الامام الكاظم "عليه السلام" في السجن اماما وقائدا فاعلا ومتحركا-عبد الكريم السعيد/ الناصرية

Wed, 29 Jun 2011 الساعة : 8:05

لم يكن الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام )مجرد رجلا مؤمنا عابدا وزاهدا فقط , او عالما فقيها يهدي الناس الى احكام الشرع وتكاليفه ويحّلباعلميته المعجزة كل المشاكل المستعصية في قضائه الذي كان يقضي به بين الناس ولم يكن علمه الغزير علما مجردا عن اهداف سامية , كانت تعيش مع ذاته و عبادته وطاعته لمولاه,بل كان يريد من خلال ذلك كله هو ارتباط العباد ارتباطا حقيقيا برب العبادوحاكميته في حياتهم الدنيوية والاخروية , و العمل من اجل خلاصهم منسجن جبروت الشيطانوطغيانه ونبذ ولايته, وتولي ولاية الرحمنوحكومته ,وتلك كانت ولازالت هي رسالة الانبياء والقادة العظام ,كان الامام الكاظم عليه السلام يحمل مشروعا كبيرا ,ورسالة عظيمة, كان يرى بل ينبغي ان يعمل بقوة من اجل تنفيذ اهداف تلك الرسالة وبكل الوسائل والطرق المتاحة وبما اوتي من قوة وصبر وعلم وتحمّل للاذى والمشاق التي تعتري طريقه,كان يرى ان سلطان الله وحاكميته لابد ان تكون واقعيةومتجسدة في نفوس الامة بل في كل مكان من هذا الوجود ببصيرته الثاقبة, ويعيشبعبودية تمامة تحت كنف سلطانه وحكمه بكل جوارحه ومشاعره وعقله وفكره وعبادته ومعاملاته,كان يعرف تماما واجباته وتكاليفهالقيادية في تلك الفترة الحرجة التي اصابت الامة بوباء الملك العضوض والطاعة العمياء للسلطان الدنيوي والخوف منه عندما استبدلت الامة فيها طاعة العبد على طاعة مولاه وطاعة المخلوق على طاعة خالقه وطاعة المربوب على طاعة ربه, لذا كان يرى ان الامة اصبحت خاوية جاهلة ومنقادة بعمى الجهل والضلالة لغرورالدنيا وزخرفها و والذل تحت خدمة السلطانوعبيده حتى لو كان ثمنتلك الطاعة معصية الله ومخالفة احكامه, كانت الامة في تلك الفترة تعيش حالة من التخاذل والابتعاد عن الاسلام واحكامه بمسافة كبيرة جدا,فلابد اذن من ردم تلك الفجوة ولابد من النهوض باعباء اداء الامانة ,لان الامامة امانة تحتّم عليه ان يعمل من اجل اداءها حتى لو كانت روحة الطاهرة ثمنا لها,لذا لم يكن السجن لهضربة مفاجئة لقيادته اربكت حساباته, وقطعت اتصاله مع قواعده في الخارج بل كان السجن له منبرا, وميدان عمل وحركة مستمرة وتعليمات ومركز قيادة فاعلة لقيادة الجماهير خارج السجن, بل كان الامام الكاظم عليه السلام يرى ان السجن فرصة لحرية الحركة بعيدا عن عيون السلطان, بل يعطيه مرونة اكبر في القدرة على تحريك الجماهير وقواعده وايصال توجيهاته الى اتباعه واصحابه واهل بيته,قد يستغرب البعض من ان الحرية كيف تكون في السجن ذات معنى , بلاان السجن بالنسبة للقائد هو الحرية بعينها, لان السجن في نظر القائد حركة وفعل وقيادة,وليس سكون وجمود وانتظار المصيرالحتمي,كما ينظر له الاناس العاديين, لان القائد بحكم خصوصيته القيادية ورؤيته الثاقبة ومهارته العملية له القدرة على استغلال كل فرصة وكل لحظة تمر في حياته مهما كان نوع تلك الفرصة من اجل قيادة الجماهير,فكيف الحال اذا كان القائد اماما وعالما بماذا يريد وعارفا بما ينبغيعليه ان يعمل,بالتأكيد ان السجن بالنسبة له حرية وليس حبس وابتعاد عن الجماهير,لم يمر يوما من ايام السجن الا وكانت توجيهاته,لقواعده في الخارج تصل بسهولة وانسيابية ,ويستقبلها الناس والاتباع بطاعة كبيرة,دون خوف او ترددّ فقد كان للامام عليه السلام عيون ناصحة , واصحاب مخلصينيعملون في قصر السلطان وبين حاشيته, ينفذون اوامره وتوجيهاته بدقة كبيرة واخلاص منقطع النظير وايصالها لقواعده الجماهيرية ,كان من خلال ذلك ومن خلال وسائل اخرى خافية عن عيون السلطة يقود الامة بصورة غير مباشرة عن طريق اصحابه وشيعته الذين كانت لهم الحضوة والسلطة في مؤسسات الدولة والسلطان, حتى السجّأنين او موظفيالسجن وادارته كان يعملون تحت قيادة الامام الكاظموولايته,
لذلك لم يكن هارون وبطانته على جهل بتلك الامور,ولم تكن السلطة غير عارفة بتلك الحركة وتلك القيادة الحقيقية للامة,ولكن المشكلة انهم كان ينقصهم الدليل على ذلك, فلم يستطع هارون وسلطته الغاشمة ورغم اجهزته الامنية القمعية ان يجدوا ولو دليلا واحد علىحركة الامام وقيادته, لكن هارون كان يشعر تماما ان هناك خطرا يحدقبه ويهددّ سلطانه وسلطته, وكان يشعر تماما ان السجن لم يقيّد ابدا حركة الامام الكاظم عليه السلام ولم يوهن من عزيمته, بل كانالامام في السجن امة في قائد و قائدا في امة, كما كان كذلكخارج السجن ,رغم انهيعلم انه يقبع في دهاليزالسجون المظلمة وزنزاناتها المرعبة , هكذا كان الامام الكاظم عليه السلام, لذلك قرّر هارون وعصابتهالخلاص من خطر الامام عليه السلام بعد ان شعروا ان زمام القيادة بدأ يفلت من يدهم ,وبعد ان علموا تماما ان هذا الامام السجين لازال يقود الامة بقوة وفاعلية ويحرّك جماهيره باكبر قدرة من ذي قبلو يقود قواعده بسهولة وانسيابية وهم ينفذوا توجيهاته وتعليماته بطاعة كبيرة, واخلاص منقطع النظير و عندما تيقنّهارون بان الامةاخذت تلتف بقوة حول قيادة الامام الكاظم وتنبذ قيادة هارون وعصابته وبدأت اركان سلطته تنهار ودولته في طريقها الىالزوال, لابد اذنللحاكم الفرعوني وحاشيته ان يلجئوا الى وسائلهم القذرة وهي اعدام القائد والامام العظيم موسى بن جعفر, لان هارون كان يعرف تماما ان السجن لم يفي باغراضه واهدافه ولم يكن ذو جدوىفي محاولةضرب قيادة الامام الكاظم عليه السلام وتدمير قواعده , بل بالعكس ان السجن وسّع من مساحة القيادة والقاعدة اكبر من ذي قبل , فكان قرار الموتللامام العظيم عن طريق السم ,وهي طريقة الاذلاء والخائفين في انتهاج طريق الغدر والكيد الذليلللعظماء من القادة ولكنهارونكان يجهل, ان قرار اعدام الامام الكاظم سوف يعجّل في نهاية سلطانه وجبروته وفساده و نهاية طغمته المتسلطة على رقاب الناس لان الجهل والتخلف دائما هوالمسيطّر على عقولهم العفنة و هو ديدن الفراعنة والمتجبرين في كل زمان ومكان...
 

Share |