عقيلة الهاشميين(ع) سيدة البلاغة النسائية/ فاطمة ال شبير الخاقاني

Wed, 26 Dec 2012 الساعة : 1:01

 

السيدة زينب(ع)، تأتي في طليعة البليغات أصحاب الرسالات في تاريخ الإنسانية، فضلا عن النهضة الاسلامية المتجددة.
ان نصوصها وادبياتها تشكل أفضل قراءة واعية للاسلام ومواقف الاستقامة ما بعد نهضة الحسين عليه السلام، وشعارات الدعوة للاصلاح في الامة التي بدأت تتآكل فيها مبادئ الاسلام ورسالة السماء، ظنا من حاكمين هذه الامة والمنظرين لها ان المادة المجردة والوان الحضارة وقوة السلاح هي الغاية والاساس دون الاخلاق والعدل .
نهلت بلاغتها من معدن الوحي وخلق الرسالة ونشأة النبوة ومنبع الامامة ومدرسة أهل البيت عليهم السلام، لتكون في الآخر كأمرأة عظيمة أحدى المؤسسين لهذه المدرسة الاصلاحية والكاشفة عن دور المرأة الصالحة في المجتمع ونهضة الامة .
ان ارتجالية الخطاب كاِمها الزهراء عليها السلام، دلت للباحثين بأنها كما نص عليها الامام زين العابدين والائمة عموما، من انها عالِمة معلّمة وانها عارفة محدّثة، ولتكون ثقة الروات دون منازع لدى المدارس المختلفة ..
ان التحاقها بالحسين(ع) دون ممانعة زوجها عبد الله بن جعفر الطيار، والتحاق ابنائها الشهداء بركب الشهداء في الطف، يحل لغزا من النبؤة من أنها مكلفة رساليا عبر جدها خاتم الانبياء(ص)، وابيها الامام علي(ع)، بهذه النصرة، ووالدتها البتول(ع).
كان زوجها عبدالله بن جعفر الطيار، على علم بهذه النهضة ونتائجها الاستشهادية، فلم يمنع الحسين عليه السلام من السفر كغيره من الصحابة والأهل ولم يمنع اولاده وثمرة اكباده من الالتحاق بالمسيرة ولم يمنع زوجته عقيلة الطالبين من مرافقة أخيها، ولو منعها لاستجابت، لأنها على علم شرعي فقهي وأخلاقي بمثل هذا الالتزام وعدم عصيان الزوج، ولكن كان عبد الله بن جعفر الطيار هو العالم باهمية ولي امره الحسين(ع) وطاعته وبحكم ما اطلع عليه من تعليم رسالي في مدرسة اهل البيت وهو ابنها البار وزوج امرأة مكلفة بدور رسالي سماوي انساني، مثلها مثل أي امرأة من بيت ارسالة فلم تمانع أية واحدة منهن الا ما استخلف منهن الحسين(ع) في المدينة، بل كان عبدالله أول من أعلن الحداد للامام الحسين عليه السلام ولشهداء الطف الكربلائي ومن ضمنهم أولاده في المدينة المنورة.
وهنا ينكشف جانب من هذه الحقيقة الرسالية الربانية قولها لابن أخيها الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدي(ع):
(لا يجزعنك ما ترى : فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله .. الى جدك وابيك وعمك . .).
وهناك بيان لهذه الحقيقة من ابيها الامام علي(ع) اليها والذي يأتي في نسق الوصية:
(يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد ـ أي الكوفة ـ اذلاء خاشعين).
لنستشف عمق الارتباط بين ما نشأت عليه العقيلة زينب عليها السلام وما نطقت به، ارتباطا بلاغيا لا يظهر بين اللغة والسيرة الا لدى العظماء من حيث طرح الفكرة وفي نفس الوقت العمل بها، خلاف من يُنظّر فقط ولا يعمل ولربما لا تتحاح له فرصة التطبيق، او من يعمل ولا ينظّر ولربما ليس له طاقات التنظير، والاهم من ذلك العلم بالحق ومعرفة الباطل، ومثل هذه المعرفة طالما كانت غير شمولية لأي كان .
بقى نص عقيلة الطالبيين(ع)، شاهدا على العصر وقولها مرسخا للنهضة الاسلامية باطروحات الحسين عليه السلام، فبرزت بلاغتها دون اختلاف ما بين محاوراتها مع سيد الشهدا عليه السلام، او مع اخيها ابا الفضل العباس او مع حرائر الركب الحسيني او شهداء كربلاء او فيما بعد مع الناس عموما، هذا من جهة ومن جهة اخرى مع الطغاة كيزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر وازلام الحكم وغيرهم:
.. حينما سألها عبدالله بن زياد أمير الكوفة شامتا مغرورا: : كيف رأيت فعل الله بأخيك ؟
فاجابته بليغة مؤمنة مستقرة، رافضة الحالة الجبرية التي تفرض على الانسان من أن يحمل الله عزوجل الشرّ منهجا باطلا وليكون الله عزوجل قاتلا وتعالى الله عن ذلك، وبين مشيئة أودعها سبحانه وتعالى في الانسان ليقرر أفعاله ما بين الشر والخير، فقالت: ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة ..
.. ومثل ذلك في مجلس يزيد بدلالات الوحي السماوي ضد الطغاة والمنحرفين والمحرفين:
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
ان هذا الموقف والبلاغة تثبت دون شك وجوب التعليم والتعلم للمرأة لتكون حقيقة للامة الناهضة ومساهمة في بناء الأسرة المستقيمة، كي يستقيم المجتمع وتصلح الأمة والانسانية عِلما ومعرفة وأخلاقا.
وانطلاقا من ما ذكرنا، ربما يختلف ويتجادل المؤرخون في تفاصيل حياتها، ولكن توحّد الجميع في تأكد بلاغتها ورؤيتها الاصلاحية التي اعتمدت التعريف بنهضة الحسين (ع)، ولولا هذه البلاغة لدى السيدة عقيلة الطالبيين لاختفت الكثير من الحقائق، وبذلك ندرك كانت(ع)، منصوصا عليها للعب هذا الدور وانها مكلفة بهذه المهة، لتبرز بلاغتها كاحدى الادوات في الحجة والمحاججة لبلوغ الغاية والهدف وهو الاسلام الناصع الانساني العادل، ولتبرز أهمية طباع البشرية المجبولة لمتابعة الصالحين المصلحين واحترامهم عاكسة الاحترام الانسان لنفسه وتقديره لذاته بهذه السيرة التي نعتبرها اخلاقية في بادئ الامر على اقل تقدير فضلا عن دلالاتها الاخرى .
ان المعنى الذي اورده الامام زين العابدين في جوابه لاحد السائلين..
( وهو يقول للامام علي السجاد زين العابدين: من انتصر الحسين أم يزيد ؟
فقال الامام السجاد(ع) : إن أردت الجواب تعرفه عندما تسمع المنادي- يقصد الاذان - يرفع اسم رسول الله مقترناً بالشهادة لله بالوحدانية جل جلاله) ..
لتتحق أصول وفقه البلاغة الزينية استجلاء لقول ابن اخيها الامام علي السجاد زين العابدين(ع) هذا، في تحقق الانتصار لحقيقة الاصلاح وأمل النهضة بمرور الزمن امانة متواصلة باطلاق نبؤة تحققت عبر العصور الى يومنا هذا لارتباط استذكار الحسين (ع) كروح من بلاغتها وما كلفت به وما علمت به، مع حقيقة التوحيد وصدق النبوة وحقيقة الامامة دون انفضاف، لتصرح بها في مجلس يزيد:
( كد كيدك وأسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ).
ليفهم من يريد ان يفهم، وليدرك من يريد أن يدرك، ان دلالة اختيارها وصفات مبادرتها، وجه من أوجه عدم الانكفاء على الحزن في مواجهة ابن زياد بالخطابة كأمرأة عادية مثكولة بأهل بيتها، ومواجهة يزيد في خطبتها العصماء التي اخرست الحاضرين بقوة حقائقها المتجمهرة بالبلاغة، تشكل ثقافة نسائية لعموم النساء المؤمنات الحرات اللواتي ينشدن بيتا مستقيا وابناء علماء ووطن حضاري انساني عادل.
ان هذه البلاغة الغنية باليقين مرتبطة برابط عقائدي امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، في بعدها النسائي الى جانب البعد الرجالي في اظهار اهمية المرأة بالاصلاح العام والخاص، من خلال بيان الحسين (ع)، الذي يكفي المتتبع للاحداث ان يستنتج مبلغ اطاعة امام الزمان المفترض الطاعة ان كان رجالا وان كن نساء بالارادة التامة في اتخاذ القرار للمشاركة بالنهضة تحت لواء الحسين عليه السلام دون تردد، وليس كل من من هب ودب ومدع هنا وهناك كما يعيشه زمننا الحاضر مع الاسف، مع ما يمكن من اظهار بيانات النهضة بعد النكبة المنبأ بها كحجة على الباقين وقد اتخذت زينب عليها السلام هذا الدور بالاساس بخطاباتها وادبياتها ورواياتها :
( شاء الله أن يراهن سبايا ).
وهذه خصوصية واقعة بالنبؤة على نساء أهل البيت فقط دون غيرهن، ولا يمكن الاستدلال بها الا وان كن النساء من عامة الناس تحت راية معصوم، لوضوح بيانها وبلاغة أثرها، كي لا تقع الدنيا والبلدان في هرج ومرج ويتعرض الدين والمذهب الى تحريف وضلال .
اما البلاغة واليقين والايمان ومعنى الرسالة الربانية تستقطب بكل ما اوتي الوحي السماوي من مبادئ في التسليم والاسلام، وهي تؤدي أمانة ما حملت به بعبارتها الخالدة وهي تعلو جسد أخيها سيد الشهداء عليه السلام، فكان الصبر واليقين كركيزتين أساسيتين بهذه البلاغة، فكانت(ع)، في اسلامها الحقيقي راس الصبر واليقين وعنوانهما كامرأة بليغة، رافعة يدها بالقنوت مؤشر الى جثمان سيد الشهداء(ع) المقطع:
( اللهم تقبل منا هذا القربان )..
................................................................
Share |