اخلاق قوات العقرب/سيد احمد العباسي
Fri, 4 Jan 2013 الساعة : 23:30

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
شاهدت في اربعينية الامام الحسين عليه افضل والسلام مالم تراه عيني منذ سنين طويلة . فسرادق العزاء كانت تمتد بشكل لايصدق العقل على جانبي الشارع من خارج وداخل محافظة بابل كأفعى تتلوى الى طويريج وصولا الى كربلاء !!
شاهدت أمواج بشرية تمشي ببطء لكثرة الاعداد الهائلة المتوجهة الى كربلاء في ظل إجراءات أمنية بمنتهى الدقة . فقد كانت تنتشر اعداد القوات الامنية مع أسلحتهم الكاملة وسياراتهم التي ينقلون فيها الزوار في استنفار دائم وانت إذ تراهم كأنهم خلية نحل . يعملون بجد واخلاص وتفاني من اجل خدمة زوار الامام الحسين (ع ).
أما في داخل كربلاء فحدث ولاحرج . بين خطوة واخرى سرادق لخدمة ( زوار ) أبا عبد الله الحسين عليه السلام . وحتى لاتخونني الذاكرة فقد بلغ عدد سرادق العزاء أكثر من 17 الف . وفي كربلاء وحدها ستة الآف !!
تصوروا هذه الاعداد البسيطة من سرادق العزاء مقابل خدمة أعداد زوار الاربعينية والذين بلغ عددهم أكثر من 17 مليون زائر من ضمنها 750 الف اجنبي دخلوا البلاد من الدول المجاورة ومن بقية بلدان العالم .
ورغم مشقة الوصول الى داخل كربلاء فقد وجدت ان الجموع البشرية ( المليونية ) أكثر استعداد للمشي والاندماج مع الاخرين الذين أتوا مشيا على اقدامهم من جميع المحافظات الجنوبية والشمالية . في الطريق الى كربلاء وجدت عوائل ومجموعات شبابية من ايران والبحرين ولبنان وبعض الدول يعانون من حمل أمتعتهم وصولا الى داخل كربلاء . ويبدوا ان اغلب هؤلاء الذين وجدت علامات الارهاق لديهم كانت بسبب الاحمال والحقائب التي يجرون بها وبعضها محمولة على الظهر !!
وآمل في السنة القادمة ربط الشارع الجديد بمدخل مدينة كربلاء لتخفيف الاثقال عنهم . لان المسافة التي قطعوها مشيا على الاقدام لاتقل عن كيلومترين أو أكثر .
اضافة الى اكمال الطريق الترابي الذي يوصل طويريج بكربلاء من بداية دخول طويريج مرورا بالجسر الجديد الذي لم يكتمل حتى هذه اللحظة . وهو طريق متعب للزائرين عندما تسير فيه المنشأة ( تصعد وتنزل ) لان الشارع لم يحدل ولم يكتمل .
وكنت آمل ايضا أن يستمر هذا الشارع الى بداية دخول كربلاء . وان يخصص لمرور الحافلات ( فقط ) لتخفيف العناء على الزوار الذين قطعوا مسافة ثلاثة كيلومترات وكنا معهم الى أن دخلنا كربلاء .
وكان هناك رجال كبار السن وعجائز وأطفال لايمكن بحال أن نتركهم يقطعون عدة كيلومترات . ولو كان هناك تخطيط جيد ( في جانب دخول الحافلات الى كربلاء ) لكان بالامكان ترك شارع للمشاة السابلة وشارع اخر للحافلات . وكانت الامور تسير بشكل حسن رغم ( الضغط ) الذي يواجهه المشرفون على تنظيم الزائرين .
أما توزيع المأكولات والعصائر والشاي والتمن والقيمة تكفي لكل نفوس العراق !!
وكان هناك تنظيم دقيق ( للعزيات ) وكان المشهد مؤثرا جدا بحيث تسمع صراخ النساء عند مشاهدة بعض ( التشابيه ) مايثير الاحزان في قلوبهم وماعمل بني امية في اشرف عائلة في التأريخ من سبي وقتل وذبح وتشريد بحق الحسين عليه السلام وآل بيته الكرام على يد بني العباس وبني امية عليهم لعائن الله الى يوم الدين .
في طريق الرجوع الى المحافظات ايضا كانت هناك معاناة في السير بحدود ثلاثة كيلومترات مرة اخرى مع العلم وارجوا أن يأخذ القائمون على تنظيم طريق رجوع الزائرين أن يأخذوا بنظر الاعتبار ان جميع الزائرين منهكين من الزيارة .
كان الاجدر بالمنظمين والمشرفين أن ( يقربوا ) الحافلات الى سيطرة السلام من بداية الخروج من كربلاء والشارع عريض يسمح بدخول وخروج الحافلات وعدم السماح للزائرين بقطع كل هذه المسافة القاتلة مشيا على الاقدام !!
وعند وصلولنا الى سيطرة ( فريحة ) بدأت الحافلات تقل الزائرين الى سيطرة قريبة الى محافظة بابل . وكان الازدحام على أشده وتجمعهم في باب كل حافلة كان مظهر غير جيد . التدافع والصراخ لدخول اي حافلة كان يعطي انطباع سيء بعدم تسهيل رجوع الزائرين الى ديارهم . رغم وجود ( اسطول ) حافلات عسكرية ومدنية وحتى سياراة الوفود لرئاسة الوزراء كانت جميعها في خدمة الزائرين .
والى أن وجدنا ( باص ) ينقلنا من كربلاء الى اقرب نقطة في محافظة بابل حتى يصل كل منا الى ( الكراج الموحد ) ومن هناك نصعد مرة اخرى الى محافظاتنا .
بعد جهد تمكنا من الصعود وقد أزعجني وجود امرأة في داخل الباص وقد بدأت ( تدخن ) رغم الازدحام وعندما طلبت منها بلطف ان تقطع التدخين ثارت ثائرتها وابنتها بجانبها تدافع عنها . وعندما وجدت أن النقاش معها غير مجدي تركتها !!
نزلنا في منطقة قريبة الى محافظة بابل . ( سيطرة أم الهوى ) وهذا المكان تتوقف فيه كل الحافلات ومن هناك يتوجه الزائر الى حيث يريد والى أي محافظة . وقكانت القوات الامنية منتشرة بشكل كثيف وهي تنظم حركة المرور والزائرين ومساعدة اي واحد يحتاج الى خدمة . وقد لفت نظري في تلك السيطرة وجود طفل تائه لكثرة الازدحام .
فما كان من القوات الامنية ( قوات العقرب ) الى أن يحتضنون الطفل ويعطوه قنينة ماء وأشعروه بالحنان والطمأنينة وكنت على مقربة منهم اشاهد كل شيء صوت وصورة . وعندما سمعت أن ( الابطال ) من قوات العقرب اتصلوا على آمر قيادة قوات العقرب طلب منهم على الفور نقل الطفل الى ذويه في أي مكان في الحلة !!
وكانت معي اربعة نساء كنا نبحث عن سيارة نلوذ بها لكي تنقلنا الى محافظة بابل .
وفجأة سأل ( العسكري ) الى اين تصلون ؟ قلنا له الى محافظة بابل . فقال : تعالوا اصعدوا معنا فالسيارة فارغة ونريد أن نقل هذا الطفل الى ذويه في داخل محافظة بابل . وكأنه انقذنا من شدة البحث عن سيارة أو حافلة تنقلنا الى حيث نريد .
وفعلا صعدنا معهم وتحركت بنا السيارة الى المحافظة . كان نوع السيارة غريب قليلا وكأنها مدرعة ولكنها من الداخل مريحة . جلس احد الاخوة العسكريين في الصدر الامامي وبحضنه الطفل ونحن في الخلف . وكانت سعة السيارة بحدود عشر ركاب . في الطريق رن جرس الهاتف الخليوي للعسكري السائق وكان معه على الخط والد الطفل . كان يتصل به من نفس المكان الذي فقد فيه ابنه وساعده في الاتصال قوات العقرب بعد أن طمأنوه أن ابنه في ايدي أمينة وسوف يصل الى بيته . وفعلا عند دخولنا محافظة بابل كان شقيق الطفل وهو بعمر خمسة عشر سنة ينتظرنا قرب منزلهم . وسلم العسكري الطفل الى شقيقه وكانت فرحة عظيمة عندما احتضن الطفل شقيقه الكبير . وطلبت من ابطال العقرب ان يتركونا في اقرب منطقة فقال السائق بعد ان اقسم بوالده وأصر أن يقلنا الى المكان المقصود !!
كما قلت لكم كانت معي ثلاث نساء من اصدقائنا . أم ومعها بناتها وانا وزوجتي .
وقبل أن ننزل ونحن في الطريق سألت السائق عن اسمه فقال اسمي طارق فقلت له ومااسم صديقك الذي بجانبك قال كريم ورجعت سألته من جديد عن اسم آمر قوات العقرب قال كما اذكر كريم عويرج . وقد يكون كتبت الاسماء خطأ فاعتذر لهم .
ولكنني اريد أن أوجه الشكر الى آمر قوات العقرب الذي ساعد الطفل وخصوصا أتوجه بالشكر الى اصحاب ألاخلاق العالية من مراتب وجنود قوات العقرب وخاصة هذين الشخصين ذوي الانضباط العسكري بما يملكوه من حسن التخاطب وشهامة قل نديرها ولكنها ليست عجيبة فهؤلاء أبناء العراق فبارك الله بهم وبقائدهم . ووالله انهما يستحقان التكريم ليس لانهما أقلوني الى ( الكراج الموحد ) ولكن لخلقهما الرفيع وأدبهما الجم . فقد سمعت من السائق انه ساعد امرأة من الزائرين أضاعت اموالها واعطاها عشرين الف دينار ( كروة ) حتى تصل الى منزلها !!!
وقد غاب عن ذهني اثناء نقل الطفل الى ذويه في الطريق توقف السائق الى رجل وامراة لكي يساعدهما في الوصول الى سكنهما وفي الطريق اخرج الشاب الذي جلس بجانبي الف دينار يريد أن يعطي السائق العسكري ( كروة ) فغضبت عليه كثيرا وطلبت منه ان يرجع ورقة الالف دينار الى محفظته وقلت له بنبرة جادة وبحزم : ( عيب عليك ) .
ففهم القصد بعد ان شرحت له أن الاخوة الذين يقلونا لايأخذون مقابل هذه ( التوصيلة ) مبلغ من اي كان . فأرجعها الى محفظته على مضض واعتذر .
وعندما قلت للسائق بعد ان نزل الشاب في الطريق بما حدث قال بكل ثقة : والله لو اعطاني مليون دينار فلس واحد لاأضع في جيبي فالحمد لله نحن بخير . فشكرا الى كريم وطارق وبارك الله بهم على هذه التربية وبأصلهما وفي ذريتهما .
سيد احمد العباسي