مصر .. تحديات كبرى/طاهر مسلم البكاء
Tue, 4 Dec 2012 الساعة : 1:46

لاينكر أحد ما لمصر من دور وتأثير في العالمين العربي والاسلامي ،لما لها من مميزات كالموقع المتميز والتاريخ والحضارة كما أنها ،في العصر الحديث ،كانت بداية التنوير الذي أنتشر على ماجاورها من بلاد الاسلام ،وقد أنجبت العديد من رجال العلم والادب ممن كان لهم دورا" بارزا" في حركة النهضة العربية والأسلامية .
وبنظرة سريعة الى صفحات التاريخ القريب نجد أن مصر كانت مستهدفة دوما" ، ففي عهد محمد علي ( مؤسس مصر الحديثة ) شنت دول أوربا حربا" ضد مصر من أجل أخضاعها ،وكانت تحالفاتها تلك شبيهة الى حد بعيد بتحالفاتها الحالية .
وأزداد تكالب الدول الكبرى آنذاك على مصر بعد فتح قناة السويس وبروز أهميتها في التجارة العالمية ،وفي نهاية المشوار تمكنت أنكلترا من الانفراد بمصر ثم أتخاذها قاعدة للأنطلاق نحو أفريقيا .
أستمرت مصر تعيش في الظل حتى ثورة عبد الناصر ،ومعلوم أنه لايمكن أن تذكر مصر في عصرنا القريب دون أن يذكر عبد الناصر ، والسبب الرئيس هو أن ثورته كانت ثورة مصرية عربية خالصة وجاءت ردا" على أحداث 1948 .
ومن أكبر الأدلة على ما ذهبنا اليه ،ما أثير في طريق هذه الثورة من مشاكل وتحديات وصلت الى أثارة الحروب المباشرة مع مصر، فالصهاينة
كانوا أكبر ما يخافونه ظهور مصر كدولة قوية يقودها زعيم ، لم يتمكن الغرب من توجيهه حسب متطلباته ومصالحه ،وليس هذا فقط بل أنه برز كزعيم جماهيري في بلاد العرب والعالم الثالث الذي كان قد بدأ يظهر واضحا" في تكتل عدم الانحياز ،وقد ظهر توحد للمشاعر القومية للعرب جليا" في العدوان الثلاثي على مصر ،كما ظهرت بعض التكتلات الوحدوية العربية تأخذ طابعا" عمليا" وواقعيا" بعد ان كانت مجرد شعارات .
لقد أعطى جمال عبد الناصر ،وقتها ، للأمة العربية المنكسرة أمام الصهاينة أنموذجا" عن قوة الأمة وقدرتها على المواجهة والأنتصار فيما لو توافرت الظروف الطبيعية غير الفاسدة ، كما أنها جاءت في وقت كانت فيه أغلب الدول العربية والاسلامية تحت الأحتلال مما أعطى دفعا " وروحا" نضالية لحركات التحرر الناهضة .
واليوم فثورة مصر مشابهة لثورتها بالأمس ،فهي قد جاءت في ظروف وتحديات مصيرية للأ متين العربية والاسلامية ،فلقد كبلت مصر بأتفاقات كامب ديفيد وأخرجت نهائيا" عن محيطيها العربي والاسلامي ،وأخذت تجاهر بالعمل في الاتجاه المضاد ففي وقت يحاصر فيه شعب فلسطين بحصار وحشي لايشابهه الأ ما مر به شعب العراق ،تعمل مصر على زيادة وطأة هذا الحصار وتبني جدارا" عازلا" بينها وبين شعب فلسطين يشابه الجدار الذي بناه الصهاينه بينهم وبين الفلسطينين ،ولم يكتفوا بهذا بل دخلوا الى داخل وحدة شعب مصر ليوجدوا صراعات دينية ومذهبية وغير ذلك كثير ،وأخذ حسني مبارك ،بعد عجزه عن تحسين احوال المصريين ،يطالبهم بتخفيض النسل أذا طالبوابتوفير المساكن ،وكذلك تقليل استهلاكهم للخبز لأجل خفظ أستيراد الحنطة .
أما خارج مصر فقد ساءت الامور كثيرا" فهناك دول عربية أستخدمت الديمقراطية لتفكيكها وتقسيمها الى دول ،بدلا" أن تكون سبيلا الى وحدتها وقوتها ،وهناك دول أخرى أحتلت بمسميات عصرية ، وكل من يقف في وجه اليهود ودويلة الصهاينة فأن له علاج اليوم ، كما في مسرحية المحكمة الدولية والتي حاولوا فيها محاصرة اللبنانيون وتفكيك وحدتهم ، وما هو مستمر اليوم من تدمير لسورية وتهجير أهلها ،وكأننا نرى فلسطينا ثانية في طريقها للتقسيم وكأننا نرى أن حدودا جديدة في طريقها للترسيم لكي ينسى العرب الحدود القديمة التي كانوا ينادوا بها كأضعف الأيمان ، أنها تحديات مصيرية ومفترق طرق فما أشبه اليوم بالبارحة .
جاءت ثورة مصر، ثورة جبارة أهتزت لها عروشهم وأختل تفكيرهم فلم يفلحوا في مساندة الدكتاتور والذي يساندونه بالضد من طروحاتهم في الديمقراطية وحرية الشعوب ويرضون لمصر ما لا يرضونه لشعوبهم فكم رئيس جاء ورحل في اميركا مثلا" وحسني مبارك جاثم على صدور المصريين .
وبعد ان حسم شعب مصر الأمور بسلام ،وأستبشر الجميع وكلنا أمل أن مصر عادت من جديد ، ولكننا نرى مصر عادت تغلي من جديد ،وبروز نزعات تفرد على حساب طموح المصريين بالأنعتاق والحرية ، نقول الحذر الحذر يا شعب مصر من الانعطاف بالثورة وحرف مسارها تحت أي مسمى ولأي سبب كان ، فقد تؤدي مثل هذه الظروف الى تدمير البلاد وأنهاك بنيتها ،كما يحصل لسورية اليوم ، وقد أثبتت لكم السنين الطويلة الماضية أن لن يفيد شعب مصر سوى شعب مصر الموحد الصامد،وبقيا دة تمثل كل المصريين ،دون الأنسياق الى الفئوية ،وهذا ما يخدم مصر ويعيدها الى امتها كقائدة لنضالها وداعمة لوحدتها وقوتها ، ويعيدها الى دورها الحضاري الاصيل .


