بالقبح يتجلى الجمال/علاء حسين نصيف

Mon, 3 Dec 2012 الساعة : 14:32

 

في عالم السياسة المعاصر ،تبرز مفردة الديمقراطية بشكل واضح وملح للشعوب المقهورة تحت نير الاستبداد ،ذات الأنظمة القراقوشية البوليسية .
تراها أي الشعوب متعطشة بعد ان خيم عليها كابوس الظلم والقهر الى انتخابات حقيقية نزيهة بمعنى هذه الكلمة لا الى انتخابات مسرحية ضاحكة يكون فيها البطل صاحب النسبة المئوية 99.99 بالمائة الحاصلة في سنواتها الصدئة الماضية .
وباعتبارها (الديمقراطية ) النظام الأفضل للحكم في العالم او الأقل سوءاً بحسب تعبير تشرشل ،تستورد هذه التجربة الغربية بجدارة الى بلداننا ذات الصيت السيء في الحكم عبر عقودها وسنواتها العجاف بالخير ،وفي القلب امل ان نتنفس الصعداء ونعيش بتطبيقها الرفاه والأمان.
وبعيد عن صراع التفاسير والتأويلات لهذه المفردة في عصر الضغائن نتساءل هل يكفي ان يودع الشعب أصواته في صناديق الاقتراع حتى تكون جميع مشاكلنا قد حلت وبدفعة واحدة بضربة سحرية بعصا موسى ،ام انه من السهل ألقاء الكلام على عواهنه !
فنحن لاشك بحاجة الى ديمقراطية حقيقية يختار فيها الناس من يحكمهم ويسوس أمرهم وان لا يفرض عليهم حاكم يكرهونه وان يكون لهم حق محاسبته وعزله اذا انحرف واخطأ،ديمقراطية المساواة والرفاه والعيش الكريم والحريات والحقوق ،لا الى ديمقراطية هدفها الأساسي الوصول الى السلطة والهيمنة على البلاد.
وأحيانا تفاجئنا صناديق الاقتراع بحصيلتها التي تكون مضادة لحركة التاريخ والتطور فنراها تختار لنا الرجوع الى الخلف بدل التقدم الى الأمام خطوات ،عندها تصبح الديمقراطية المستوردة مجرد اليات شكلانية وصناديق اقتراع فقط !وتصبح غير قادرة على كبح جماح انحراف السلطة الحاكمة والحيلولة دون تحكمها في العباد والبلاد .فتختلط الأمور على الناخب ويتلبس الحق بالباطل فيصبح الاختيار معضلة وحيرة بحد ذاته؟
وهنا علينا ان نكون براغمائيين في الاختيار فيكون نجاح العمل للشخص وتجربته الماضية المعيار الوحيد لاختيارنا.وان لا ننخدع بالشعارات الانفعالية ذات الطابع المضلل وان نحذر من الأشخاص الديماغوجيين الذين قد علمتهم الحياة والنفس الشيطانية طرق خداع الناخب وإغراءه للوصول الى كرسي السلطة وخدمة مصالحه ومصالح حزبه.
فأرى اننا قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع بحاجة ماسة الى نضج سياسي وكسب ثقافة الديمقراطية الحقيقية وذلك لتجنب ان نختار ما قد نندم عليه طويلا.
في انكلترا ذات الديمقراطية العريقة وبلد التنوير الفكري ، لم تعطي هذه الدولة المدنية حق التصويت لجميع السكان نساء ورجالاً الا في الثلاثينات والأربعينات في القرن الماضي ،لكنها بالمقابل كانت دولة دستورية ذات نظام يؤمن الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين ،بعدئذ تجي الديمقراطية الاقتراعية تدريجياً بعد ان يفهم المجتمع ثقافة الاقتراع البناء كتحصيل حاصل لكي تصدق على الحقوق الإنسانية والمنجزات الحضارية والمؤسسات المدنية لا لكي تنقلب عليها وتدعسها بالأرجل.
وبمرارة ،ينبغي علينا ان نعترف بحقيقة ان مجتمعاتنا الحالية مازالت دون المجتمعات التي ابتنيت على الحرية وان نظمنا الحالية ايضا مازالت دون النظم التي تقوم على الديمقراطية الحقيقية.
وعزاؤنا الوحيد في هذه المعضلة الاستعصائية هو بوجود نخبة مستنيرة كفؤءة تخترق حجب الطائفية والعنصرية والمصلحة الفردية متصدية للعمل السياسي .
وقد تجلت بوضوح الشمس في وسط النهار جمال ديمقراطية الغرب والتي تثبت قدر أحساس الفرد بدوره الوطني باختياره الأصلح والأكفأ بعيد عن العصبيات المختلفة والمترسخة في العقول ، وبقباحة ديمقراطيتنا الناشئة بآثارها ونتائج اختيارنا يتجلى جمال ديمقراطية هذه البلدان المتقدمة متأملين الوصول الى مثل هكذا ديمقراطيات عريقة حقيقية واعية على الامد القريب .
Share |