مَنْ يحكم العراق اليوم ومَنْ سيحكمه غداً/الدكتور ماجد السامرائي - لندن
Thu, 20 Dec 2012 الساعة : 22:31

سؤال بسيط لا ينطلق من أجندات حزبية وسياسية وطائفية. ولكنه قد يستفيد في التحليل من خلفيات تاريخية تتعلق بحكم الحزب الواحد أو الفرد الواحد.. أو من معطيات حالية الطائفة الواحدة.. القائمة الواحدة.. الكتلة الواحدة.. بعد تراجع فكرة الشراكة السياسية. هل يحكم العراق اليوم حزب أم طائفة أم شخص؟ أم ان من يحكم العراق جميع هذه العناوين.. يمثلها اليوم نوري المالكي الذي يحاول الخروج من المنصب البروتوكولي على أهميته وثقله الى الزعامة السياسية..
نتائج التنازع السياسي الذي حصل عشية تشكيل الحكومة أواخر عام 2010.. هل كانت تزكية غير معلنة للطائفة الشيعية أم للزعامة السياسية الجديدة؟ وهل كان اتفاق أربيل مبايعة لتلك الزعامة أم لسيادة الطائفة الشيعية؟ واذا كان الأمر كذلك ومعروف من قبل جميع الأطراف، فلماذا الانزعاج من هذه النتيجة؟ أم ان لعبة مُحكمة في المخادعة قد مُررت ضد الخصم المعارض أياد علاوي رغم توفر جميع المعطيات اللوجستية والشرعية لاستلامه الحكم؟ أربيل كانت للأسف توقيعاً على هزيمة وتراجع وضياع فرصة ذهبية..ولا تنفع شعارات التبرير على بنود شكلية وتفصيلات غير مهمة. من انتصر ومن هُزم في أربيل.. المقدمات كانت واضحة والنتائج تابعة لتلك المقدمات…
المالكي قدّم نفسه ابناً لحزب ديني هو حزب الدعوة معروف بمنهجه وشعاراته وولاءاته الداخلية والخارجية.وكسب رهان الفوز بالسلطة.. ولكن الامتحان فيما بعد كان أشق وأصعب.. سيادة الطائفة تحققت في العراق عبر شعار المظلومية والحشد السياسي الشعبي المُبرمج منذ عام 2003 هو الذي قاد الى نتائج انتخابات عام 2005 وحُكم من يمثلون الطائفة؟ وحتى لو كانت هذه الوقائع صحيحة، هل هي لصالح الطائفة الشيعية في العراق؟ أمام ما يعيشه البلد من أزمات، وهل صحيح ان حكم الشيعة في العراق اليوم ليس في صالح جمهور الطائفة الشيعية، وانما لمنافع الطبقة السياسية التي تمثلها؟.. مع اني لست مع هذه النظرية فلا السنة حكموا العراق منذ تأسيس الدولة العراقية، ولا الشيعة يحكمون العراق اليوم..
لا توجد تجربة عمل سياسي واضحة يمكن الاستناد عليها في الحكم بعد 2003 فالدستور أصبح عنواناً للاختلاف والصراع.. هناك صيحات تارة باسم الدستور وتارة أخرى باسم الشراكة،الجميع في جلساتهم الخاصة يستهزؤون بها. حتى المالكي نفسه سخر منها عشية تكليفه من قبل البرلمان بحكومة 2010
من يحكم باسم من؟
الشعارات الطاغية هي للحكومة بجميع أجهزتها السياسية والعسكرية والاعلامية. مجلس النواب ضعيف لكونه ظلال الحاكمين ومن هم معارضون من دون معارضة لكونهم مشاركون في الحكومة وليس السلطة.. لا يُعرف لماذا يرتضون هذه المعادلة؟ الجميع منتفعون من السلطة، والشعب في واد آخر.
من يحكم البلاد؟ هل هو نوري المالكي.. وهل هو حقيقة مشروع دكتاتور جديد ؟ وهل حقيقة انه رجل ايران؟ أم رجل العراق الموالي لايران؟ أم انه حاكم من نوع آخر في ظل النظام الديمقراطي الجديد الذي صنع دعائمه بريمر؟
ثم لماذا تأخر المالكي لحد اللحظة عن تقديم نفسه للعراقيين كصاحب مشروع وطني عراقي؟ هل لكونه يعلم بأن من رفع هذا الشعار والبرنامج خصمه أياد علاوي، ولا يريد تقليده؟ أم يعتقد بأنه يمثل المشروع الوطني؟
لماذا تبقى كل هذه الأسئلة مجرد شعارات نظرية وتحليلات عامة لا تخضع للفحص والنقاش أمام الرأي العام؟
لماذا لا تطرح مسألة من يحكم العراق بجرأة؟
الكلام عن صناديق الاقتراع والديمقراطية سهل، وتم تجريب هذه الممارسة، واكتشف الجميع لعبتها.. ولكن ما هو المشروع السياسي المطروح على الشعب، وأين برنامجه؟ هل حكم الطائفة أم حكم الحزب أم حكم الفرد؟ ولماذا تطرح شعارات هامشية مثل حكومة الاغلبية السياسية في هذه الأيام.. وكأن المقصود بها نقيضاً للأغلبية الطائفية .
هناك من يقول ان ايران هي الحاكمة والمتحكمة بالعراق عن طريق حزب الدعوة، بل هناك من يدعي بأن حاشية المالكي من المستشارين هم الحاكمون الفعليون في العراق..
ولكن يبقى الكلام الأكثر دقة ان المالكي هو الحاكم الفعلي في العراق ويدير البلاد بأذرعه العسكرية والأمنية والاستخبارية، وهو الذي يخطط ويرسم وينفذ على كافة المستويات العسكرية والسياسية وحتى الاعلامية.. واذا كانت هذه هي الحقيقة وغيرها كلام للاستهلاك.. فهل يحكم العراق باسم طائفته الشيعية أم حزبه العقائدي أم باسم المالكي من يوافق ومن لا يوافق على هذه الفرضية، لكن الحقيقة هي انه كسب الرهان باسم قائمته دولة القانون وكتلة التحالف الوطني التي بايعته ولم تتراجع عن هذه المبايعة لحد اللحظة رغم ما يسمع هنا وهناك من خلافات جانبية..
ولكن ماذا عنده للناخبين اذا ما أراد الدخول في شوط الانتخابات المقبلة؟ وماذا عند خصومه … المعادلة الواقعية تختلف كثيراً عن المعادلة السياسية، وهي ليست لصالح المالكي.. يحيطه في أروقة الحكومة فساد هائل ومشكلات ادارية في الحكم، هل يحكم العراق كلّه أم عرب العراق حسب؟ وخصومه متفرجون والمتفرج يسجل نقاطاً على خصمه الحاكم..اذا أراد الدخول في اشتباك سياسي جديد مع خصومه عليه قبل ذلك التخلص من هذا الثقل المرعب على كتفه، وهل يمتلك الوقت لذلك. ولكن المعادلة السياسية لصالحه كونه يمتلك عناصرها.. فيما اذا استطاع الخروج من دائرته العقائدية حتى وان ظل وفياً لها والانتقال الى الوطنية، وهو قادر على ذلك اذا امتلك الارادة في التغيير .. كما ان لعب المناورات الفئوية الحزبية ومد شباك الاغواء بالمكاسب والمنافع الذاتية، قد تحقق بعض النتائج على مستوى نفر معدود من جسم القائمة العراقية، ولكن أي مدرك في السياسة يراهن على الأرقام التي احترقت عند جميع الكتل السياسية خلال السنوات الماضية، التي لن يكون لها مجدداً دور في كسب الجمهور العراقي المحبط.. فالوجوه الجديدة من الوطنيين العراقيين ممن لم تتلطخ أياديهم وجيوبهم بمنافع الفساد المالي والاداري هي التي ستكون عليها المراهنة.. وهي كثيرة وصامتة.. أياد علاوي شيعي المذهب لكنه تخلص من سلبيات هذا الوصف في السياسة نحو الوطنية العامة لأنه علماني ليبرالي.. أما المالكي فيحتاج الى قرار كبير والى أدلة قاطعة وممارسات سياسية واضحة.. أم انه ما زال مصراً على الاحتفاظ بأوصافه وانتماءاته الفئوية والمذهبية..
الصراع الحقيقي
الصراع الحقيقي هو في هذا المفصل المهم.. تنفيذ مشروع المواطنة والوطنية العراقية.. وهذا الأمر ليس شعاراً استهلاكياً للحملات الانتخابية، بل خيار فكري وسياسي واجتماعي.. والمالكي قادر على الدخول في هذا الخيار منذ اللحظة، لأنه هو الحاكم.. هو الذي يقرر وينفذ.. ولكن عليه توفير العديد من المستلزمات التنظيمية والسياسية، ومع الاحترام لمكانة حزب الدعوة لدى مناصريه، الا أن السيد المالكي لن يستطيع أن يحكم العراق بحزب الدعوة، لأن خارطة التيارات والكتل داخل طائفته الشيعية كثيرة وأبرزها التيار الصدري.. وهناك صراعات سياسية عميقة حول المكانة والوجاهة المذهبية لدى الطائفة الشيعية لها الأثر الكبير في اللعبة القادمة.. واذا كان المالكي جاداً في الدخول ببرنامج وطني حقيقي.. عليه مثلاً مسح الكثير من آثار الدمار النفسي والمادي الذي لحق بقطاع كبير من العراقيين رجالاً ونساء وشيوخاً واطفالاً..هناك ملايين ثلاثة أو أربعة من الأرامل يتقدمن في الحقوق حتى على الشهداء الأكارم الأموات لأنهن يعشن معاناة الحياة.. وهناك طفولة معذبة بسبب اليتم.. المواجهة الحقيقية هي هذه.. وليست في المناكفات السياسية أو في قضايا بعيدة عن الهم العراقي.. أو الاستغراق في تفصيلات ملفات حكومة يطغى فيها الفساد.. عليه عدم الاكتفاء بالتطمينات الاعلامية، ومنح فرص حقيقية لجميع الوطنيين العراقيين ومن أصحاب الكفاءات السياسية والعلمية.. والقضاء على بطالة الشباب، واصدار قرارات جريئة باحالة المتهمين بالفساد الى القضاء وفضحهم في الاعلام.واطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وتنظيف السجون من قراصنة اصطياد الأبرياء واخضاعهم للتعذيب،واشاعة العدالة.. أما اذا استسهل المالكي اللعبة واعتقد بأنه قد أنهى مهمة ازاحة خصمه أياد علاوي من الساحة، من خلال جر مجموعة من قائمته واغرائهم، فهذا الجانب لن يحقق مكسباً سياسياً مهماً في المعركة، وهي لم تنته بعد، وعلاوي لن يستسلم بسهولة.وأعتقد لا بد للمالكي من اعادة قراءة المتغيرات الداخلية والاقليمية خلال الشهور المقبلة، وخصوصاً وضع الحكم في سوريا الذي أصبحت فيه قضية المساندة الاقليمية والدولية غير قادرة على تعطيل انهياره، هذه المتغيرات المحتملة سيكون لها أثر على خارطة المشهد السياسي العراقي. ان أي شعور بأن ساحة المنافسة قد خلت من الخصوم الخطرين، هو فهم لا يستند الى قراءة ذكية.
أما أياد علاوي فيلزمه جهد سياسي وتنظيمي كبير لكي يستطيع معاودة الوقوف على رجليه مجدداً والدخول في شوط المنافسة.. لعبة التسقيط السياسي عبر وسائل الاعلام لا تقدم مكاسب لوجستية جدّية.. عليه القيام بمراجعة جذرية لبنية مشروعه التنظيمية داخل حركة الوفاق وفي اطار الكتلة السياسية الجديدة التي قد ينوي التحرك وفقها، وتقديم برنامج متجدد فيه قدرة على استشراف الواقع والمستقبل وتنفيذ آليات عملية للتعبير عن آمال الجماهير.. علاوي بحاجة الى اجراء مراجعة ثورية شبيهة بالانتفاضة لامكانيات قيادات حركته وقائمته من حيث مستوى القدرة في العمل السياسي العراقي والولاء الحقيقي لمنظومته، وازاحة النفعيين،ومن ثبت فشلهم السياسي، فالجمهور العراقي محبط ولن يعيد تجديد الولاء لأشخاص ابتعدوا عن الناس، خصوصاً ان قانون انتخابات المحافظات الجديد سيجعل الناخب يعطي صوته مباشرة لمن يريد وليس للقائمة.وعليه الانطلاق بوثبة حقيقية تتجاوز حالة الترهل الحالية وبناء تحالفات سياسية جدية حول مركزية مشروع وطني عراقي، والتوجه نحو الجمهور مباشرة ببرنامج جريئ يستخدم الأدوات السياسية القادرة على التواصل مع الناس عبر وسائل اعلامية جريئة وصادقة.. والفرص دائماً متاحة أمام السياسيين.. من المؤكد ان هناك من هو يائس من هذه الفكرة ومحبط، ويعتقد ان سيناريو اللعبة الأكثر رجحاناً هو تجمع كتلوي سني يكون بعيداً عن المالكي أمام الاعلام في المرحلة الأولى ثم ينضم اليه لاحقاً.. خصوصاً وان هذا السيناريو له من يدعمه ويتناغم مع دعوة المالكي لفكرة الأغلبية السياسية . وهل سيلد الواقع السياسي العراقي تكتلات سياسية جديدة أو متجددة قادرة على المنافسة؟ أم ان الانقسام الطائفي والعرقي قد حصل وأعاد العراق الى ما قبل الدولة الوطنية الحديثة.
خلاصة القول
على السياسيين ألا يراهنوا على تحليلات الصالونات الضيقة والحسابات الفوقية المرتبطة بالمنافع والثقل المالي وحتى الاعلامي، والدخول مع الجمهور العراقي بحوار جدي من دون شعارات براقة.. ماذا نريد للعراق.. وهل قدمت السنوات العشر الماضية ورجالها شيئاً للمواطن العراقي.. قد يقول البعض ان هذا تنظير والواقع يقرأ غيرذلك.. مفاتيح الدخول الى نفوس العراقيين سهلة ومتيسرة.. يمكن للحاكم أن يتحول من خلالها الى زعيم.. العراق بحاجة الى زعامة صادقة .. والزعامة لا تعني الدكتاتورية.. هي قيادة مشروع للتحول الزمن فيه له قيمة .. الأمثلة الانسانية المعاصرة كثيرة.. اليابان.. ماليزيا.. تركيا.. الامارات.. الرموز السياسية فيها أصبحت لها مكانة خالدة في نفوس شعوبها وبزمن قياسي.. لأنها تركت أثراً في واقع تلك الشعوب.. في العراق امكانيات هائلة مادية وبشرية ليس لها مثيل، ولكن لا يوجد مشروع للتحول.. هناك مال يصرف بطريقة لهو الأطفال بالألعاب.. قد يكون هذا الكلام قاسياً على البعض.. ولكنك حين تتحدث مع أي مسؤول عراقي تجده يتذمر لأنه لا يعرف أين المشكلة.. فهناك تخبط وضياع.. الجميع يرمي المسؤوليات على عكازة العملية السياسية وشراكة السلطة.. لكن ماكنة الحكومة تشتغل والميزانيات تنفق بطريقة مخيفة.. هناك تبريرات ودفاع عن النفس بشكل منفعل قد يصل الى درجة الحقد والكيد على المنتقدين المخلصين.. مع ان جميع العراقيين في مركب واحد، والمخلصون يهدفون الى اخراج بلدهم من أزمته الحالية.. هل المشكلة الحالية بين رموز العملية السياسية الذين جاؤوا معاً عشية الاحتلال.. هل هي مشكلة تقاسم السلطة وغموض الدستور الذي جمعهم وفرّق العراقيين.. التنافس على الزعامة مشروع وفق الاطار الدستوري الذي قبله جميع المشاركين في العملية السياسية
شوط المنافسة الجديدة ابتدأ بمقدمات تبدو غير واضحة وغير منظمة.. هل تعاد دائرة الاستقطابات والمال العام والتقسيمات الطائفية؟.. هناك احباط شعبي يتوزع على جميع قيادات العملية السياسية من هم داخل السلطة أو خارجها.. من دون ذكر التفصيلات..
العراقيون لا يهمهم ان كان حاكمهم شيعياً أم سنياً..
ما يحتاجه العراق اليوم.. حاكم عادل.. لا طائفي.. قوي صارم للحق وضد الباطل.. يحب العراق ويحب أهله.. لا يناور في مبادئ العدل والمساواة.. قادر على المناورة من أجل حقوق وطنه.. يضع مصلحة أهل العراق ووحدتهم فوق كل اعتبار.


