الخطورة الجرمية وحماية المجتمع في النظام الجنائي/المحامى عبدالاله عبد الرزاق الزركانى

Tue, 4 Dec 2012 الساعة : 23:13

 

الخطورة الإجرامية هي حالة في الشخص تتكون من تفاعل عدة عوامل، نفسية واجتماعية وغالبا ما تؤدي إلى بروز ظاهرة تكيف بتركيبه نفسيه معقده يلازمها انفعال غير متجانس وهذا ما يطلق عليه –الخطورة ألجرميه وتلعب هذه الخطورة دورا مهما في النظم الجنائية الحديثة، المر الذى يؤدى الى فرض العقاب حيث يعد قاصرا على توقيع الجزاء على مرتكب الجريمة لردعه، بل يتعداه إلى غرض آخر وهو إعادة إصلاح المجرم وبأهلية .
وبما أن مرتكبي الجرائم يتفاوتون في أحوالهم النفسية وفي الظروف الاجتماعية المحيطة بكل منهم، فإن الخطورة الإجرامية تتفاوت من مجرم إلى آخر، مما يستوجب تبعا لذلك اختيار الحكم الملائم بالنسبة لكل واحد منهم بغية تحقيق الغرض الحقيقي للجزاء وهو إصلاح المجرم العادي إذ أن ما يناسب احد المجرمين من الجزاءات وفقا لدرجة خطورته الإجرامية قد لا يكون مناسبا لمجرم آخر أرتكب نفس الجريمة ولديه خطورة إجرامية اقل .
أن الكشف عن حالة الخطورة الإجرامية ليس بالأمر السهل لان ذلك يستلزم إتباع أساليب علمية تعتمد على دراسة منهجية لشخص المجرم ومعرفة حالته النفسية وظروفه الاجتماعية التي أحاطت به وقت ارتكابه لجريمته وما سبق الفعل.
ولذلك تحرص المجتمعات الإنسانية على بذل أقصى الجهود لمكافحة هذه الظاهرة السلبية التي تهدد كيانها وتعمل على استئصالها أو الحد من أثارها الضارة قدر الإمكان .
ومقاومة ظاهرة الإجرام، باعتبارها احد أخطر عوامل الشر التي تلحق الاذى بالمرتكزات الاساسيه للمجتمع وإعطاء الاولويه فى العمل لمحاربة ظاهرة الإجرام، مع مراعاة مبدأ الشرعية القانونية واعتبارات العدالة لكونها من القيم الثابتة التي تقوم عليها السياسة الجنائية في التشريعات ألعقابيه المختلفة إذ يقوم مبدأ الشرعية على فكرة أن على الدولة هي التي تحدد سلفا الأفعال الجرميه ولها حق التدخل بالعقاب عند ارتكابها وتحدد العقوبة أو الجزاء الذي ينبغي توقيعه على الجاني إرضاء للشعور العام وتحقيقا للعدالة وبموجب التشريع وطبقا للنظام الدستوري .
ويقتضي تحقيق العدالة وجود تناسب دقيق بين درجة جسامة الفعل ألجرمي ودرجة جسامة الجزاء للجاني من حيث نوعه ومقداره وأسلوب تنفيذه من جهة، وان يتناسب هذا الجزاء مع شخصية المجرم والظروف والباعث على الإجرام من جهة أخرى، وهذا يعني ضرورة أن يتناسب الجزاء مع مدى جسامة الجريمة بالدرجة الأولى، مع الأخذ بعين الاعتبار مقدار الخطورة الإجرامية لمرتكب الجريمة، ومدى استعداده أو ميله للإجرام لأن الجناة يتباينون في شخصياتهم وفيما يعتمل في نفسية كل منهم، وفي الظروف المحيطة بهم، وبذلك، تتفاوت درجة الخطورة الإجرامية بمقدار التفاوت في مدى الالتزام بالقواعد المنظمة للسلوك الاجتماعي والقواعد ألعامه للنظام العام
ومع تطور المجتمعات، فقد تطور النظام العقابي، وتبعه تطور مفهوم العقوبة، ولكن الغرض منها هو مكافحة الجريمة إلا أن طريقة الوصول لتحقيق هذه الأهداف قد تغيرت، وصارت النظرة إلى الجانح مع مرور الزمن تأخذ منحى آخر، فبدلا من اعتبار مرتكب الجريمة عدوا للمجتمع، مما كان يبرر توقيع أقسى العقوبات عليه، أصبح ينظر الى مرتكب الجريمة عبارة عن شخص خضع لتأثير بعض العوامل المفسدة، فانحرف عن جادة الصواب. وبناء على هذه النظرة الجديدة للجريمة وللمجرم، أصبح من الواجب عند توقيع العقوبة الجزائية على مرتكب الجريمة، أن يوجه هذا الجزاء نحو تحقيق غرض أكثر جدوى من اللوم والتنكيل وهو إصلاح الجاني وإعادة تأهيله وفي هذا السياق فإن القاضي حين يصدر حكمة بالإدانة سوف يستند إلى عدة عوامل عند اختياره حكم وإصدار قرار الحكم وهذه العوامل تظهر في مجموعها الأحوال ألمحيطه بالمجرم مما يسهل على القاضي اختيارا لقرار المناسب الذي يمكن أن يتحقق به إصلاح المحكوم وإعادة تأهيله مستقبلا وذلك بعد معرفة السوابق القضائية للمجرم وأخلاقه وبيئته و حالته النفسية والعصبية وبنائه العائلي تستطيع كل هذه القرائن أن تكشف عن مدى الاستعداد ألجرمي لديه وعن مدى خطورته الإجرامية الأمر الذي يتيح للقاضي فرصة أوسع لاختبار العقوبة الأكثر ملائمة لحالة هذا المجرم من اجل مواجهة خطورته ووقاية المجتمع .
ولما كان المجرم ينقاد إلى الجريمة تحت تأثير عوامل عدة، منها ما هو داخلي يرجع إلى التكوين العضوي والنفسي ومنها ما هو خارجي يرجع إلى بيئة هذا المجرم وظروفه وما دام الأمر كذلك فليس هناك وجه لمساءلته أو لومه الا على أساس اخلاقى وقانوني ومسائلته اجتماعيا باعتباره مصدر خطر على المجتمع، مما يستوجب وقاية المجتمع منه وذلك باتخاذ تدابير احترازية ضده وتعد مثل هذه التدابير الوسيلة الأكثر ملائمة للدفاع الاجتماعي، وهي تهدف إلى توقي الخطورة الإجرامية للمجرم وذلك بوضعه في مركز لا يستطيع فيه الإضرار بالمجتمع . إلا أننا نلاحظ ظهر اتجاه فكري مصدره كثير من النظريات الجنائية وقد اعتمدها الفقه الجنائي ولو على شكل مراحل حسب طبيعة وخطورة الأفعال الاجراميه وعليه فان هدف الدفاع الاجتماعي ضد ظاهرة الجريمة يقضي بوجوب التركيز على مرتكب الجريمة وعلى درجة خطورته ووضع التدابير الملائمة لمواجهة هذه الخطورة، وذلك من منطلق أن الغرض من العقوبة يجب أن يكون دائما هو حماية المجتمع من الجريمة، ولكي يتسنى تحقيق هذا الغرض، فلا بد وان يتجه جزاء الجنائي نحو هدف معين هو إصلاح المجرم من جهة ووقاية المجتمع من أن تقع جريمة أخرى مستقبلا ومن جهة أخرى فقد نادي الفقه بضرورة تنظيم العقاب على وجه يصلح المجرم أو يبعد أذاه عن المجتمع أن كان هذا المجرم غير قابل للإصلاح فالمجرم يجب أن يكون هو المقصود بالعقاب دون جريمته ما دام أن الغرض من العقاب هو إصلاحه قبل اي شيء آخر. وذلك بإرساء قواعد جديدة لسياسة جنائية جديدة تتسم بنزعة إنسانية تحرص على كرامة الفرد ولو كان مرتكبا لجريمة كما تحرص في الوقت نفسه على حماية القيم الراسخة في المجتمع، فهي تعترف بالمسؤولية الأخلاقية كأساس للمسؤولية الجزائية وتطبيق القواعد ألعامه للعدالة وهي حريصة أيضا على الطابع القانوني للنظام الجنائي وتعترف للقضاء بدوره الأساسي وبموقف إيجابي فعال لمواجهة الخطرة الإجرامية وذلك بتحديد الجزاء للجاني بما يتلاءم مع مدى استعداد المجرم للتأهيل والإصلاح مما يتعين معه الاعتداد بشخصية المجرم بما تنطوي عليه من خطورة، وعلى ذلك فإن حركة الدفاع الاجتماعي تجعل من فكرة الخطورة الإجرامية معيارا لتحديد مضمون الجزاء ولا تجعل منها بديلا لفكرة المسؤولية الأخلاقية لتحديد مضمون الجزاء الجنائي، الذي لا يجوز توقيعه إلا على مجرم توافرت لديه حرية الاختيار إلا أن السياسة الجنائية الحديثة تؤكد العناية بأشخاص المجرمين الذين يظهرون خطورة تهدد سلامة وامن المجتمع، ولمواجهة هؤلاء الأشخاص الخطرين، فان الدراسات تتركز على محاولة معرفة الأسباب والدوافع التي دفعتهم للإجرام من اجل معالجتها والحد من الخطورة الإجرامية لمرتكبي الجريمة، وفي سبيل ذلك تفرض بعض التدابير عليهم من اجل حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة، وقد كثر الجدل حول مفهوم الخطورة الإجرامية بعد أن أصبحت تحتل مكان الصدارة في مجال العلوم الجنائية، ولا شك أن البحث في هذا الموضوع سوف يثير الكثير من الصعوبات، نظرا لأنه يتعلق بشخصية الفرد وما يبطنه من ميول وعواطف وانفعالات تنعكس على سلوكه الظاهر فقط مما يستلزم وضع ضوابط و معايير لتقدير مدى الخطورة الإجرامية للفرد لكي يتمكن القاضي من تقييمها لاختيار القرار العقابي المناسب بعد أن أصبح القانون الجنائي يعتمد على الحقائق العلمية المستمدة من علم الإجرام وعلم النفس ومبادئ التدله الجنائية ألحديثه لتطبيق مبدأ فكرة إعادة إصلاح المجرم وتأهيله .
ونستخلص كل هذه المعاير وفق قواعد الفقه الجنائي وعليه فان خطورة مرتكب الجرم ما هي إلا حالة أو صفة تتعلق بالفرد الذي تتوافر لديه جوانبها، وهي تنشأ نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الشخصية مع عوامل أخرى موضوعية تسهم معا في خلق هذه الحالة أو الصفة الشخصية التي تسمى الخطورة الإجرامية. وعليه، فإن جوهر الخطورة الإجرامية يرجع إلى تغلب الدوافع التي تجعل لدى الفرد ميلا إلى ارتكاب الجريمة على الموانع التي ترده عنها أو هي نقص في المانع و إفراط في الدفع والذي يقوي الدافع ويضعف المانع وهى مجموعة العوامل النفسية والبيئية المحيطة بالفرد والتي من شأنها إبراز فكرة الخطورة الإجرامية لديه .
ونتيجة لذلك، فقد يظهر لدى الفرد ميل عام لارتكاب الجريمة أيا كان نوعها فتكون الخطورة عندئذ هي خطورة إجرامية عامة، كما قد يظهر لدى الفرد ميل نحو ارتكاب جرائم معينة، أو نوع معين من الجرائم، فتوصف الخطورة الإجرامية عندئذ بأنها خطورة خاصة. واذا ما ظهر لدى الفرد خطورة إجرامية من أي نوع، فلا يشترط لتوافر هذه الخطورة أن تكون الجريمة أو الجرائم التي يحتمل ارتكابها مستقبلا على درجة معينة من الجسامة. ومع ذلك، فإن درجة جسامة الجريمة يمكن أن تدلل على درجة الخطورة لدى الفرد. لكونها كحالة أو صفة يوصف بها الشخص، تختلف عن الجريمة كواقعة أو كفعل إرادي يدخل تحت طائلة التجريم، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود رابطة بينهما، فمما لا شك فيه أن وقوع الجريمة يعد توفر قوية تدل على توافر الخطورة وهو بمثابة دليل قوي على وجود الاستعداد ألجرمي عند مرتكب هذه الجريمة مما يدل على وجود خطورة لديه إلا أن مثل هذا الربط بين الخطورة الإجرامية والجريمة ليس حتميا فارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على توافر الخطورة، كما أن عدم ارتكاب الجريمة ليس دليلا مطلقا على عدم وجود الخطورة، وعليه فإنه لا يلزم أن ينحصر وجود الخطورة الإجرامية فيمن سبق لهم بالفعل أن اقترفوا الجريمة دون سواهم حتى فيمن لم يرتكب الجريمة بعد ما دام أن وقوعها كان أمرا محتملا وفقا لما تدل عليه بعض المؤشرات والمعطيات والظروف القائمة. كالحالة النفسية للشخص، وظروفه وبيئته الاجتماعية والعوامل الوراثية والحالة الصحية .
وينبغي التأكيد باحتمال ارتكاب الشخص لجريمة مستقبلا، فإذا كان موضوع الاحتمال هو أقدام هذا الشخص على سلوك ضار أو على سلوك لاحق مناف للأخلاق ولكنه لا يشكل جريمة من الجرائم فالخطورة الإجرامية لا تقوم لأن الخطورة هي احتمال ينصرف إلى شخص باعتباره سيرتكب جريمة مستقبلية، أكثر من كونها احتمال ينصرف إلى آتيان سلوك سيء أو غير أخلاقي مما لا يعد جريمة وفق المعيار القانوني الذي يركن إليه للفعل الجرمى ومكوناته ألماديه والمعنوية وفي كل الأحوال، فإن شخصية المجرم هي دائما المحور الأساسي الذي يعتمد عليه العلم الجنائي لتحديد توافر الخطورة الإجرامية، فموطن الخطورة هو شخص المجرم وليس مجرد واقعة أو وقائع مادية معينة.
ويجب أن نميز بين الجريمة السابقة التي صدرت عن المجرم والجريمة التالية التي يحتمل اقدامه على ارتكابها، فالأولى قرينة على توافر الخطورة ويستمد القاضي منها ومن ظروفها جانبا من الأدلة على الاحتمال الذي تقوم به الخطورة أما الثانية فهي موضوع الاحتمال، أي هي الموضوع الذي تنصرف إليه الأدلة المستخلصة من الجريمة السابقة. كما أن الجريمتين بينهما فارق جوهري آخر فالجريمة الأولى معينة لأنها قد ارتكبت بالفعل أما الثانية فهي غير معينة لأنها لم ترتكب بعد، والإقدام على اقترافها هو مجرد احتمال وتتفق الخطورة الإجرامية مع النزعة الإجرامية في وجوب الاعتداد بالجريمة المرتكبة، فهما تعبران عن مضمون واحد وهو الحالة النفسية للجاني، واذا كانت النزعة الإجرامية هي إستعداد الشخص لمخالفة القواعد ألعامه فإن الخطورة الإجرامية تكمن في هذا الاستعداد. ولأن خطر المجرم حالة أو صفة تنشأ نتيجة تفاعل عوامل معينة، فلا بد من تحديد معنى " الحالة " وبيان طبيعتها القانونية، فالحالة هي نظام قانوني ينظم أحوال طائفة من الأشخاص في المجتمع، وحين يخص قانون العقوبات طوائف معينة من الأشخاص في المجتمع مثل الجانحين بمعاملة جزائية خاصة تنفيذا لسياسة جنائية هدفها حماية المجتمع من ظاهرة الجريمة وإصلاح المجرم، فإن مثل هذا التنظيم القانوني يعد حالة قانونية جنائية وهي في ذات الوقت بمثابة حالة نفسية تمر بالشخص، إذ هي نوع من الشذوذ أو الانحراف عن الحالة العادية. فالحالة العادية هي التي تجعل الشخص متجاوبا مع الحياة الاجتماعية، وإذا ما طرأ على هذه الحالة احد العوامل التي تلعب دورا في تكوين شخصية المجرم وتؤثر في حالته النفسية، يصبح غير متجاوب مع الحياة الاجتماعية، وحين يصبح الشخص كذلك يمكن أن تظهر خطورته الإجرامية، فالحالة الاجتماعية ليست سوى عامل يلعب دوره في تكوين شخصية المجرم ويؤثر في حالته النفسية، وفي مثل هذا الوضع، تكون الخطورة الإجرامية مجرد فكرة نسبية متغيرة من شخص لأخر ومن بيئة لأخرى وعليه لا يجوز الخلط بين الخطورة كحالة نفسية وبين العوامل الأخرى التي تتفاعل معها وتساهم في تكوينها والقول بأن للخطورة صفة غير اجتماعية، يدفعنا لبيان إلى أي مدى التلازم بين فكرة الخطورة الإجرامية وفكرة عدم المشروعية، وقد ذهب بعض الفقه أن حالة الخطورة ترتب اثأرا قانونية، إذ يضع المشرع نصوصا تعالج هذه الخطورة وتكون هذه النصوص قانونا لا يجوز مخالفتها، بل أن مخالفتها توصف بعدم ألمشروعيه وشكرا .
Share |