وماذا بعد الإسلام السياسي ؟/الدكتور جابر السعد

Sun, 30 Dec 2012 الساعة : 22:52

 

لعب مصطلح "الإسلام السياسي"، مكانة كبيرة في الجدل الاجتماعي والسياسي لمرحلة ما بعد الثورات في العالم العربي. ولم يقتصر الجدل على الدول التي حصلت أو تحصل فيها الثورات فحسب، بل تلك التي تشهد مستويات أخرى -ربما أدنى- من التغيير؛ فهنالك أطراف مختلفة تطرح هذا الجدل، سواء داخل المنطقة أو خارجها. وهو جدل متضمن لخطاب يتراوح بين التشكيك والتخويف، يقابله خطاب آخر للإسلاميين المشاركين -بالطبع- في هذا النقاش، وهو خطاب يراوح بين التطمين من جهة، وبين رفع سقف المطالبات من جهة أخرى. ويطرح هذا الجدل-من جانب- التساؤل الأهم، وهو: كيف يمكن لحركات الإسلام السياسي أن تتعاطى مع مرحلة المخاض السياسي التي تعيشها المنطقة ما بعد الثورات؟ ولا تبدو الإجابة عن هذا التساؤل يسيرة، لاسيما وأننا أمام مشهد مستمر في التشكل ؛ يمكن ان نؤشر جملة من المقدمات التي يجب التذكير بها، كما يمكن تحديد بعضًا من "معالم الطريق " الواجب أخذها بعين الاعتبار من أجل خروج الشعوب العربية من هذا المخاض وهي أكثر قوة كمجتمعات حضارية ولا تحدث أنتكاسة ثورية - دينية مما يخلق في المستقبل ردة فعل معاكسة للتغيير الديني والسياسي ويضيع سنوات عديدة من عمر الشعوب وثرواتها كما حدث بعد عصر الاستقلال العربي – أذا جاز لنا التعبير - ومجيء حكومات مدت بجذورها الى اعماق الارض العربية وأخترقت نفسية وعقل الفرد العربي بشعارات كان تدعمها رائحة البارود التي لم تهدأ بعد نهاية الحرب العالمية عام 1945 وظهور دولة دينية لليهود في فلسطين وحربها الاولى في سنة 1948 ضدهم وهزيمة التقسيم وخيانة فلان وفضيحة الاسلحة الفاسدة وانقسام العالم الى عالمين غربي وشرقي واحتدام وظهور الحرب الباردة , هذا الذي ذكرناه وغيره من أحداث كثيرة وكثيرة جداً هو الذي خلق و مهد الى ظهور عصر الاستبداد السياسي في العالم العربي .
و أغلب جماعات (الإسلام السياسي) المشاركة في المشهد السياسي العربي، هي نِتَاجٌ لتفاعلات وإرهاصات تمت في عصر الاستبداد، وتولّدت عنها حركاتٌ متأثرة بالبيئة السياسية التي استمرت موجودة طوال أكثر من ثمانين عاما. فالسياسات المحتكمة للقراءة الأمنية وسيادة منطق التخوين والإقصاء لكل صاحب رؤية تختلف عن رؤية الأنظمة السياسية، كُلُّها مفردات طالت الإسلاميين ودفعت بهم إلى نوع من الحركة، لبناء مؤسساتهم التي يأوي إليها منهم خارج رضى النظام،. والأهم من هذا وذاك، أنها جعلت الجدل السياسي الداخلي يجري في أجواء من التكتم، خوفا من العدو الخارجي (أي الحكومات وأذرعها الأمنية)، في بيئة لم تخل من أحادية في الرؤية وعدم الشفافية. هذه الظروف لم تجعل من الإسلاميين قادة للمشهد السياسي في العالم العربي، حتى في حال فوزهم بالأغلبية، كمثل الذي حدث في الجزائر، وقد لقي هذا الفوز معارضة من العالم بأسره؛ وحدثت ذات المعارضة العالمية عندما فرضت حركة حماس نفسها على المشهد السياسي الفلسطيني، وأعقب ذلك حصار عالمي سياسي واقتصادي على حركة حماس. مما تقدم، يتضح تأثير البيئة الحاضنة على طبيعة الثورات العربية، مضافٌ إليه عنصر المفاجأة التي صارت سمة ملازمة لها.
والحديث عن الإسلام بوصفه غريبا عن المشهد السياسي، هو خطاب مكرر شهدناه في العقود الاولى من القرن العشرين، حينها كان اعتقاد الدول الخارجة من حضن المستعمر هو أن الدين ككل والإسلام بشكل خاص، قوة تجذب الشعوب نحو الخلف، وتؤخر مسيرة المجتمعات الساعية لبناء الدولة الحديثة؛ فالإسلام في عيون أولئك النفر يقلل من فرص بناء تلك الدولة. فواحد يردد مقولة (كارل ماركس ) الشهيرة( الدين أفيون الشعوب ), وآخر يرفع شعار ( الشعوب التي تنظر الى الوراء تعثر ) . من هنا، كان الاكتفاء بوصف الإسلام "دينا للدولة ومصدرا للتشريع" المتعلق بالأحوال الشخصية وهي عبارات كانت تأتي في مقدمة قراءة كثير من الدساتير في أكثر من قطر عربي ؛ لكن أي علاقة له بالسياسة والاجتماع والتجارة والإعلام والثقافات وغيرها - كانت مرفوضة وخط احمر وتواجه بالقمع. ونمط التفكير هذا، هو ما كان وراء تلك البيئة التي سادت في الوطن العربي . لقد دفع منطق الإنكار هذا، إلى ظهور التشوهات الفكرية والدينية في البيئة العربية وغير العربية، ودفع -كذلك- إلى مصطلحات ما تزال متداولة مثل "الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف أو الإسلام الجهادي"؛ وهي - في الحقيقة - كلمات صُنعت كلها في بيئة الاستبداد وفي أروقة قصوره ، التي لا تؤمن إلا بإقصاء الآخر. تلك استراتيجية قسّمت المجتمعات، وأحدثت وقيعة حقيقية في بُنى المجتمع، بحيث بقي الرابح الأول والأخير من كل ذلك هو النظام السياسي .
 
الدكتور: جـــابر السعد 
Share |