(حكايتي مع البدوي )/باقر العراقي
Sun, 23 Dec 2012 الساعة : 22:55

ذكر لي احد ضباط الصف في الجيش العراقي أيام التسعينات حكاية ، وجدتها تنطبق على ما نحن عليه الآن من وهن وضعف وفساد في أركان الدولة العراقية ، حكايته انه كان في إحدى وحدات الدفاع الجوي في جنوب البلاد ، وآمر الوحدة مرتشي وعلى العلن فبعد أن ملأ جيوبه من الجنود (المتبرعين ) في ذلك اليوم ، مقابل إجازة لمدة أسبوع ، غادر الوحدة العسكرية مع حاشيته والضباط المقربين إليه مدعيا انه في إجازة ، إلا انه عاد في اليوم الثاني ووجد أن أغلبية أجهزة الرادار في كتيبة الدفاع بدون إطارات ، وكان أمرا دبره صاحبنا بليل .
وبعد التحقيق مع الضباط والجنود وسجن بعضهم ، وتعذيب الآخرين منهم ، وكيل تهمة السرقة على هذا الجندي وذاك العريف ، خرج ذات يوم آمر الوحدة من المعسكر ، ومعه قوة عسكرية لا يستهان بها ، وألقى القبض على راعي ابل (إعرابي ) ، كان يرعى قريبا من الثكنة العسكرية ،واضعا عقاله حول رقبته ومكتفا يديه بكوفيته ، ومتهما إياه بسرقة الإطارات ، والراعي يردد أنا بدوي ولا اعرف غير ابلي مالي وإطاراتكم ، فقال آمر الوحدة أنت السبب في كل هذه الكارثة ، وأنت المتهم الأول ..
وفي احد الأيام كان هناك تعداد صباحي لملاك الوحدة بوجود الآمر ،عندما جاء احد ضباط الصف متأخرا وكان معتوها كما متعارف عليه بين الجنود ، فبادره الآمر لماذا تتأخر دائما أيها المعتوه؟ فأجابه ( الصوج، صوج البدوي )أي أن السبب يقع على عاتق البدوي راعي الإبل وليس أنا ، وذهبت كلماته مثلا في ذلك الوقت للتخلص من عمل سيء يتهم به احدهم ..
مغزى الحكاية إننا بحاجة ماسة جدا إلى مثل هذا البدوي ومن خارج الحدود، نضع عليه أكوام الفشل والإخفاقات التي نعاني منها هذه الأيام ، فبعد الأزمات السابقة وأزمة الإقليم والمركز التي لازالت قائمة وأزمة الرئيس القلبية ، تولدت لدينا أزمة اعتقال حماية وزير المالية ومن يدري قد تتحقق نبوءة السيد الهاشمي حينما قال سيأتي الدور عليكم واحدا واحدا ، أم قد يكونوا هم فعلا شركاء في التهم الموجهة إليهم .
اللوم دائما يقع على البدوي المسكين فهو الشماعة الكبيرة التي يوضع عليها سلب ونهب وحتى جرائم وإرهاب المسئولين الكبار ، والصدر الرحب الذي يمكنه أن يحمل ويتحمل كل هذه المصائب ، والحل أن نعرف كل الحقيقة وليس جزء منها ، لأن معرفة الكل يغنينا عن السؤال واعتقد أن الشعب العراقي أصبح يعرف كثيرا من الكل ، ويجب أن يعرف الكل ، خاصة ونحن مقبلون على خيار وبأيدينا ..