اين أخطأ الرئيس مرسي ؟/ناصرعمران الموسوي
Thu, 20 Dec 2012 الساعة : 22:14

خرج لابساً ًجلباب الاحتياط في ترشيح الاخوان المسلمين لمنصب رئيس الجمهورية خلفا ً للمرشح الاصلي خيرت الشاطر، وجاء في ترشيحه انه اجراء احترازي سيتم الدفع به في حالة استبعاد الشاطر وقد تحقق ما خشي الاخوان منه وبالمقابل نجحوا في دفع مرشحهم الاحتياط ،ليصطفوا خلفه باتجاه منصب الرئاسة.
ولأن الاخوان الاكثر تنظيماً في فوضى التغيير الخلاقة كما تراها وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية السابقة (كونداليزا رايز ) او الربيع العربي كما درج على تسميته اعلاميا، فقد انتهت الانتخابات المصرية ليكون مرسي رئيساًً لجمهورية مصر العربية، وأول رئيس مدني منتخب وقد واجهته اعتراضات وتحديات كثيرة _ الكثير منها حمل ارثا ً تاريخيا ً سياسياً تمثل بالتاريخ الاخواني في مصر ومرحلة المعارضة وإيديولوجيا ورؤية الاخوان المسلمين السياسية_ واستطاع تفكيك الكثير من الغازها والتعامل معها بواقعية ولعل اهم التحديات التي واجهته هي اداء اليمين القانونية امام المحكمة الدستورية كما ينص الاعلان الدستوري والتي كان يرفض قراراتها ويعتبرها متحالفة مع المجلس العسكري الذي يشكل تحديا كبيرا آخر امامه، يضاف الى ذلك مشكلة حل مجلس الشعب بقرار من المحكمة والذي يشكل الاخوان وحليفهم حزب النور السلفي الاغلبية فيه، وقد نجح في تحقيق ثلاثية الالزام القانوني والحزبي والشعبي حيث ادى اليمين القانونية امام المحكمة الدستورية وامام اغلبية اعضاء مجلس الشعب الذي كان حاضرا في جامعة القاهرة حين القى خطابه الاول، وقبلها زار ميدان التحرير وادى اليمين امام جموع الشعب المحتشدة في الميدان محاولا ً التأكيد انه رئيس شرعي خرج من رحم التغيير الذي كان ميدان التحرير علامته الفارقة، كما حضر مع المشير طنطاوي استعراضاً للجيش، ليعطي رسالة اخرى على انه مع المؤسسة العسكرية وليس هناك اي خلاف مستقبلي فيما بينهما، وانتهى الامر وبكثير من الواقعية والحرفنة المدروسة الى حسم صراعه الاول مع المؤسسة العسكرية، فأقال
طنطاوي وعنان والكثير من قياداتها التي حصلت على مناصب استشارية واحيل بعضها على التقاعد، لتخرج من حلبة الصراع ويحقق مرسي انتصاره الاول في مواجهة المؤسسة العسكرية التي لا ينظر اليها الاخوان بارتياح تاريخيا، وبمحاولة لجس النبض القضائي اصدر مرسي اعلانا دستوريا بإلغاء قرار حل مجلس الشعب، الرد كان قويا مما حدا به للتراجع عن اعلانه، ليدخل في مشكلة اخرى تعامل معها بقوة وهي الاحداث في سيناء ومن خلالها برز تحد جديد تمثل في العلاقة مع اسرائيل والالتزام باتفاقية (كامب ديفيد ) للسلام فقد أكد منذ البدء الالتزام بالاتفاقيات التي عقدتها مصر والطريف في الامر ان الاخوان وبتصريح لهم قالوا ان الاتفاقية ليست شراً كلها وأن هناك الكثير من نقاط الخير فيها لدى قراءتها بشكل جديد.
وكانت لاحداث غزة اهمية كبيرة لمرسي الذي لعب دورا كبيرا في التهدئة ساعده في ذلك التحرك القطري الداعم له وللإخوان ما اضاف رصيدا دوليا له، وعلى الجانب الاقتصادي حاول مرسي بناء اقتصاد متعدد المصادر ما بين الولايات المتحدة والصين وتركيا اضافة للدعم الخليجي والعلاقة مع ايران، وكان بتحركاته يستند الى صلاحيات كبيرة بغياب مجلس الشعب المنحل وهيمنة حزبه على مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، والتي شهدت الكثير من الانسحابات على اعتبار أن الدستور لا يمثل تطلعات الشعب في الحياة بدولة مدنية تضمن الحريات والحقوق التي كفلها الدستور وليست دولة دينية، وبعد ان شهدت الجمعية التأسيسية الكثير من الانسحابات ،وأصبح مصيرها بيد القضاء، جاء قرار مرسي بإقالة النائب العام المستشار (عبد المجيد محمود) في محاولة لركوب موجة التظاهرات الجماهيرية التي طالبت بإقالة النائب العام بعد صدور احكام بالإفراج عن الكثير من المتهمين في موقعة (الجمل) والحكم الصادر بحق الرئيس السابق مبارك، وكنوع من جس النبض في معركته وصراعه مع القضاء ،وقد جوبه بالرفض والردود المنددة ليتراجع عن قراره ،ولكن وبعد ان اصبحت الجمعية التأسيسية قاب قوسين او ادنى من تحديد مصيرها قضائيا، اصدر مرسي اعلاناً دستورياً حصن فيه قراراته من الطعن ليكون بعيدا عن قرارات المحكمة الدستورية والقضاء، وأقال النائب العام وقام بتعيين نائب عام جديد هو المستشار طلعت عبد الله _السيئ الصيت في البحرين حيث كان يعمل هناك وأصدر الكثير من قراراته الجائرة بحق ثوار البحرين _ والذي بدوره تلقى اول رد فعل بعدم حضور المدعين بالحق الشخصي الى المحكمة على اثر اعادة المحاكمات التي اصدرها مرسي في اعلانه الدستوري الاخير احتجاجاً على الاعلان الدستوري الاخير، في حين كان الرد السياسي قويا حيث توحدت كل قوى المعارضة الثورية والليبرالية والشعبية والقومية لتقود مظاهرات احتجاجية عارمة وتشكيل جبهة انقاذ، الامر الذي حدا بمرسي الى تمديد عمل الدستورية لمدة اسبوعين لإنهاء مسودة الدستور وعرضه على الاستفتاء، في خضم تصاعد الرفض القضائي للإعلان الدستوري الذي يمس استقلالية القضاء وكان لنادي القضاة في مصر الدور الاكبر حيث جاء رد القضاة وعن طريق مؤتمر اعلامي اشار فيه المستشار الزند رئيس نادي القضاة الى رفض الاعلان الدستوري مطالباًً الرئيس بالتراجع عنه ،لكن الرئيس خرج امام انصاره الذي احتشدوا امام جامعة القاهرة ليدافع عن الاعلان ويؤكد ان قراراته وحماية لمكتسبات الثورة ، وفي اليوم التالي أصبح المشروع الدستوري جاهزا ً في عهدة الرئيس الذي أعلن تاريخا ً للاستفتاء خلال خمسة عشر يوما، وهنا ادخل الرئيس تراكمات اخطائه الاخيرة لتكون بمرمى المعارضين فقد تزامن ذلك بمحاصرة مناصريه لمبنى الاتحادية ومنع القضاة من عقد جلسة قضائية تبت بمصير الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ، الامر الذي قابله القضاة بتعليق العمل القضائي في الاستئنافات ومحاكم الاقاليم قابلته تظاهرات
ازدادت ضراوة في ميدان التحرير اهمها تظاهرة (للثورة شعب يحميها) التي قادها (عمرو موسى وحمدين صباحي والسيد البدوي وايمن نور والكثير من قوى المعارضة ) ثم التظاهرة التي دعت الى الزحف الى قصر الرئاسة وهو ما حصل بالفعل ،وقابله الاخوان وأنصار مرسي بتظاهرة سميت (حماية الشرعية ) وشهدت صدامات ادت الى مقتل اثنين وإصابة العشرات .
ان الاعلان الدستوري الاخير هو الخطأ القاتل الذي اقدم عليه الرئيس المصري وبستراتيجية اخوانية مستعجلة جدا ومثل (قفزة في الظلام ) كما يقول (محمد حسنين هيكل) الذي يرى ان مرسي الذي يعاني الان مشاكل مع القضاة والشباب والصحافة يسير نحو العدمية.
ان قوة القضاء في مصر واستقلاليته تجعلان له مكانة عالية في نفوس المواطنين وتجعلان من سيادة القانون حقيقة اساس الحكم في الدولة وهو الذي اكده الدستور المصري الصادر عام 1971 وفي الباب الخامس
(السلطة القضائية) وبخاصة المواد القـــــــانـــونية (168،166،165) منه
والمادة (174) التي نصت على ( المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها ،في جمهورية مصر العربية مقرها القاهرة).
ان منطلق فرض الامر الواقع واستثمار اللحظة والفرصة التاريخية التي تعكزت عليها حكومات ما قبل التغيير في اضطهاد الشعوب وفرض اراداتها ،انتهى وعلى الرئيس المصري الذي يحتفظ بشرعيته الى الان ، ان يبدأ حواراً جدياً منطلقا من معالجة اخطائه السابقة وان يكون بمنأى عن الرؤية الحزبية والتأثير الخارجي ليكون رئيساً لكل مصر كما قال في خطابه الاول في جامعة القاهرة وإلا فان تزمته سيكون درساً تاريخياً مؤلما له ولشعب عشق الحرية والتضحية ،فهل سيستوعب الرئيس المرحلة الجديدة ويعالج الاخطاء ويتعكز على القضاء كحجر زاوية في بناء دولة القانون والمؤسسات؟ ذلك ما ستقرره الايام القادمة ومصر تنتظر.


