قصة قصيرة- تحت أوراق البردي/علي موسى حسين

Sat, 1 Dec 2012 الساعة : 0:11

 

الطقس كان باردا لطيفا , والسحب توشح السماء, والتي بدت كبقايا طباشير على سبورة زرقاء, لتسيل من مساماتها خيوط رائقة الصفاء وتنساب من بينها سبعة ألوان من الحرير رائعة الجمال. قرأتها ذاكرتي: أريج عطر يرشح من خدي فتاتي المشاكسة وتلك الألوان انعكاسات فستانها والتي كانت تفرغ جاذبيتها في كياني, فكنت انهال لها قطعا متناثرة. كانت تلك الحزمة من الألوان السبعة ترتقي في السماء وتستدير بداياتها باتجاهي, فيسحبني نحوها عشق رشيق وقد فاضت جوانبه فوق الفؤاد, وأنا لازلت أتذوق تلك الابتسامة من مساء أمس وهي تسيل سكرا في فمي.
جلست تحت ظل صنعته من أوراق البردي, بعد أن وضعت طُعما لمدة ثلاثة أيام متوالية بمسافة تأثير بندقيتي, كما يفعلها أبناء قريتي, وقد طلبت من أصدقائي أن يعلموني فن الصيد, والمناورة في الاختفاء, فالشتاء على الأبواب , ومروز العنبر قد نضح عبيرها, وأمواج الطيور المهاجرة قد بدت طلائعها.
تحيرت أن أسدد على أكبر طير أم أكثر عدد وأنا أدقق النظر لفوهة بندقيتي لأختبر تسديدي إلى الهدف, لكن تلك الألوان الجميلة المتألقة التي تشع من فستان فتاتي الساحرة . يجذبني بريقها فيشدني التأمل لأنسج ذاكرتي مع خيوطها وأمسك بها لأتسلق إلى فتاتي, فانها فرصة ذهبية لتحظى أناملي بملامسة فستانها.
كانت أنفاسي تنتعش بأذكى عطر, وعيوني تتكحل بأروع منظر فتعجبت من يدي أنها لازالت على البندقية كنت أكرهها وان كانت بندقية صيد, وقد زاد رصيد هذه اللوحة الفاتنة صوت غناء ومغازلة لتوشح الفضاء بهجة وسحرا لكنه بلغة غريبة, لم أكن قد سمعت بها. ذكر بط وأنثاه , من أقاصي الأرض لونهما كقطن خرج من زهرته توا. كانا يتغازلان قبل أن يهبطا, ابتهاجا وليقضيا شهر العسل في الأرض الدافئة, وهما يعرفان أن أعياد الميلاد هنا كانت قبل ألفي سنة , فورثا هذا التقليد الاحتفالي من الأجداد.
كأن ألوان الوشاح قد اقتربت بداياتها وصارت تنزل نحوي , لا أدري: هل أن فاتنتي رمته باتجاهي أم باتجاه هذين الضيفين الغريبين؟
كأن الذكر أحس بخطر, أنا متأكد أنه رآني, لكن لا أستطيع أن أقول له أنني استثنيت أن أسدد رصاصاتي نحوكما, حبا بكما, وخوفا أن تنقلا لحضارتكما ثقافة القتل والذبح والتي هي ليست من ثوبنا.
صار الذكر يصدر أصواتا لم أستطع أن أترجمها , لكن الذي فهمته, هو تنبيه وتحذير وإنذار بخطر يهددهما.
الأنثى استغاثت الذكر بأصوات حزينة , جناحاها يرفرفان, وكأن شيئا قد مسكها من رجليها حال هبوطها. لم أمتلك لغة التفاهم لأصيح إليهما أنني استثنيت من قتلكما. قلت:
ـ لأحرك بندقيتي حتى تطير الأنثى وتلحق بذكرها.
كانت بندقية لعينة زناد فتيلها قد علق بأحراش خبيثة فتوقد شرارها. رميت البندقية من يدي, وأنا مذهول من أن أصيبت الأنثى, فلقد أصبحت أرى فيها فتاتي الساحرة ولغة أخرى. كانت إحدى الشظايا قد جرحت جناحها. مسكتها, وقد عرفت سبب تأخرها عن الطيران فإحدى رجليها قد علق بقطعة شباك كانت هنا متروكة . تألمت كثيرا, وقررت أن أضمد جرحها لتتشافى ولتعود وراء ذكرها. كنت أتمنى أن لا يعود إلى أهله وحضارته سريعا, ولينتظر أنثاه, فأكيد أنها ستقص عليه مساعدتي وبراءتي..
لكن الذي آلمني أن الوشاح الملون قد اختفى..
.. ربما تناثرت خيوطه من رصاصات البندقية, أو ربما طار مرعوبا من صوتها الأجش, أو ربما خطفه الذكر ليفرشه لأنثاه إن عادت إليه. وقفت متحيرا, وقد تبخرت الآمال الوردية التي كان أريجها يملأ أنفاسي, واختفت صورة فتاتي من بين جفني, وتلاشت من خيالي أحلام كنت أقترب إليها كثيرا.
Share |