطق عن الهوى؛ ان هناك استجابة لكل حاجات الناس وان هناك إجابة لكل تساؤل يمكن ان يصدر عن الإنسان عن كونه ومآله وعما صغر وما عظم، والإعلامي هنا بميزات الإنسان الراقية وضمن معاني الإنسانية وأهدافها السامية.
مقابل هذا نجد في العقائد الوضعية ان الإعلام، هو مجرد تجميل لتلك العقائد ومحاولات لسد النقص فيها بالترفيه والاساليب الرخيصة، والاعلامي، في احسن احواله طبيب تجميل اجره يتحدد بمقدار ابداعه ومهارته في التجميل.
الا ان المفارقة التي نجدها في واقع البشرية هي ؛ بما ان الإعلام؛ مهنة الأنبياء ومهمة الرسل عليهم السلام، الا انه ومع هذه الأهمية القصوى والخطر العظيم، نجده اليوم يكاد يكون في الغالب بيد أعداء الإنسانية؛ وقد وضعوا له المناهج والبرامج وبسطوا له القواعد والأصول، واختاروا للعاملين به المؤهلات في والخصائص والميزات التي لا يسمحون بتجاوزها حتى صدقها أبناؤنا العاملين في الإعلام وعملوا بها بل واتخذوها قرآنا لهم، وبعد هذا وقف الكبار يحكمون لعبة الإعلام في الحلبة التي صمموها بخطوط حمراء وخضراء، وبعدها يكون ليس للعاملين في الإعلام إلا أن يدخلوا الحلبة لتنتزع منهم هوياتهم ومبادئهم وهذا ما يشيعونه شرطا للعمل في الإعلام ان تكون بلا هوية؛ ليبقى العاملون في الإعلام مجرد بيادق وجنود في سلطتهم الرابعة، يحركونهم وفق المناهج والبرامج التي أعدوها والأصول والقواعد التي بسطوها وكما يريد الكبار باتفاق غير مكتوب شاء ألاخرون أم أبوا.
نعم لقد سبق الكبار في هذا العالم لان يمتهنوا الإعلام؛ ليتم كل شيء وفق برامج العولمة ولا تبقى في الساحة غير الهوية أليبرالية الغربية وليسرقوا كل الهويات الأخرى، فالإعلامي كما يريدون عليه ان يكون بلا هوية، أي يشترطون ان يكون بلا عقيدة؛ هكذا ليس له إلا عقيدة فكوياما؛ لكي يبلغ نهاية التاريخ والأمر لا يعدو بحقيقته الا ان يبقى الناس إمعات من اجل ان تبقى هيمنتهم ولتستمر انسيابية مصالحهم، فمن خلال عقيدتهم الإعلامية الكونية ( العولمة بالثقافة الغربية ولا غير)، ابقوا الشعوب بكاملها تدور في فلكهم من خلال معادلات إعلامية أجهدوا أنفسهم واجتهدوا لوضعها موضع التنفيذ كما سنرى في الجزء الثاني إنشاء الله تعالى من هذا الكتاب، ومصطلحات روجوا لها لتكون مسلمات؛ بالرغم من أنها مجرد لغو وباطل، ومن خلال انتروبولوجيا الثقافة لإشاعة الزيف والتنكر للقيم الإنسانية الفاضلة وقد مهدوا لهذا بمئات المؤسسات لتكون ثقافة العصر فهم أسياد العالم والعولمة .
أنهم يملكون بالإضافة للمنهج والبرامج والقواعد والأصول؛ وسائل الإعلام بعجلها الضخم الذي يدور ولا يتوقف ويملك المناهج الخبيثة بالأسلوب الحسن، وكل ما يحكي تصدير أساليب الحضارة الغربية ومسوغات تمكينها ليكون كل العالم وكل الشعوب مجرد سوق لنفاياتهم الحضارية .
السؤال هو؛ هل أننا نملك منهجا عقائديا إعلاميا من صميم عقيدتنا الإسلامية؛ يحفظ هويتنا، ويعزز إيمانا بعقيدتنا ويحصننا من مخططات الآخرين الطامعين في خيراتنا ولانتزاع أجيالنا منا؟؟
الجواب:
من تعريف العقيدة انها؛ أصلا هي ما يستجيب لحاجات الإنسان ويجيب على تساؤلاته، ولذا فمن كمال الإسلام كعقيدة؛ انه يستجيب لكل حاجات الإنسان ويجيب على كل تساؤلاته.
وقد جاء كتابنا هذا يحمل المنهج والأسلوب والأصول الكامنة في أصل الإسلام كعقيدة كاملة تستجيب لكل الحاجات وتجيب على كل التساؤلات، وقد جاء هذا الجهد كمحاولة للتعرف على ؛ كيف يجيب الإسلام كعقيدة كاملة على سؤالنا السالف عن الإعلام.
من الله تعالى السداد والتوفيق ومنه نستمد العون فهو الغاية.

المصادر:
) كما يقول الامام علي عليه السلام ) ياكميل العلم دين يدان به فالعقيدة علم).
2 ) يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه الشيطان يحكم:
(انها مسئولية كل مفكر وكاتب ان يخرج على الخط ويتمرد على هذا الاتفاق غير المكتوب.. بقتل الوقت..في محاولة شريفة لاحياء وقت الناس بتثقيفهم وتعليمهم والبحث عن الحق....)
(على وسائل الاعلام ان تتحول من افيون الى منبه يفتح العيون والاحاسيس على الحقيقة ويدعو كل قاريء الى وليمة الرأي ويدعو كل عقل معطل الى مائدة الفكر....) من طبعة دار العودة بيروت عام/ عام 1986م، ص:23

Share |