(دراسات استراتيجية )عوامل تقويض الأمن القومي ومرتكزات بنائه/ نصيرالسلام الجابـــــــري
Mon, 31 Dec 2012 الساعة : 22:40

المقدمه
1. كون الإنسان منذ بدء الخليقة الأسرة. ومن ثم التجمعات البشرية بهدف خلق تعاون بين إفراد الجماعة يمكنه من اصطياد الفرائس بيسر, من جهة, وإمكانية مجابهة التهديدات المتأتية من الحيوانات المفترسة أو خطر الجماعات البشرية الأخرى المتنافسة مع جماعته على مناطق نفوذه بالصيد وجمع الثمار البرية من جهة أخرى.
وتطور التعاون الاجتماعي الأمني الهادف لتحقيق هذه الاغراض مع تطور المجتمع والدولة .
2. مع هذا التطور اتخذت أشكال التهديد نواحي شتى وأساليب متعددة للإطراف المتصارعة مع امتداد التاريخ والتي تتمثل بتطوير وسائل التدمير والأسلحة وأساليب القتال التكتيكية في ساحات القتال صعودا إلى تطوير الإستراتيجية الدفاعية للدولة التي تنسق نتاج كافة الموارد المتاحة والمؤسسات المتعددة الاختصاصات لتجعلها جميعا منصبة في بودقة تحقيق أرادة الأمة في النزاع. الغايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
3.مناقشة العوامل التي تهدد الأمن القومي للدولة وبيان مخاطرها وفق منظور الحرب الحديثة وتغير طبيعة النزاع أضافة الى مناقشة المرتكزات الرئيسية التي يتوجب مراعاتها في التخطيط الستراتيجي لذلك الأمن توخيا لضمان حياة حرة كريمه للشعب واجياله اللاحقة . تغير طبيعة النــــــــــزاع
4.غالبا ما اتخذ الصراع التقليدي منحى مهاجمة طرف لقوات الطرف الخصم حد التدمير والحاق الهزيمة بقواته لحين احتلال الهدف السوقي الأكبر أو استسلامه ومن ثم فرض شروط النصر على الطرف المندحر.
وهذا ما يعرف بالعدوان الخارجي وهو الوجه الاول للحرب .
اما الوجه الآخر لها (وهو الأحدث)فهو مهاجمة الجبهة الداخلية للخصم وتقويض بنيانها للوصول الى الغاية المبتغاة من النزاع. وربما أتخذ الصراع كلا النوعين من العدوان أما بتزامنهما معا أو بالتناوب بعد ان يمهد أحدهما للآخر.
5..لقد اتخذت استراتيجيات الصراع بين الأمم في الحرب الحديثة طبيعة جديدة تهدف إلى تحطيم أرادة الدولة المعادية في الدفاع عن أمنها القومي بأقل مايمكن من خسائر وأقصى مايمكن من نتائج تدمير وتحطيم من خلال استهداف جبهتها الداخلية و بنائها الاجتماعي ووحدة القيادة مع الشعب وروح الوحدة الوطنية والتشكيك بجدواها بين أطياف المجتمع المتآخية عبر استخدام تقنيات المعلومات ووسائل الأعلام الحديث ووسائل الخداع الفيديوية بقصد انهيار الجبهات الداخلية وفك عرى التلاحم الوطني وبالتالي إسقاط الحكومات المعادية.
6.إضافة إلى ماتقدم فان زرع وسائل تحطيم الدولة المستهدفة داخل بنائها الهرمي من خلال الأسهام والدعم الخفي في وصول السلطة الفاسدة (من امثال المدانين و الهاربين عن وجه العداله )الى سدة الحكم وأستفحال الجريمة المنظمة وتغلغل الأرهاب الأجرامي والتي تشكل ثالوث تخريب نظام الدولة وجعلها فاسدة ومنهكة وعاجزة عن مجابهة تذمر و سخط شعبها والذي تؤججه وسائل أعلامها الحرة التي تعتبر وطنية في صورتها الظاهرة وفي حقيقتها مجندة لأجندة الدولة المعادية سيعمل على إيجاد دوافع و مبررات التمرد والهياج الشعبي والذي يعتبر العامل الرئيسي لانطلاق العدوان على تلك ألدوله وتخريب مؤسساتها. ومن ثم سقوط بنائها الهرمي الحكومي بالكامل .
والذي ستعقبه مرحلة زمنية أسوء حالا من سابقتها فتشوبها الفوضى وتصارع الأتجهات السياسية المختلفة والتي ستضطر بحكم ضعفها إلى طلب العون من الدول الأخرى .حيث ستكون المساومة على حساب المصالح الوطنية للدولة المنهارة وشعبها المخدوع.وهذا ما سيجعلها ضعيفة ومتمزقة إلى أمد زمني طويل وهو ما سيحقق أرادة الأمة المعادية.
أسباب وذرائع الهياج والتمرد الشعبي 7.أن أشد الدول ضعفا هي أقلها تنظيما لمؤسسات الخدمة العامة في جهازها الحكومي و هي أشدها عرضة للانفلات الأمني وأكبرها وهنا أمام المخططات المعادية. لهذا على الحكومات الوطنية أن تضع نصب أعينها العوامل التي تؤدي الى أنهيار الأمن القومي داخليا والعمل على درء مخاطر وجودها,والتي تتمثل بالآتي
أ.رداءة بناء القوات المسلحة وانعدام اوضعف تحالفها الدولي.
ب. أنهيار وتردي الأمن الغذائي وأحتمال المجاعة.
ت. البطاله .
ث.ضعف اوانعدام الخدمات الأساسية العامه.
ج.رداءة مستوى التشريع وضعف تطبيق القوانين.
لذلك كان لزاما على الحكومات وضع عوامل التهديد بالهدم الأمني المذكورة في أعلاه نصب أعينها في رسم أستراتيجية الأمن القومي للدولة.ورصد التخصيصات اللازمة من ميزانية الدولة السنوية بحيث تعطى أسبقية توازي أسبقية بناء القوات المسلحة التي تقع على عاتقها مهمة تأمين المجتمع من شرور العدوان الخارجي وحفظ الأمن والنظام من التهديدات الأجرامية التي يقوم بها المجرمون الذين يفترض ان يكونوا فئة شاذة ونادرة في مجتمع ينعم بالأستقرار والرفاه الأقتصادي والحياة الحرة الكريمة.
المرتكزات الرئيسية لبنية ألأمن القومي
8.من أجل ضمان جبهة داخلية رصينة ومتماسكة يتوجب على المخططين لأستراتيجية الدفاع والامن القومي العليا مراعاة الركائز الأساسية التالية
أ.بناء القوات المسلحة للدولة وتحالفها الدولي.
تتطلب صيانة وادامة أستقرار الدولة بناء قوات مسلحة ينسجم تعدادها وعدتها مع الأهداف السياسية التي ترنو الأمة الى تحقيقها, وبما يوازي أمكانياتها ومواردها.وترتكز كفاءة هذه القوات على عدة عناصر من اهمها استلهام العقيدة العسكرية في التدريب والتسليح والتجهيز وحسن انسجامها مع اهداف تلك العقيدة.
يضاف الى ذلك فاعلية الدبلوماسيه الوطنية في التحالف الدولي للبلد مع الدول التي تناصر وتؤيد توجهه السياسي ومدى قوة التحالفات العسكرية الدولية مع قواته .حيث نجد اليوم بان اقوى الدول عسكريا في العالم لا تستغني عن التحالفات الدوليه وان كانت في غنى عن قوات البلد المتحالفة معه الا ان هناك الكثير من التسهيلات الأخرى التي يقدمها هذا التحالف لكلا البلدين سياسيا ولوجستيا.
ب .الأمن الغذائي للشعب
وهو مايعني تأمين السلع والخدمات ووسائل الانتاج والبنى تحتية الكافية (منافذ حدودية,شبكات طرق,موانئ ,مطارات,وسائل نقل ,مستودعات تخزين) التي تضمن الحيلولة دون حدوث أي نقص فيما يحتاجه الشعب من المواد الغذائية الأساسية تحت ظروف الحصارالأقتصادي أو غلق المنافذ التجارية او كساد صادراتها وانخفاض أو تدهور قيمة ناتجها القومي في الأسواق العالمية.
كما يتطلب هذا الأمر من مصادر القرار العليا العمل على تشجيع وسائل الأنتاج الوطني وتحقيق الأكتفاء الذاتي للمفردات والسلع التي يستطيع ان ينتجها البلد.
يتوقع الشعب من الحكومة دائما التفكير والتخطيط لحمايته من المخاطر بكافة اشكالها .واول هذه المخاطرهو نقص المواد الغذائية الأساسية وغلائها بسبب الندره.وسوء تحسب الحكومة في هذا المجال ممايسبب ردة فعل مدمرة لدى الشعب وسخطا وهياجا ثوريا لايمكن التكهن بنتائجه الكارثية .ويحكي التاريخ لنا بان اول دوافع الثورات الشعبية هو الجوع.
لهذا يجب ان يعطى هذا المرتكز الأساسي في بناء الأستراتيجية الأمنية للبلد ألأهمية القصوى التي توازي بناء القوات المسلحة وتفوقها اهمية .من خلال فرز التخصيصات الكافية من الموازنة العامة لخدمة هذا الهدف وتامين تحقيقه تحت مختلف الظروف والأسباب.
ث.معالجة البطالة
بغية تفادي وقوع الشباب والقادرين على العمل في براثن المخططات المعادية لأرادة الأمه ونهجها السياسي نتيجة العوز وعدم أشباع حاجاتهم وطموحاتهم المنظورة يتعين على المخططين الألمام الكامل بالأعداد المطلوب تأمين فرص العمل لها على أساس تاهيلهم العلمي والحرفي ووفق أحصائية دقيقة من جهاز مركزي في الدولة .
كما يتوجب ان تكون فرص العمل متناسبة مع مقدار الناتج القومي للبلد في المستقبل ,
فالمشاريع الأنتاجية التي توفر فرص العمل للعاطلين ينبغي أن تكون هي الوسائل المحققة لزيادة الناتج القومي المتناسب مع الأحتياج الحاصل من النمو السكاني ,دون ان يؤدي هذا الى أنخفاض معدل دخل الفردالسنوي في البلد مسقبلا.
أما مؤسسات الخدمة العامة الحكومية الأستهلاكية فيجب ان يكون فيها أستخدام الأيدي العاملة متناسبا مع احتياجها الفعلي وليس لحل أزمة مرحلية مؤقته ستبتلي بثقل حملها الأجيا ل والحكومات اللاحقة.من خلال التخصيصات الكبيرة من موارد الدولة لحقوقهم التقاعدية بعد عقد او عقدين من السنين.
أن التهديد الكبير للأستقرار الأمني من شريحة العاطلين عن العمل
يجب ان يكون شاخصا أمام أنظار المخططين لكونهم قنابل موقوته جاهزة للأنفجار متى ما تهيأ لها الظرف المناسب وضعفت اجهزة الرقابة والقمع الحكومي وسيشكلون مادة التمرد والعصيان الرئيسية واداة الجريمة والأرهاب .وهي من العوامل الرئيسية لتقويض الأمن القومي للدولة.
ج.البنى التحتية والخدمات العامه
تشمل البنية التحتية جميع مايسهل الخدمة العامه أبتدا من مفردات التامين الصحي وأبنيةالمنشأت الصحية وشبكات الكهرباء والماء والأتصالات والطرق وسكك الحديد والمواني والمطارات والصرف الصحي والخدمات البلدية وحماية البيئة مرورا بالتربية والتعليم ومؤسسات حفظ حقوق المجتمع(القضائية) ومؤسسات تطبيق وتنفيذ القانون (الأمنية) أضافة الى مؤسسةحماية المجتمع ومصالحه من التهديد الخارجي(المؤسسة العسكرية) والخدمة الخارجيه لرعايا الدولة في الخارج.
أن هذه الخدمات تكون من مسؤولية السلطة التنفيذية(الحكومة). وتستقطع تكاليفها من الدخل القومي للدولة, وبذلك يكون كل مواطن قد ساهم من مستحقاته في ثروة بلده ودخله القومي في تأمين كلفة هذه الخدمات .وهو بذلك يتوقع من الحكومة الأيفاء بالتزاماتها تجاهه في ذلك. فاذا ما كان هناك تقصير اوتلكؤ في هذه الألتزامات فان ذلك سينعكس سلبا على ثقة المواطن بالحكومة وسيفضي الى شعوره بالحرمان والمغبونية.ويزداد هذا الشعور مع تزايد تقصير الحكومة حتى يصل الى التذمر والسخط وهو ماسيشكل نقطة نفاذ الدولة الخصم في تأجيج هذا الشعور وتعاظمه ليقود الى اضطرابات شعبية واعمال شغب ستنتهي الى أنهيار أمني حالما تتهيأ ظروف قيامه التي سيعمل الخصوم على تهيأتها كما أسلفنا.
يجب أن تفرز تخصيصات الخدمة العامة من الميزانية العامة بشكل دقيق يحسب فيها
أولا.تكاليف زيادة الكمية الحاصلة نتيجة تزايد الطلب بحكم النمو السكاني السنوي
ثانيا. تكاليف تطوير الأداء النوعي في قطاعات الخدمة العامة.
ثالثا.تكاليف معالجة الأندثار السنوي وصيانة البنية التحتية ووسائط تسهيل تقديم الخدمة العامه.
ح.رصانة التشريعات الدستوريه وقوة تطبيق القانون
تنظم التشريعات الدستورية والقوانين المنبثقة عنها طبيعة الحياة في المجتمع .وعلى ضوئها يتعرف المواطن والجماعات على مختلف تكويناتهم (السياسية والمهنية والعرقية والمذهبية) في هذا المجتمع على حقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة بكل مكوناتها خلال ممارستهم لنشاطهم الأنساني اليومي في وطنهم.
فكلما كانت التشريعات عادلة ومراعية لمبدأ المساواة في حقوق المواطنةمن جهة ومتسمة بالوضوح والشفافية ومبتعدة عن تقبل التأويلات والتفسيرات المتعددة من جهة اخرى كان الأحتكام لنص التشريع هو الفيصل في فض النزاعات الناشئة بين أفراد وجماعات المجتمع.
لقد عملت التشريعات الرصينة على تهذيب سلوك المجتمعات والشعوب وتطبعها مع مرور الزمن باتجاه نبذ الكثيرمن السلوكيات السلبية العرفية الهدامة لروح التعايش والتلاحم الوطني بين أطياف المجتمع الواحد كالتعصب للعنصر والتمييز على الأسس الأثنية (الطائفية والعرقية) .
ومالم توضع تشريعات بناءة وصارمة في مجال بناء أسس المساواة بين أفراد الشعب وأطيافه في التعامل السياسي والأقتصادي والأجتماعي ونبذ أثرة شريحة على حساب نظيرتها فأن شعور الشريحة أو القومية أو الطائفة بالمظلومية والأضطهاد سيجعل منها موضع شك أكيد بالتربص لأستغلال فرص ضعف الأجهزة الأمنية والانقضاض عليها ثأرا وأنتصافا لذلك الغبن والأضطهاد.
لذلك ينبغي على السلطة المعنية بوضع أستراتيجية الأمن القومي اعادة النظر بالتشريعات التي من شأنها تأجيج نزعة التعصب والتمييز العنصري بكل اشكاله.ودعوة السلطة التشريعية لمعالجة هذه الأخطاء الكارثية(باعتبار أن الأمن القومي هومن مسؤولية الدولة بكافة سلطاتها وليس الحكومة فحسب) وتبيان مخاطرها على مستقبل الدوله.
أن التشريعات الدستورية غير المستلهمة لتعزيز روح المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفرادها على مختلف أنتماآتهم. والقوانين المنبثقة عنها ستقود حتما الى التخندق الطائفي والعرقي والذي سيمزق البلاد في أي لحظة ضعف لسلطات الدوله
وقد قال سيد الكائنات نبينا محمد(ص) ليس منا من دعا الى عصبيه.
الخاتمــــــــــــــــــــــــــــــه
10.مما تقدم شرحه نود ان نبين بأن طبيعة النزاعات بين الأمم في تغير دائم وأن آخر ماتوصلت اليه استراتيجيات الحرب هو اضعاف أرادة الدول المهاجمة (بفتح الجيم) وتدميرها من داخلها وبمواردها البشريه وباقل مايمكن من خسائر في جانب المهاجم(بكسرالجيم).وأن نجاح اوفشل أرادة التدميرالمعادية هذه تتوقف على عوامل وهن وضعف أومتانة ورسوخ بنيان أستراتيجية الأمن القومي .التي يجب أن تتوخى تحقيق أشباع حاجات مواطنيها الأساسية وتجنب وقوعهم في مصائد الخداع المعادي ومكائد آلته الأعلامية من خلال تفادي منغصات التلاحم الوطني والقهر السياسي والشعور بالمغبونية والحرمان.
المراجع
1.سلسلة محاضرات كلية الدفاع لحلف الناتو/روما.
2. سو تزو(فن الحرب).