الأمام الكاظم ..أمام الرفض لا أمام العملية السياسية -سمير القريشي
Tue, 28 Jun 2011 الساعة : 9:35

تمر علينا هذه الأيام ذكرى شهادة الأمام موسى ابن جعفر الصادق صلوات الله عليه ومع ذكرى شهادته تتجدد في القلوب والضمائر والعقول .موقفه سلام الله عليه المتصلب من الظلم والجور والتسلط ,باعتبار هذا الموقف المقياس المعبر عن حقيقية الجهاد في سبيل الله تعالى والتضحية من اجل المبادئ والقيم . فليس كل من رفع لواء المعارضة ضد الدكتاتورية عد من المجاهدون..وليس كل من تشندق بشعارات العدل والديمقراطية عد من الأحرار, فطالما اختبئ الانتهازيون والمتصيدون في الماء العكر خلف الشعارات والخطابات الرنانة الفارغة بانتظار الفرصة المناسبة للأنقاض على عروش من ستطيح بعروشهم العواصف العاتية.... في الحكمة العباقرة تخطط والإبطال تنفذ والانتهازيون يغنمون .
الموقف الحقيقي للجهاد .هو الموقف الذي تختلط معه الدماء الزكية الطاهرة مع جراحات العذاب والعناء والاضطهاد والألم.. موقف لا يطمح صاحبة بأكثر من تحقيق ما اعتقد به من عقائد ومفاهيم .. فهذه سنة الله تعالى في الذين يسعون إلى نيل الموقف المقدس الواقعي ..والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله مع المحسنين .. لا مع الذين خدعوا وكذبوا وسرقوا وأعادوا إلى الواقع سنة خلفهم المقبور في الاستئثار بالمال العام وحرمان الطبقات الفقيرة من ابسط حقوق الحياة بينما تتمتع الطبقات الظالمة المترفة بكل أنواع الامتيازات .. لكن ما الحلية والحق تعالى يقول.. وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا .. وبعد كان ..
الأمام الكاظم صلوات الله عليه كان يقاوم الظلم وهو يحمل في خلجات قلبه المقدس مشروع دولة العدل. لان المقاومة التي تفتقر إلى المشروع مقاومة خاسرة عابره .لا تنظر إلى ابعد من انفها المشروع السياسي الناجح هو المشروع الذي يلبي طموحات الأمة ويرسم لها أشواط المستقبل بعناية فائقة بعد أن يلم خيوط الحاضر المبعثرة بفعل الطغاة, فيكون هذا المشروع ومؤسسية بحق مجاهدون صادقون .
.مشروع بناء الدولة يبدأ من حيث يعي الحكام أنهم مسئولين أمام الله تعالى وإمام الجماهير بان عليهم مسؤولية بناء الدولة وإعادة أعمارها . أما أذا لم يعي الحكام هذه المسؤولية فليتأكد الجميع أن الديمقراطية بانتخاباتها التي لم تجلب سوى من اتصف بصفات الاحتيال والخداع والكذب آلا القلة منهم لا تتباين عن الدكتاتورية بأي بشي , فكلاهما لا يسعيان إلى أكثر من الوصول إلى سدة الحكم والتسلط على رقاب الناس..
أن كل التغير الذي حصل في العراق بعد الاحتلال لم يكن أكثر من تبدل في مواقع الاستغلال بمعنى أن صدام ذهب واتى هؤلاء الديمقراطيون المتسلطون . وفي ضوء هذه الحقيقية التي لا تنكرها الظروف الموضوعية يجب أن تدرك الأمة أن العناوين لا اثر لها في السياسية. المهم هو الأثر في الواقع الحياتي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني والصناعي وغير ذلك من ميادين الحياة العملية باعتبارها المعيار الموضوعي لقياس صلاح النظام من فسادة ..ما اثر اثنان وأربعون وزارة .ومجلس نواب .وهيئة رئاسة جمهورية .ومجلس وزراء. وخمس عشر مجلس محافظة. وعشرات من مجالس الأقضة وأكثر منها مجالس نواحي ,ما اثر الآلاف من السيارات الرباعية الدفع ومئات الآلاف من الحمايات الخاصة, ما اثر استنزاف خزينة الدولة على المنافع الخاصة , ما اثر مئات من وكالات الوزارات. ومثلها مدراء دوائر ومؤسسات وبلديات وغير ذلك من مفاصل الدولة المختلفة . بل ما اثر كل هذا النظام السياسي القائم ؟؟؟ والمواطن لا يجد من الكهرباء أكثر من أربع ساعات يوميا. ولا يجد نفسه في دولة تحترم المواطن وتوفر له ظروف الحياة الحرة الكريمة قبل أن توفر له وسائل الخدمات .ما اثر كل ما تقدم وأكثر وكل يوم يكرم النظام الديمقراطي أعوان النظام البائد بمكارم لا تختلف عن مكارم القائد الضرورة السخية أيام ما كان يكيل لشيوخ العشائر والمتذللين الملايين والآلاف ؟؟؟؟
ومن اجل ذلك كان الأمام موسى الكاظم صلوات الله عليه يعبأ كل الطاقات والإمكانيات باتجاه تحشيد ألامه صوب أن تعي أن الظلم حين يتسلل إلى مفاصل الحياة يصعب الوقوف بوجه .وحين لا تؤدي ألامه واجبها الحقيقي اتجاه الظالمين تفقد كرامتها وعزتها .و يتحول فيها الرجال إلى عبيد والنساء إلى إماء . وبالتالي تموت وتصبح شبح امة, تمسخ في كيانها المفاهيم الصادقة لتكون خرافات. تتحول المقاومة في عرفها إلى جبن. والإقدام إلى تهور والأمل إلى يأس.. ومن اجل ذلك كان الأمام الكاظم صلوات الله عليه ينشر ثقافة الحياة الواقعية الكريمة الحرة . التي يجب أن يعيشها الإنسان ..حياة الموقف والجهاد والوعي والوقوف بوجه الاستبداد. وكان صلوات الله عليه يحث مواليه على السلوك في سبيل هذا اللون من الحياة. لان الإنسان الذي لا يقدم إلى الموقف المشرف لا يعدو أن يكون حيوان بل اشد من ذلك. والقران حدثنا عن مستوى البعض الذي لا يرغب باتخاذ الموقف المبدئي قائلا عنهم بأنهم أسوء من الإنعام ..بل هم كل الأنعام بل أضل سبيلا ..
صفوان الجمال كان من حاشية الأمام وأصحابه المقربين لكنه لم يعي مع ذلك الموقف الصحيح الذي يريده الأمام من آلامه والفرد ..لم يعي أن مقاتلة الظلم والجور يجب أن تكون على كل الأصعدة والسبل والأفاق ..لم يعي أن غلق كل المنافذ أمام هيمنة المتسلطين هي مفتاح الانتصار .وان مجاملة الظالم تحت أي ظرف يقع وبأي لون يتلون .هي مهادنة .هي مساومة ..هي مصادرة لحقوق المظلومين ..هي الركون إلى الذين ظلموا .. هي الوقوع في جهنم ..
صفوان كان يملك جمال استأجرها هارون العباسي لسفر الحج .نعم لسفر الحج ..لم يستأجرها من اجل التجارة أو السياحة. أو لسفر سياسي. بل من اجل أن يؤدي فريضة الحج,لكن الأمام حين علم بذلك غضب غضبا شديدا وحين حضر صفوان إلى مجلسه عاتبه عتاب قاسيا.. بعد أن استدرجه بالحديث .فقد علم من صفوان أن مبلغ الإجارة لم يدفع كاملا فقال الإمام الم يدفع لك هارون كل المبلغ ؟ فقال لا..قال الأمام أذا أنت تريد أن يبقى هذا الظالم حيا لحين أن يعود من الحج فيدفع لك مالك ..أنت يا صفوان بهذا المقدار من بقاء الظالم حيا قد شاركت بالظلم ..ثم أعقب صلوات الله عليه قائلا قوله المشهور الكبير..لأن أقع من شاهق فأتقطع أربا لأهون علي من مساعدة ظالم بمداد قلم ..
هذا هو الإمام الكاظم لا يهادن .لا يسمح لنفسه أو لمن يقول انه من شيعته بمساعدة ظالم بمداد قلم لان في هذا المساعدة مشاركة فعاله في أطاله الاستبداد. في الحرمان .في الفساد .في تسليط ضعفاء النفوس والمفسدون على رقاب الخلق..
وعندما اقتربت منية الإمام وأخذته يد الأجل ووضع على جسر بغداد ونودي عليه هذا أمام الرافضة, لم يكن القائل بكاذب. بل كل الذي قاله هو عين الحق .نعم الإمام عاش حياة الرفض ..حياة المعارضة ..لم يقبل كل عروض السلطة الجائرة مع أنها كانت لتضع بين يديه الصفراء والبيضاء والسلطة والحمايات والسيارات الرباعية الدفع لو قبل بعروضها الغاشمة ..وعلى ذلك كان من الطبيعي جدا أن تكون خاتمة الأمام بالطريقة التي وضع فيها على جسر بغداد بعد أن سم بسم الشاهك ابن سندي ..الشيء الغير طبيعي أن يموت الإمام موتا طبيعيا ..الشيء الغير طبيعي أن يمتطي الأمام سيارة رباعية الدفع ومن حوله مئات المسلحين وفي جانب أخر من حوله أفواه جوفا وأكباد حرى ..الشيء الغير الطبيعي أن يستأثر الإمام بالسلطة بحجج ما انزل الله من سلطان على حساب الإسلام والمسلمين ..
السلام عليك يا أمام الرافضين وجعلنا ممن يسلك نهجك النير لرفض كل باغي وطاغي من أي طائفة ودين فالظلم والطغيان لا دين له ولا مذهب
سمير القريشي