زيارة الاربعين ... خطى نحو السماء/ابو فاطمة العذاري

Thu, 3 Jan 2013 الساعة : 22:47

 

نحن في ذكرى زيارة الإمام الحسين في العشرين من صفر وهي زيارة الأربعين وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام فكان أول من زاره من الناس وحينها كان رجوع حرم الحسين عليه السلام من الشام إلى كربلاء بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام .
وهنا بودي ان أشير الى بعض النقاط المتعلقة بهذه المناسبة العظيمة ومنها :
أولا : ان هذه الزيارة إنما هي سنة أخذناها من المعصومين وهنا نشير الى دليلين من ثلاثة معصومين احدهما عملي والأخر دليل قولي:
الأول العملي : فقد قام بها اثنان من المعصومين وهما الإمام السجاد و ولده الباقر ( ع ) حينما رجع موكب السبايا الى كربلاء في العشرين من شهر صفر ومعهم باقي بنات رسول الله وزاروا قبر الحسين ( ع ) .
الثاني القولي : الرواية المشهورة عن الإمام الحسن العسكري ( ع ) :
( علامات المؤمن خمس: التختم باليمين وصلوات إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتعفير للجبين وزيارة الأربعين )
فزيارة الأربعين من علامات المؤمن كما تنص الرواية .
 
ثانيا : من الظواهر المعروفة بين الناس هو الاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً من وفاته بتأبينه تخليداً لذكره وقد ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إنَ الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً ).
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنَ السماء بكت على الحسين (عليه السلام) أربعين صباحاً بالدم، والأرض بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما أختضبت إمرأة منا ولا دهنّت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.
ومن هنا جرت عادة الشيعة جزآهم الله خير على إحياء الذكرى يوم الأربعين من كل سنة .
ثالثا : في هذه الأيام نتذكر رحلة سبايا ال الرسول من خلال عودة ال رسول الله من السبي لأرض كربلاء و ما جرى عليهم من المصائب العظيمة في تلك الرحلة .
وهي رحلة خاضتها بنات رسول الله بقيادة السيدة زينب وبإشراف الإمام السجاد و بصمودهم وإصرارهم تحول الانكسار الى نصر في قصور الظالمين .
قال السيد الشهيد الصدر :
ولولا موقف زينب (سلام الله عليها) وكلامها وإعلامها وخطاباتها لانطمست ثورة الحسين (عليه السلام) واندرجت في طي النسيان وكأنها لم تكن. فكان لابد في الحكمة الالهية ان تنظم تلك الثورة الكبرى والتضحيات الجليلة إلى هذا الجانب الاعلامي المركز لكي يثمر ثمرته وينفع الاجيال باثره كما قد حصل.
وما أشجعها (سلام الله عليها) والطف بيانها حينما تقول لاكبر مسؤول في الدولة يومئذ: (ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك. لكن العيون عبرى والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء)
وهناك بطلة أخرى وهي السيدة ام كلثوم بنت أمير المؤمنين ذكروا أنها تسمى أيضا بزينب الصغرى فحينما دخلت الكوفة أمرت الناس بالإصغاء وبدأت حديثها بتوبيخ أهل الكوفة لتخاذلهم عن نصرة الحسين وقالت في خطبتها :
(( يا أهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتباً لكم وسحقاً! ويلكم أتدرون أي دواهٍ دهتكم ))
رابعا : ان لزيارة الأربعين فضل من خلال المشي على الإقدام فالزوار يقطعون آلاف الكيلومترات في الليل والنهار ويتحملون البرد والحر والنقص في الراحة من اجل الوصول الى الحسين ومن هنا تتجسد مجموعة من الدروس في هذا العمل الشريف ومنها :
ان هذا يعبر عن الحب والولاء للحسين ( ع ) ولأهل البيت ( ع ) وهو طاعة مشكورة من قبل الله تعالى .
منها : ان السير على الإقدام انما يربي النفس على التواضع أمام الله تعالى وأمام أوليائه فأنت بين تلك الجموع لا تميز الغني من الفقير ولا تعرف سيخ العشيرة او المسؤل من الإنسان الاعتيادي فكل العناوين إنما تتساقط في طريق الحسين و لاننادي احدهم بأي عنوان انما نقول له له ( زائر الحسين ) و هذه الحالة اللطيفة انما تقدم درسا تربويا في التواضع ما تعجز عنه مئات المحاضرات والخطب ونتحدى من هنا كافة المؤسسات العالمية وخصوصا التي تدعي المساواة وحقوق الإنسان ان تقدم لنا نموذج في التواضع والتساوي كما تقدمه لنا هذه الزيارة الشريفة .
ومنها : المواكب الحسينية الشريفة التي تقدم الخدمة للزوار و التعاون والبذل وحب خدمة الآخرين ما يقل نظيره في أي مناسبة أخرى فيجلس أصحاب الموكب أعزهم الله لخدمة الزوار والتفنن بتقديم أنواع الطعام والشراب حتى ان بعضهم في موكبه يخصص مكانا لفرك أقدام الزائرين وهو لا يعرف اسم الزائر وعنوانه فقط يعرف انه من زوار الحسين لا اكثر من ذلك فهل يوجد في محافل المسلمين وغير المسلمين تواضعا كهذا.
انا من هنا ادعوا علماء الإسلام وقساوسة النصارى وأحبار اليهود بل حتى المفكرين العلمانيين في كافة إنحاء العالم الى ان يأتوا ويستفيدوا من هذه الدروس التي لا يمكن لأديانهم ومذاهبهم ان تقدمها لإشاعة الرحمة والخدمة والتواضع بين الناس .
ومنها : ان أصل وجود الزيارة إنما هو كرامة فكم من طاغية حارب زيارة الأربعين ومنع السير الى كربلاء منذ الأمويين والعباسيين ومرورا بطاغية العصر صدام وحتى الاحتلال وهاهي اليوم مفخخات التكفيريين لا تحول بين عشاق الحسين والوصول الى قبره مشيا ولن تحول أي قوة في الكون لان الأمر مرتبط بإرادة الله تعالى جل في علاه .
ان الزوار لم يقتصر وجودهم على العراقيين فقط بل ازدادت في هذه الأعوام الوفود من كافة الدول ومن المتوقع ان تكون هذه السنة متميزة جدا في حضور زوار من دول أخرى العربية وغيرها بل المتوقع بعض الأجانب من غير المسلمين لمشاهدة هذا الحشد المليوني العجيب بفضل الله وببركة سيد الشهداء ( ع ) .
وهنا اختم هذه الخطبة بهذه الرواية وهي هدية الى زوار الحسين ( ع ) عن معاويه بن وهب قال دخلت على ابى عبد الله عليه السلام و هو فى مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجى ربه
و يقول : يا من خصنا بالكرامه و وعدنا الشفاعه و حملنا الرساله و جعلنا ورثه الانبياء و ختم بنا الامم السالفه و خصنا بالوصيه و اعطانا علم ما مضى و علم ما بقى و جعل افئده من الناس تهوى الينا اغفر لى و لاخوانى و زوار قبر ابى الحسين بن على صلوات الله عليهم الذين انفقوا اموالهم و اشخصوا ابدانهم رغبه فى برنا و رجا لما عندك فى صلتنا و سرورا ادخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه و آله و اجابه منهم لامرنا و غيظا ادخلوه على عدونا ارادوا بذلكك رضوانك فكافهم عنا بالرضوان و اكلاهم بالليل و النهار و اخلف على اهاليهم و اولادهم الذين خلفوا باحسن الخلف و اصحبهم و اكفهم شر كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك او شديد و شر شياطين الانس و الجن و اعطهم افضل ما املوا منك فى غربتهم عن اوطانهم و ما آثرونا على ابنائهم و اهاليهم و قراباتهم اللهم ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض و الشخوص الينا خلافا عليهم فارحم تلك الوجوه التى غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التى تقلبت على قبر ابى عبدالله عليه السلام و ارحم تلك الاعين التى جرت دموعها رحمه لنا و ارحم تلك القلوب التى جزعت و احترقت لنا و ارحم تلك الصرخه التى كانت لنا اللهم انى استودعك تلك الانفس و تلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش
فما زال صلوات الله عليه يدعوا بهذا الدعاء و هو ساجد فلما انصرف قلت له جعلت فداك لو ان هذا الذى سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت ان النار لا تطعم منه شيئا ابدا و الله لقد تمنيت انى كنت زرته و لم احج فقال لى ما اقربك منه فما الذى يمنعك عن زيارته يا معاويه و لم تدع ذلك قلت جعلت فداك لم ادر ان الامر يباغ هذا كله فقال يا معاويه و من يدعو لزواره فى السماء اكثر ممن يدعو لهم فى الارض لا تدعه لخوف من احد فمن تركه لخوف راى من الحسره ما يتمنى ان قبره كان بيده اما تحب ان يرى الله شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه و آله اما تحب ان تكون غدا فيمن تصافحه الملائكه اما تحب ان تكون غدا فيمن ياتى و ليس عليه ذنب فيتبع به اما ان تكون غدا فيمن يصافح رسول الله صلى الله عليه و آله
Share |